(1)
ترتكب الأخطاء بسوء نية، لكن البعض يستدرجه خصومه و(أصدقاؤه) لارتكاب الأخطاء الفادحة؛ والعاقل ليس هو الذي يعرف فقط الفرق بين الصواب والخطأ، أو الخير والشر؛ بل هو الذي يعرف الفرق بين الخطأ الصغير والخطأ الكبير أو الشر الصغير والشر الكبير.. وهو أيضا الذي يميز بين الناصح الصادق والناصح الإبليسي الذي يتقمص دور المحب المشفق!
(2)
وكما قيل إن الطريق إلى جهنم مرصوف بالنيات الحسنة؛ فكذلك يبدو أن الطريق إلى مشروع الانفصال مرصوف بالنيات الحسنة عند البعض، والأماني الشريرة عند البعض الآخر.. وهؤلاء الأخيرون يمكن أن نلاحظ أنموذجاً منهم في التصريحات المفبركة التي أطلقها د. محمد المتوكل ونسبها للدكتور ياسين سعيد نعمان - أمين عام الحزب الاشتراكي اليمني- ومضمونها: اخرج من صنعاء.. عد إلى عدن أو تعز (تعز هنا أقحمت كنوع من التمويه الداهية).. أنت في صنعاء محاصر ويفرض عليك حلفاؤك في المشترك مواقف لا تتفق مع قناعاتك!
قبل 18 عاماً من اليوم؛ نكاد نجزم أن نائب رئيس مجلس الرئاسة السابق (علي سالم البيض) تلقى مثل هذه النصائح: عد إلى عدن.. تحرر من صنعاء.. والنتيجة كانت هي المعروفة لدينا جميعاً! لا نقارن بين الاثنين (البيض وياسين نعمان).. الأول كان نزقاً رضي لنفسه أن يدخل في مشروع وحده مع علي عبدالله صالح ليس بسذاجة وهرولة ومثالية كما يقولون بسذاجة ماكرة.. ولكنه دخلها بتآمر ثنائي للبقاء المشترك في السلطة حتى زيارة المقابر؛ فكانت النتيجة: النظام السياسي المشوه المعادي للشعارات للديمقراطية والحريات التي رفعت، المخادع للشعب الذي انحنى رأسه للأخطاء وتربيطات الكواليس حباً في الوحدة وأملاً في إصلاحها مستقبلاً! أما (نعمان) فهو خلاصة التجربة والمعاناة وقراءة تتوخى الفهم والتعلم من أحداث الماضي القريب (هكذا نحسب ولا نزكي على الله أحداً).. ولذلك انزلق (البيض) في هاوية الأزمة السياسية التي وضعت خصومه أمام خيارين: إما الانفصال وإما الحرب.. ولأن الأوهام كانت كبيرة.. والحسابات خاطئة أو غير دقيقة.. فقد سيق (البيض) كالأعمى إلى نهاية غير سعيدة ولا مشرفة.. بعد أن فتح أذنيه لوساوس شياطين السياسة اليمنية الذين التفوا حوله، وقدموا له التنظيرات بأنه على الحق وعليه الثبات في موقفه، وعدم التراجع، وعدم الرجوع إلى صنعاء، وعدم الاستماع لنصائح بعض قيادات حزبه!
اليوم.. يواصل فريق (الوسواس الخناس) دوره التاريخي في الوسوسة وخلط الأوراق.. فمنهم من قفز إلى مربع الرئيس السابق ليوهمه؛ بعد أن كاد يقتنع بأن الحصانة من ذهب؛ بأنه يمكن أن يكون صاحب الدولة المدنية الحديثة.. وفي مربع آخر يدعو بحماس إلى تفكيك أو تسريح للقاء المشترك بعد أن انتهى دوره؛ متناسياً أنه كان قبل أسابيع يدعو بحماس أشد إلى إيجاد كيان سياسي جديد لإحداث حالة توازن في العملية السياسية كشرط ضروري لازم لإنجاح الديمقراطية والتسوية السياسية. وفي هذا السياق الإبليسي يمكن فهم تلفيق كلام يمس وحدة اللقاء المشترك ويزعزع الثقة بين أطرافه ثم نسبته للدكتور ياسين، وهو فعل يخدم مشروع صالح في المقام الأول!
(3)
من حسن الحظ أن د. (ياسين نعمان) ليس (علي سالم البيض).. فقد بدا الأسبوع الماضي أكثر إدراكاً للعبة الوسواس الخناس، وقام بعمل أخلاقي وسياسي جريء بوضع النقاط على الحروف في رسالته التي وجهها إلى المتوكل، وفضح فيها تلفيقاته رغم وقاره إلا أنه كشف ضيقه من أساليب الثعالب وفهمه لمراميها الخبيثة!
