[esi views ttl="1"]
أرشيف الرأي

القتل مرتين!

لا يقف أذى الحوثيين على ابناء تعز في عمران (قصة الموقص)، بل يمتد إلى تعز أيضاَ (عراك الساحة وذهنية البطل الفلتة). الجماعات التي تعيش وتعتاش على العنف كطريقة حياة ووجود لا يمكنها تفهم اشكال أخرى من العمل الثوري أو السياسي. لانها اعتادت على لغة البندقية ولهذا لا تتصور طرقا أخرى لنيل الحقوق سوى البندقية.

هذه الذهنية تتيح لنا فهم موقف الحوثيين من المبادرة وكل اشكال المصالحة التي ينبغي تشييدها في اليمن.

ولهذا فإن حضور الحوثيين بهذه الذهنية في تعز سيؤثر كثيرا في السلم الاجتماعي لأنه إضافة خطيرة إلى سلسلة العنف المخزون والرغبة في التخلص من التهميش والعسف اللذين مورسا بحق ابناء تعز. على أن الفارق ان الخيارات السابقة لأبناء هذه المحافظة كانت خارج البطولة العنيفة وتعتمد على سلوكيات حضارية ومدنية ولا تتوسل البندقية في كل جولة من الجولات النضال. بل ان صيغة العمل التي تتوسلها هذه المحافظة تنبع من كون مصلحة ابنائها تتواجد في كل ارجاء الوطن اليمني ولهذا فان أي حل يجب ان يكون بسقف وطني ولا ينبع من منطلقات مناطقية أو أسس عرقية أو سلالية وفوقية كهنوتية.

لقد أسهم النشاط الاقتصادي والاحتكاك بثقافات مجاورة بالإضافة إلى الانخراط في التعليم لأنباء هذه المحافظة في خلق حالة من الانسجام والوئام الاجتماعي ونبذ اشكال التمييز الفجة ورفض السلالية واعتماد تقييم الفرد على القدرة على الانجاز والاستحقاق العلمي والاقتصادي. حتى ان الفئات المهمشة اخذت في التمكن الاجتماعي والاقتصادي على وجه الخصوص مقارنة بنفس افراد الفئات المهمشة في بقية المحافظات.

هذه هي السمات الاصيلة لهذه المحافظة، لكنها اليوم في مواجهة مع ثقافة مغايرة لهذه السمات تترسخ بسبب عميق الغبن الذي تعرضت له هذه المحافظة، كما ان المناخ الثوري والحماسة الكبيرة قد تنزلق بالكثيرين إلى مهاوي السلاح وثقافة البطل (الفتوة) بفعل ما تقدمه جماعة الحوثي من نموذج للانتصارات على الظلم تعتقده انتصارا لها وخطابها العائم بين اليسارية والعقائدية في مفارقة هي جديرة بأن تكون موضوع دراسة.

ولا تترسخ هذه الثقافة التميزية والعنيفة للأسباب اعلاه فقط بل تستمد وجودها من مناخ العداء الموجه تجاه حزب الإصلاح وبالتالي تكون النكاية بهذا الحزب بأن تنخرط الصفوف الثورية في تعز وجوبا في ذهنية الحوثية. ولا اقصد الذهنية الدينية بامتياز ولكن المنطق المنتصر على الدولة القادم من الجبال والذي لا يرى الخلاص إلا في البندقية ويعيش حالة تأهب وتخوين دائمين باعتباره مستهدف على الدوام نظرا لقيمه السامية على القيم الهينة للآخرين. وهذه لا تكفي لتوصيف هذه الذهنية بل ان اخطر ما فيها هو الاستحواذ على الوطن والوطنية والوفاء والرجولة. انها حالة اقصاء مبطنة وظاهرة نتيجتها العنف ودورات الدم فقط.

إن مناصرة ابناء تعز ينبغي أن يتأسس على تدعيم منهاجها في العمل السياسي والتقدم الاجتماعي وخيارتها في نيل حقوقها وليس في ادخال ذهنية الجبال والعزلة واستنبات البطل السلالي الممجد لدمه وبدمه.

كما أن على تعز ان تعي مخاطر الانزلاق في مثل هذه الذهنية لانها ستفقد القيمة الاصيلة والمضافة التي تملكها وستتماهى مع دوامة العنف الجاهزة والقابلة للانفجار في أي لحظة.

زر الذهاب إلى الأعلى