[esi views ttl="1"]
أرشيف الرأي

فخ التقاسم - طريق الهاوية

أُخذ على النظام السابق أنه نظام عائلي إقصائي قام على الاستئثار بالسلطة والثروة ووزعها طبقا لمعايير القرابة والولاء والوجاهة . ولعل الثورة الشبابية انطلقت "حالمة"بتغيير أسس وصروح تلك المعادلة وبناء مجتمع مساواتي لا تفريق بين مواطنية على اساس الولاء الحزبي أو المناطقي أو الجغرافي أو الديني أو القبلي أو الطائفي وما شابهه من التحيز والاقصاء.

غير أن المعطيات الراهنة بعد مرور عام على الانتقال السلمي للسلطة جاءت مخيبة للآمال. إذ يغلب منطق التقاسم للمناصب الحكومة والادارات والمؤسسات العامة على اساس الولاء أكثر منه على معايير الكفاءة والمقدرة والنزاهة. وهي نزعة تستعيد ذكريات ونهج "آليات النظام السابق" وتكرس إنتاج أدواته كما تكرر تجربة التقاسم المرة التي حدثت بعد قيام الوحدة والتي قادت بغّيها إلى الحرب الأهلية عام 1994.

وسط هذا التقاسم المر والفاجع للمناصب الحكومية على أساس الولاء الحزبي والسياسي الذي يغذي التوترات ويزرع بذور الفرقة والتمزق ويملأ إناء الوطن حتى حافته باليأس القاتل تتجه قافلة الثورة السلمية نحو الفشل وقد تقودنا إلى ماهو أبعد من نقطة البداية. ويلحظ المراقبون المحليون والخارجيون الفشل الكاسح الذي يسيطر على أداء معظم مؤسسات الدولة بسبب التعيين على اساس معايير الولاء السياسي والحزبي بدلا من معايير الكفاءة والقدرة والنزاهة. إن هذا النهج القاتل يحمل في أحشائه بذور الدمار والتناحر حتى فيما بين شركاء اليوم ، لأنه نهج يقوم على التسلط وإنكار الآخر وإلغائه حالما تتيح له الفرصة ذلك.

وتزعم القوى السياسية المتربعة على إدارة المرحلة الانتقالية أن سبب مهاجمة الكثيرين لها على تبني هذا النهج إنما تحركة طوابير الثورة المضادة التي تقودها "منظومة النظام السابق" التي تمتلك الأدوات والموارد للقيام بهذه المهمة. وحتى لو سلمنا بحقيقة الثورة المضادة التي لا تخلو ثورة في التأريخ من وجودها ، فإن الوعي بها يقتضي عدم تكرار نهجها وأدواتها وممارساتها حتى يحظى النظام الجديد بالتعاطف والمساندة، وحتى يغلق الطريق امام تلك الشخوص المريضة والغارقة في وهم التأريخ بالسيطرة والهيمنة والاستعباد، وحتى ننحرف عن الطريق الضال التي وقعت فيه ثورة مصر التي نشهد صراعاتها اليوم، والتي قد تقودها إلى المجهول. وهذا هو نداء استغاثة إلى رئيس "الجمهورية الثانية" وجميع القادة السياسيين في هذا الوطن، الذين حركتهم وتحركهم دوما المصالح الوطنية العليا أن يجنبوا اليمن هذا المنزلق الخطر الذي دفع ثوار فبراير حياتهم ثمنا غاليا لوقف مسار الكارثة وبناء يمن سعيد يقوم على الحرية والمساواة والعدل والكرامة والديمقراطية ، ويتساوى جميع أبنائه أمام القانون.

زر الذهاب إلى الأعلى