يعلم الجميع الدور التاريخي الذي يمثله وجود د. (ياسين) في قمة الحزب الاشتراكي في هذه المرحلة.. وكذلك الدور الكبير الذي يؤديه مع عدد من زملائه في قيادة اللقاء المشترك.. لذلك كان ضرورياً لإنجاح مخطط إفشال عملية الانتقال السياسي السلمي أن يبعد د. (ياسين) عن صنعاء تماماً كما حدث مع (البيض) عام 1993 [عاد البيض إلى عدن في 18 أغسطس 1993، وبعده بيوم واحد عاد أحد أبرز وجوه الأزمة السياسية والانفصال كما اتضح فيما بعد.. والذي تحول فجأة إلى محرّض ومسعّر ومؤجج للمشاكل.. وظل بعد الحرب في المنفى أعلى الأصوات الرافضة للرجوع والتفاهم؛ حتى كانت انتخابات 2006 فعاد فجأة ليظهر بجانب الرئيس السابق وعدوه اللدود في ميدان الحبيشي، وكأن شيئاً لم يكن بعد أن أغلق كل ملفات العداء، وألغى خطط إسقاط النظام، وأطفأ وسائل إثارة الفتنة والتحريض ضد الوحدة اليمنية والاحتلال الشمالي.. أو كما قال الأديب المصري الشهير/ نجيب محفوظ: (آن للنار أن تنطفئ بعد أن أدت دورها).. لا يعني هذا أن الطرف الآخر كان بريئا تماما لكن مشروع البيض يومها لم يكن إصلاح الدولة كما كان معلنا بل فك الوحدة وإعادة اليمن إلى عهد التشطير، ولو كان مشروعه إصلاحا حقيقيا لما سمح للأمور أن تتجه إلى حافة الهاوية، ولاستغل ما حدث لدفع الوضع باتجاه الإصلاح الحقيقي الذي يستهدف مصلحة الوطن والشعب وليس مصالح شخصية وحزبية.. ولعل استحضار نوعية الذئاب العنصرية والانفصالية تاريخيا التي نفخت في الرماد يومها يعطينا تأكيدا إضافيا على المضمون الحقيقي لمشروع البيض وأهدافه الحقيقية].
بجهد بسيط يمكن معرفة الذين يريدون خروج د. (ياسين) من صنعاء بكل ما يعنيه ذلك من انعكاس سلبي على قوى الثورة الشعبية وعملية استكمال الانتقال السلمي للسلطة وفق المبادرة الخليجية.. وكذلك معرفة الذين يوجهون الاتهام لأطراف في اللقاء المشترك بالوقوف وراء حادث جولة سبأ.. وكأن (ياسين) كان حليفاً للرئيس السابق.. وكأنه لم يكن أحد القادة السياسيين الذين أداروا دفة الجانب السياسي للثورة الشعبية حتى إجبار (صالح) على التوقيع على المبادرة الخليجية، وترك كرسي الرئاسة مع كل ما استتبع ذلك من عملية شاقة لكنها مثمرة لتفكيك سلطانه وإعادة بناء دولة للشعب كله بدءاً من القوات المسلحة والأمن!
تذكروا من كان معارضاً لهيكلة الجيش والأمن وتوحيد قيادتهما وأنتم ستعرفون مَنْ من مصلحته تفكيك اللقاء المشترك.. وإثارة الزوابع بين أطرافه لإيهام الرأي العام بأن حوادث الاغتيالات تعود من جديد وتستهدف الأمين العام للاشتراكي نفسه، وعليه الذهاب إلى عدن والبقاء فيها.. حتى (عبده خراميط) أعلن أن قتلة عزيز اليمن هم من كانوا وراء حادثة جولة سبأ، ونظن أنه يكفي هذا الكلام لتظهر لعبة استغلال الحادث لصالح بقايا النظام السابق على حقيقتها!
(4)
ليس غريباً أن يحدث كل ذلك؛ لأن المرحلة الأخيرة والحاسمة في هيكلة الجيش والأمن صارت قريبة جداً.. ولم يعد تأجيلها مفهوماً؛ وخاصة أن الرئيس (هادي) سيعود بإذن الله من زيارته الخارجية مدعوماً بشرعية دولية واضحة لإجراء الجولة الأخيرة من مشروع توحيد قيادة الجيش والأمن.. والخاسرون من هذا الأمر معروفون.. والرافضون له من فريق الوسواس الخناس مشهورون؛ وربما لذلك كان لابد لهم أن يقوموا برمي سهامهم الأخيرة، وإعادة خلط الأوراق!
ضعوا تصريحات المتوكل بجانب تهديدات طارق الفضلي الأخيرة بجوار المعلومات التي نشرتها (الثوري) الخميس الماضي عن ثلاث محاولات لاغتيال د. نعمان بواسطة سيارات مفخخة.. وحينها سوف يبدو الأمر مفهوماً واضحاً! فإذا أضفنا إلى ذلك المسرحية (الهندية) التي صنعتها أجهزة الحرس الجمهوري التي ما تزال مختطفة بنشر ما سمته (مخطط إصلاحي لإثارة الفوضى في صنعاء) فسوف يكون تحالف الدولة المدنية الحديثة لصاحبها صالح وتابعه المتوكل مفهوما ومجسدا باللون الأحمر الدموي!
على ذكر مخطط بقايا النظام لإثارة الفوضى؛ سيلاحظ المطلع عليه في صحيفة قيادة الحرس الجمهوري أن الخطة مسحوبة نسخة أصلية من جهاز الكمبيوتر الجمهوري بترتيب وتنسيق وإخراج فني عال المستوى يليق بمهنية واحتراف قيادة الحرس الجمهوري؛ التي طنطنوا عليها طويلا؛ وليس بحزب سياسي كالإصلاح أو القوات المسلحة المؤيدة للثورة التي طالما اتهمت بأنها عجوزة ومتخلفة عن التطورات الحديثة في العلوم العسكرية، واتهمت قيادتها بأنها لا تصلح لوظيفة: بواب!
(5)
كان مخططا أن أبدأ هذا الأسبوع مناقشة بعض الشبهات؛ التي يحاول البعض بها بسذاجة رصف طريق الانفصال تحقيقا لنبوءة صالح بأن اليمن بعده سوف يتفتت ويتصومل؛ لكننا فضلنا التطرق لمستجد أكذوبة المتوكل الأخيرة كأنموذج للذين يرصفون طريق الانفصال بسوء نية.. على أن نواصل الحديث الأسبوع القادم بعون الله تعالى.