[esi views ttl="1"]
آراءأرشيف الرأيالفكر والرأي

محاولة لفهم محركات التاريخ!

مسألة تسطيح الأمور والمشاكل ، وحل المشاكل التي تواجه الانسان - ناهيك عن مشاكل أمة أو شعب - من ظاهرها ، ووضع المراهم على الجرح ، ومحاولة إيجاد التبريرات التي تتجرأ على العقل والمنطق وسير الاحداث في المسار الطبيعي لها ، والتقليل من حجم وضرر ولغة المشكلة ، وآفة تسرطنها، الذي ينتشر في الجسم بالرغم من إستخدام كل أنواع المراهم ...

... كل ذلك تبرير جاهل لإقدار الإنسان ومصائر الناس ، وضد الحركة الطبيعية لاتجاهات مسارات التاريخ - فرداً أو جماعةً أو أسرةً أو قبيلةً أو شعوباً أو أمماً- وهو بمثابة كتابة شهادة موت للجسد ، الذي وضع المرهم فوق جراحاته لتهدئة الألم ، وإعفاء العيون من البكاء لساعات قليلةٍ.

.. إنّ مِن ضرورات فهم التّارِيخ هو تصحيحه ! فهل هناك لجنة علمية رفيعة ، وعادلة ، ومؤهلة ومحايدة قد قامت بِإعادةِ قراءة تاريخنا اليمني المعاصر لتصحيحه وصياغته من جديد، لتفهم الأجيال اللاحقة حقيقة الأشياء، ومسارات حركة التاريخ في اليمن ؛ على الأقل في المأة الأخيرة من القرنِ الماضي ، إلى يومنا هذا !

لا شيء !
وما هو مكتوب هو محاولات شخصية ، باهرةٌ ومشكورة ؛ وإِن كانت غالب الأحيان من وجهة نظر شخصية لا تخلو من عاطفةٍ تميل بها عن جادةِ الحقِّ ، وطريقِ العدلِ ، وغالباً ما تتضارب تلك الروايات ، بل وينكر ويلغي بعضها بعضاً !
ذاك شيءٌ على قدر كبير من الضرورة والأهميةِ !

... إن إحداث تغييراتٍ في التاريخ لا يمكن أن يتحقق إلا إذا توفرت أمام التحديات قدرةٌ على الاستجابة لمواجهة التحدي ، واستطاعةٌ على فهم ، واستقراء ماهية التحدي ، وعقلٌ يهضم الحقائق ؛ لِتتأتى عقيدةً وفكراً يخوض التجربة.

.. وفي خِضّمِ ذلك يجب أن ندرك أنّ أحقّ تجربةً أن نخوض غمارها ، ونعترك أحداثها لتغييرها، وأن نمارسها مهما بدت عراقيلها وحجم التضحية المتوقعة أن يضحّى بها ، هي تللك التجربة التي نتوقع أن نفشل فيها !.. لِأنّ التجربة المأة ستنجح !

... وذلك يستوجب منا كثير من إقصاء الأنانية ، وتحجيم - إن لم يكن إنهاء - النرجسية لنرى أبعد من أنوفنا ، وحبِ الذات .. إن ما أعنيه وأقصده في العبارة السابقة هو : أنّه حينما نقرر ، ونصمم قرارنا على تغيير أحداث التاريخ ، ومِن ثمّة نقتنع بالقيمة اللازمة لإجراء عملية التغيير - وليس ارهام الجراح بالمراهم المهدئة - وهذه القيمة التي أعنيها هي التضحية بأيِّ مشتقٍ مِن مشتقاتها من مال ونفس... حين نقرر ، ونصمم ذلك القرار ، ونمتلك القناعة بتلك القيمة ( التضحية ) نكون قد خطونا الخطوة الأولى في التجربة - تجربة التغيير لأحداث التاريخ !

و لن يحدث ذلك إلا إذا فهمنا ، ووعينا أنّ التاريخ يغيره الناس الذين يؤمنون ، ويفقهون أنهم يصنعون ذلك ؛ ليس لأنفسهم ؛ بل للأجيال القادمة من الأبناء ، والأحفاد ، وأحفاد الأحفاد.

.. إذن فعملية التغيير كما قلت سابقاً تستوجب إلغاء الأنانية ، وإقصاء النرجسية والخصاصة وحب الذات. بمعنى إننا نقوم بهذا التغيير لا لنراه نحن ، بل لينعم به من جاء بعدنا من الأجيال... أي أنّ رؤيتنا يجب أن تتعدى أنوفنا.. إِلى آفاقٍ أبعد!
فهل نمتلك ذلك ؟! وهل مِن إجابةٍ ؟

وعلى قدر النفوس من عظمة وخسّةٍ ، يتحرك التاريخ عظمةً وخِسّةً !
و ...
( إذا كانتِ النّفوس عِظاماً
تعِبت في مرادِها الأجسام )
على حد أبي الطيبِ المتنبي.

فأيّ صنفٍ من النفوس نحن ؟!
لا نريد إجابةً بل فعلاً يمتثل في التاريخ تغييراً !

