[esi views ttl="1"]
آراءأرشيف الرأيالفكر والرأي

السلفية في اليمن: من الدعوة إلى الحزب

ثانياً: السلفية الجديدة وفصائلها:

تمثل السلفية الجديدة انقلاباً في الرؤى والمفاهيم على أطاريح السلفية التقليدية (الماضوية).ويعتقد هذا الفصيل من السلفية أنه باقٍ على الأصول والثوابت الفعلية – وليس التخيّلات والأوهام التاريخية الملصقة بالعقيدة- ولكن على نحو من الروح العملية، والخروج بالعقيدة عن (السفسطة) الكلامية والصراع التاريخي إلى مواجهة التحدّيات والأطاريح العقدية المعاصرة، ولذلك فهي تسعى لتجسيد شعار (سلفية المعتقد عصرية المواجهة). ويمكن إيجاز أبرز فصائل السلفية الجديدة وسماتها وأوزانها النسبية وتوزعها الجغرافي والاجتماعي على النحو التالي:

1- جمعية الحكمة اليمانية الخيرية:

وتمثل أقدم نموذج للسلفية الجديدة الخارجة من عباءة السلفية التقليدية، حيث أعلنت عن نفسها في 1/3/1411ه الموافق 21/8/1990م بقيادة بعض الوجوه التي تتلمذ بعضها فعلياً على يدي الشيخ المؤسس للدعوة السلفية بعامة مقبل بن هادي الوادعي( سبق إيراد أسمائهم) . وللجمعية العديد من المناشط والفعاليات والدورات العلمية والتربوية تقوم بها عبر معاهد ومراكز علمية وإعلامية، انطلقت من مدينة تعز، حيث كان رئيسها الأول رجل الأعمال عمر عبده قائد المقرّب من رموز الجمعية، ثم مدينة إب حيث كان الشيخ محمّد المهدي- ولايزال- على رأسها هناك، ثم صنعاء حيث رأسها لمدة وجيزة المهندس عبد الله العاقل، ثم حضرموت حيث رأسها – ولايزال- الشيخ أحمد المعلّم. وقامت الجمعية بإنشاء العديد من الجمعيات الفرعية والمساجد والمراكز والمعاهد بأسماء وعناوين مختلفة. ومن هذه المعاهد: معهد (الفرقان) في تعز،ومعهد (البيحاني) في إب، وقد انشأ له فرعين في (بعدان والمخادر) وفي صنعاء معهد (ابن الأمير) وفي عدن معهد (عدن) وفي حضرموت معهد (حضرموت)، ونظراً لتأخر تنفيذ القانون العام للتعليم الصادر سنة 1992م، حتى عام 2001م، أي بعد دمج المعاهد العلمية (الحكومية) في نظام التعليم العام؛ فقد اضطرت بعض هذه المراكز والمعاهد إلى تغيير عناوينها، مع بقاء المضامين، فيما تحوّل بعضها الآخر إلى مراكز لتعليم القراءات القرآنية كما حدث مع مركز عاصم في صنعاء.

أعلنت جمعية الحكمة منذ الأيام الأولى أن مهمتها بالدرجة الأساس خيرية ثم علمية دعوية تربوية، أي أنّه لاصلة لها تُذكر بالعمل السياسي من حيث الإعلان الرسمي، وامتازت منذ ذلك الحين بمتابعتها شبه المؤسسية لجمعية إحياء التراث بالكويت في اجتهاداتها المتوالية التي تبرز بحسب الانتماء السلفي الخاص للشخصيات التي تسيطر عليها، غير أن المفارقة الأكبر تبدو هنا في أن أبرز نلك الشخصيات تأثيراً في مسار الجمعية في السنوات الأولى منذ إنشائها- رغم كل التطورات اللاحقة على مسار الجمعية- الشيخ الكويتي (ذو الأصل المصري)،عبد الرحمن عبد الخالق، وفقهه ورؤاه، وهو صاحب الاجتهادات السياسية الأكثر إثارة للجدل في الوسط السلفي منذ وقت مبكّر، وأبرزها كتابه (المسلمون والعمل السياسي)، الذي دعا فيه باكراً إلى خوض العمل السياسي، والاشتراك في الانتخابات، والانخراط في مجريات الحياة السياسية، وعدم ترك المجال للآخرين من العلمانيين أو الإسلاميين الحركيين الآخرين، وذلك ما جلب عليه سخط كثيرين من داخل التيار السلفي ذاته.

