[esi views ttl="1"]
أرشيف الرأي

قراءة سريعة في مشروع موازنة 2013

يؤكد الاقتصاديون على الدوام بأن موازنة الدولة هي أهم أدوات السياسة الاقتصادية والمالية للحكومة والتي من خلالها تستهدف الحكومة تحديد ملامح المسار الاقتصادي للدولة خلال عام وبها يوضع حدا للاختلال والركود السائد ووقف التدهور وإطلاق النمو الاقتصادي وذلك من خلال الاستخدام الأمثل لمكونات الايراد والإنفاق بحسب ما تقتضيه الظروف والمعطيات السائدة. ولما كان اليمن يعيش مرحلة استثنائية انتقالية ، وبالتالي يكون اقتصادها انتقالي ، فان الموازنة تستجيب لهذا الوضع الاستثنائي الانتقالي بموازنة استثنائية انتقالية.

وتستهدف موازنة 2013 كما هو شأن كل الموازنات تحقيق هدفين رئيسيين من بين مجموعة أخرى من الاهداف الأول يتمثل في رفع معدلات النمو الاقتصادي ومعالجة الاختلال الهيكلي والمزمن في الموازنة والهدف الثاني يتمثل في معالجة الآثار السلبية للأحداث الأخيرة التي مرت بها اليمن العام الماضي وبالأخص ما تعلق منها بإعادة التأهيل للمؤسسات الحكومية والبناء لما دمر من البنية التحتية والمنشآت والممتلكات العامة والخاصة والحد من البطالة وكذلك من ارتفاع المستوى العام للأسعار ومعدلات الفقر.

وقبل النظر في مدى قدرة هذه الموازنة على تحقيق هذين الهدفين الكبيرين التي تنضوي تحتهما مجموعة أهداف يقتضي منا قراءة سريعة عير معمقة لبنود الموازنة وتحليل مالي لها. قدرت إجمالي الاستخدامات العامة في مشروع موازنة 2013 بملغ وقدره 2.767 ترليون ريال مقابل 2.672 تريليون في مشروع موازنة 2012 أي بزيادة وقدرها 95 مليار ريال تقريبا. كما أن إجمالي الايرادات بدون الاقتراض الخارجي لمشروع الموازنة قد تم تقديره بمبلغ يساوي 2.082 تريليون ريال مقابل 2.065 بزيادة وقدرها 17 مليار ريال. وهنا فإن صافي عجز الموازنة لعام 2013 قد قدر بنحو 683 مليار مقارنة 561 مليار ريال في موازنة 2012. وهذا يعني أن العجز في الموازنة كنسبة إلى الناتج المحلي الإجمالي للعام القادم قدر أرتفع بأكثر من نقطتين مئويتين أي من 6.6% إلى ما يقارب 9%. وهو لا شك عجز يفوق مستو الامان المالي الذي كانت الحكومة اليمنية قد اعتمدته في برامج الاصلاح الاقتصادي التي شرعت في تطبيقه في منتصف العقد الماضي والمقدر بـ3%.

بنظرة سريعة ومبسطة لهذا البيان المالي يتضح التحديات التي تواجه الحكومة في تحقيق النمو الاقتصادي المستهدف بنحو 6.7% وخفض معدل التضخم والبطالة ومعدلات الفقر. كما نلاحظ زيادة في الانفاق على الدفاع والأمن مقارنة بالعام الماضي فيما ظلت نفقات التعليم والصحة والخدمات الاساسية الأخرى متواضعة مقارنة بالحاجة الملحة لتحسين مستوى تلك القطاعات التي يقاسى من سؤ ترديها ملايين اليمنيين الأمرين.

ولكن ينبغي أن نوضح نقطتين في هذا السياق ، هو ان الحكومة الراهنة قد ركزت على زيادة النفقات الدفاعية والأمنية ، طبقا لمقتضيات المرحلة الراهنة التي نشهد فيها تردي الحالة الامنية ، ووجود ثورة مضادة تسعى لإحباط العملية السياسية. كما أن النمو الاقتصادي لا يمكن ان ينطلق إلا إذا استقرت الحالة الأمنية للبلاد بما يكفي لطمأنة المستثمر المحلي والأجنبي حتى يقدم على مخاطر الاستثمار هذا بالإضافة إلى أن تحسين وتطوير قدرات المؤسسة العسكرية والأمنية في البلاد وهي التي يشوبها نقص كبير في الوقت الراهن من شأنه أن يضع حدا حقيقيا لخسران اليمن لعوائد نقدية كبيرة من موارده النفطية والغازية بفعل الأعمال التخريبية المتكررة ، وكذلك الامر فيما يخص خسائر شبكة الكهرباء التي تنعكس في المحصلة النهائية على تحسين مستوى إيرادات الدولة وخفض العجز في الموازنة. النقطة الثانية هو أن الحكومة لم تتجاهل قضايا التعليم والصحة والخدمات الاساسية الاخرى كالكهرباء والمياه وغيرها كما تفسر البعض ذلك. فهذه القضايا المحلة ما برحت تحتل موضع الاهتمام الرئيسي للحكومة ولكنها انعكست بشكل ملائم ومطلوب في نتائج مؤتمر المانحين وأصدقاء اليمن اللذان إنعقدا شهر سبتمبر الماضي في الرياض ونيويورك. وقد تم تخصيص 4.2 مليار دولار لقضايا التشغيل والتخفيف من الفقر والمياه والصحة العامة والكهرباء وشبكة البنى الاساسية الأخرى بالإضافة إلى قضايا اللاجئين والجياع. وهذا المبلغ من شأنه استغلاله الاستغلال الأمثل أن يعمل فارقا محسوسا في تلك المسائل الشائكة والحرجة المشار إليها.

غير ان النقد الذي ينبغي أن يتوجه إلى هذه الموازنة هي عدم التركيز الحقيقي على تحسين طاقة الإيرادات المالية للدولة وتحديدا الطاقة الضريبية المتاحة. إذ أن الدراسات الأولوية تشير إلى أن الفاقد من التهرب والتحايل الضريبي يصل إلى أكثر من 500 مليار ريال سنويا ، وهو رقم يمكن له أن يغطي وإلى حد كبير مقدار العجز في الموازنة. الملاحظة النقدية الثانية تتمثل في تحسين كفاءة الاستخدام لهذه الموارد من خلال ترشيد الانفاق العام ، ومكافحة منابع الفساد الحكومي في الحدود القصوى الممكنة.

زر الذهاب إلى الأعلى