إنّ كمّ وعدد التبريرات التسطيحية للأمر كثيرةٌ .. منا من سيخرج بنا إلى حججٍ زئبقيةٍ ، لا نستطيع أن نتناولها ألبتة تحت أيِّ مبرر من المبررات ، لِيسبِّب حالة الأنبطاحية التي ركنّا إليها ركون عجزٍ ووهن مستمر ولا نظير له وقد تسمّرنا فيه بلاحراك ، وركلنا ضرورة الرفض لطبيعة السلبية التي أحاطت بنا من كل جانبٍ ، واتّكلنا على الله - ولم نعقلها ونتوكل - في إرسال ملائكة من السماء !

و لكن الله لا ينزل ملائكته إلا لمن يرون في انفسهم أنّها لا تساوي شيئاً امام إحداثِ التغييرفي حركةِ التّاريخِ ، وتحويل مساراته للإتجاه المستقيم والطبيعي. والله سبحانه وتع إلى لم ينزل ملائكته في معارك الرسول والصحابة ، إلا لانهم آمنوا ، فأقدموا على تغيير مسارات التاريخ في اتجاهاته المستقيمة .

.. وهم لم يقدموا على ذلك إلا عن قناعةٍ ملأت جوانِحهم بأنهم إنما يصنعون ذلك للأجيال من بعدهم ... حينها أنزل الله ملائكته لتساعدهم في تغيير مسارات التاريخ إلى الإتجاه الصحيح !..

... وبِداية إِحداثِ التغييرات التاريخية تكمن في حالة الرّفضِ .. وتأتي مباشرةً بعد إعادةِ إستقرآء التاريخ ، وتصحيحه ، وإعادة كتابته، وصياغته ؛ تاريخاً مستقيماً للأجيال اللاحقة .

.. الرفض المقسِط للأمور ورؤيةِ الحق والإستقامة والعدل، هو من أهم الأسس والأصول ضمن المحرِّكات الأخرى لأحداث التاريخ . ونحن لن نغير شيئاً مما يحدث في بلادنا من الظلم، والقهر، والفساد، ومصادر حقوق الناس في ممارسة حقوقهم التي منحهم الله إياها في الحياة، والضن على الناس بالحرية التي أعطاها الله لإبليس حين عارض السجود لآدم .. لن نقوم بذلك التغيير إلا في نفس السياق في تعلّم الرفضِ ألبتة .

.. ونحن لن نتقدم خطوةً واحدة إلا بتعلمنا الرفض بذلك المفهوم وتعلمنا أن نقول..( لا ) !
إذا قلنا لا فذلك يعني إننا بدأنا نفهم حقيقة الأمور. وأن نرفض كلّ ما يقلل من كرامتنا في العيش، وحق أبنائنا ، وأحفادنا ، في أن ينطروا إلى الغد الآمل بغير إبتذال ، وصفاقة ودناءة ، وفسوق، وغي عن طرق الحق المستقيم ، والرفض الجانح عن الظلم والضلالة والبغي.
ف ...
( الخوف ماتخوّفه الفتى
و الأمن ما رآه الفتى أمنا )

وهناك ما يشابه هذا في الأمثلة اليومية في اللغة الانجليزية What You Thought,You Got أي أنّ ما تفكر به وتقتنع به هو الذي يجب ان يحدث . وبطبيعة النواميس التي خلقها الله لن يكون هناك حدث كائن في الموضوع ، والواقع إلا أن يكون هناك من يقوم به.
فلا شئ يأتي من فراغ !

بحسب نظرية آينشتاين فإنّ لاشئ في هذا الكون - من الذّرّةِ إلى المجرّةِ- ساكنٌ أو متوقف بحسبِ موقف المرجع frame of referrence . وعليه ؛ حتى نواميس الكون التي وهبها الله لنا تحتم علينا الحركة، والخروج من حالة الخنوع ، والسكون ، والإنبطاح الذي أهلك الحرث ،والنسل ، والأخضر ، واليابس.

وأود أن أضيف أيضاً ؛ إنّ واحداً من محركات التاريخ - وهي كثيرة وأخشى أن يطول المقال - يحسن استذكاره وهو استجابة الضربات المتلاحقة ( stimulus of blows) والدي يومي بخلاصته أنّ حجم الضربات التي يتحملها مجتمع ما.. أو جماعة ما.. لا بد في النهاية من أن يلق استجابةً من تلك الضربات ، وتوقظ الناس ، والمجتمع ، والجماعة من البشر، وتدعو النّاس للتغيير.

...أما إذاكنّا مِن أولئك البشر من صنفٍ غير البشر ؛ فستبقى الأمور على ما هي عليه وعلى المتضرر أن يلجأ إلى القضاء والقدر!

.. مثل تلك الضربات التي قد توقظ الناس هي القسوة في النقد واستخدام الألفاظ التي تثير الأنفس لتقبل التحدي فتخرج من طائلة سياط الانتقاد الذي يرجو لها الخير بصدق ، ولتثبت أنها أكبر في أخلاقها فعلاً تغييراً لا قولاً تعييراً !
والله من وراء القصد.

زر الذهاب إلى الأعلى