تبرز تلك المفارقة في أنه على حين كان للشيخ عبد الخالق ذلك التأثير في مسار جمعية الحكمة منذ سنواتها الأولى وعلى حين تميز الشيخ بذلك الإقدام في مجال العمل السياسي فقد بلغ الإحجام في التعاطي مع العمل السياسي العلني كتشكيل حزب أو المشاركة في الانتخابات صراحة، أو حتى التعاون الرسمي مع الجماعات السياسية الإسلامية ذروته لدى قيادة جمعية الحكمة، وعلى حين بلغ إعجاب القائمين على جمعية الحكمة منتهاه بمجلة (الفرقان) الكويتية التابعة لجمعية إحياء التراث مما دفعهم إلى إصدار مجلة (الفرقان) التابعة لجمعية الحكمة باليمن بالمسمّى ذاته ومع أنّه لم يكد يخلو عدد منها من الحديث عن فقه الشيخ عبد الرحمن عبد الخالق السياسي إلا أن الأمر ظل على حاله من السلبية وضعف التفاعل الإيجابي، ولم ينعكس ذلك عملياً على بعض أبرز قيادة الجمعية قبل أفرادها من حيث المسلك السياسي العملي الإيجابي، إلا في جانب التبرير من قبل بعض قياداتها للسلطة السياسية -كما سيرد لاحقاً-. وقد يصبح من الوارد هنا أن يُستنتج أن ذلك الإصدار(المجلة) وفق ذلك العنوان لم يكن قناعة نابعة من القائمين على جمعية الحكمة بقدر ماكان واحداً من الشروط المملاة عليهم من قبل إدارة جمعية إحياء التراث كشرط للدعم والتعاون بقرينة توقف المجلة بعد سنوات من إصدارها منتصف التسعينات من القرن الماضي من مدينة إب، ثم من مدينة تعز قبل توقفها لتصبح مجلة (المنتدى) الصادرة عن مركز الكلمة الطيبة بصنعاء هي لسان حال الجمعية، خاصة وأنّه لوحظ أن ذلك التوقف تزامن ذلك مع غياب الشيخ عبد الرحمن عبد الخالق وفصيله المسيطر على إدارة الجمعية عن إدارتها لصالح اتجاه آخر جديد سيطر على الجمعية وهو من الفصيل السلفي التقليدي الموالي للسلطة هناك.

وفي سياق الأداء السياسي للجمعية وعلى خلفية تلك المفارقة، وعلى خلاف الإعلان عن أهدافها منذ البداية فقد مارست الجمعية السياسة ولكن ليس على نحو منسجم بين قياداتها جميعاً، فعلى حين أعلن بعض أبرز قيادات الجمعية في كل من تعز وصنعاء وإب وهم على التوالي: عقيل المقطري ومراد القدسي وعبد الله بن غالب الحميري الوقوف الصريح مع الثورة ومطالب شبابها منذ الأيام الأولى لقيامها، وعلى حين انخرط بعض أفراد الجمعية ضمن شباب الثورة تحت عنوان ائتلاف التغيير الرائد بصنعاء أو حركة العدالة في تعز في ، أو حركة شباب النهضة والتجديد في الحديدة أو ائتلاف الشباب السلمي في إب، أو حركة شباب النهضة للتغيير السلمي في عدن؛ فقد قام بعض أبرز القيادات الأخرى للجمعية كالشيخ محمّد المهدي في إب، والشيخ عبد العزيز الدبعي في تعز –على تفاوت بينهما- في الاتجاه الآخر الهادف في مجمله إلى إبقاء نظام الرئيس السابق علي صالح، وعدم مشايعة اتجاه الثورة والتغيير. ومن اللافت أن يمارس بعض أبرز تلك القيادات العمل السياسي ولكن على قاعدة تبرير سياسة الحاكم الفرد وممارساته، وإعلان الولاء له في انتخابات 2006م، والوقوف صراحة ضد مرشح أحزاب اللقاء المشترك الراحل فيصل بن شملان، كما صرّح بذلك غير مرّة الشيخ محمّد المهدي، بل حتى لم تراجع بعض تلك القيادات ممن عُرفت بعلاقة الود مع النظام السابق مثل الشيخ محمّد المهدي رئيس الجمعية في إب -على وجه التحديد- مواقفها حتى بعد انبلاج الصبح وانتصار خيار الثورة، وظلت تعلن استمرارها على تلك العلاقة. وتجدر الإشارة إلى أن الشيخ المهدي وقف أثناء الثورة إلى جانب العلماء الموالين للسلطة تحت عنوان (جمعية علماء اليمن)، وهم ممن ناصروا رئيس الجمهورية السابق، وأيّدوا شرعيته، وسوّغوا له وجنوده ومن عُرفوا ب(البلاطجة) ممارساتهم ضد المتظاهرين، وأصدروا بياناً شهيراً بهذا الخصوص في 1 ذي القعدة 1432ه- 29/أيلول سبتمبر 2011م. وعلى حين تحفظ الشيخ المهدي على بيان (هيئة علماء اليمن) المناصرة للثورة بقيادة الشيخ عبد المجيد الزنداني الصادر في 8 ذي القعدة 1432ه- 6تشرين أول/ أكتوبر 2011م، وهي جبهة عريضة تضم علماء من الإصلاح والسلفية الجديدة بشقيها (الحكمة والإحسان وشخصيات مستقلة)؛ فإنّه لم يجد الشيخ المهدي حرجاً في أن يمتنع عن التوقيع على بيان الهيئة لأنه – حسب تصريحه في ثنايا حوار صحفي - لمس فيه ما يدل على الميل إلى جهة المعارضة، بيد أنّه لم يلمس ذلك الميل للطرف الآخر، حين لم ير أي حرج في أن يقف مع البيان الآخر الصادر عن جمعية علماء اليمن الموالية للسلطة ورأس نظامها السابق، وكأنها لم تمل إلى تلك الجهة، علاوة على ما تضمنه البيان من إباحة قمع المتظاهرين ووصفهم بالبغاة وتحريم المسيرات والتظاهرات، ووصف قتل الجنود للمتظاهرين بالجهاد، مما دفع للاستنتاج بأن تبرير الشيخ لموقفه ذاك بدا جدّ متناقض، إذ إن إعلانه تحفظه عن الموافقة على بيان هيئة علماء اليمن، لم يقده ليتحفظ بالقدر نفسه على بيان جمعية علماء اليمن، لكنه أبدى تحفظاً محدوداً، لم يحل دون موافقته الجملية على بيانهم، وتصنيفه – من ثمّ- معهم، بلا حرج، ولا سيما أنّه برّر دعوة أصحاب البيان للوقوف ضد المتظاهرين وقمعهم وقتلهم إذا استلزم الأمر من منطلق (الجهاد) في سبيل الله –حسبما ورد في البيان-بأنّهم استخدموا مصطلحاً شرعياً في الأصل (هكذا)!! وإن أبدى تحفظاً محدودا بارداً حول ذلك، مبدياً اقتراحاً لا معنى له ولا قيمة من الناحية العملية، بعد أن صدر البيان بصيغته المبيحة لقتل المتظاهرين، ولم يعلن الشيخ موقفاً ضده كذاك الذي أعلنه تجاه بيان الهيئة، وإنما أفاد بأنّه لم يكن حاضراً ساعة صياغة البيان، ولو كان مشاركاً في صياغته لأضاف وحذف، لكن السؤال حول ما صدر فعلاً، وقبل الشيخ بتصنيفه في إطاره حينها، وليس عن الأماني والرغبات، التي لاتقدّم فعلياً ولا تؤخّر! ولم يفُت المهدي التأكيد بأن هذا موقف أغلبية السلفيين في جمعية الحكمة أو الائتلاف السلفي اليمني( راجع حوار الشيخ المهدي مع صحيفة الشموع (اليمنية)( حوار: أحمد الصباحي)، العدد 565، 17 ذو القعدة، 1432ه- 15 تشرين الأول/ أكتوبر 2011م).

أمّا عن المشاركة في العمل السياسي عبر حزب خاص بالسلفيين؛ فإن تصريحات بعض قيادة جمعية الحكم قد تواترت على مدى السنوات الأخيرة وفي مقدمتها الشيخ المهدي بأن لاحرج شرعي في ذلك، وان الأمر خاضع للدراسة، وقياس المصالح من المفاسد، وفي اعتقاد كاتب الدراسة أن ليس من لوازم ذلك أن يباركوا بالضرورة اتحاد الرشاد السلفي وسيأتي الحديث عنه لاحقاً، ذلك أن الأمر داخل في تقدير مناسبة التوقيت، ومدى توافر بعض عوامل النجاح، ونحو ذلك. ولعل مما يؤكّد سلامة مثل هذا الاستنتاج أن الذين شاركوا من قيادة الجمعية في الإعلان عن الاتحاد كالشيوخ: عقيل المقطري، ومراد القدسي، وعبد الله بن غالب الحميري، لم يستمروا على ذلك سوى أيام قلائل بعد إعلان الحزب (الاتحاد)، حتى أعلنوا انسحابهم من قوام هيئته العليا احتجاجاً على ضعف تمثيلهم على النحو المناسب. هذا مع الإشارة إلى ما تردّد مؤخراً في الأطر الداخلية العليا للحكمة من توافر رغبة لدى بعض قيادات الحكمة في تشكيل حزب خاص بهم، بعيداً عن اتحاد الرشاد، في مقابل رغبة أخرى تدعو إلى الانضواء تحت كيان الرشاد.

- حركة الحرية والبناء

وثمة فصيل جديد محدود ظهر في مدينة إب يدعى حركة الحرّية والبناء السلفية، يرأسه الشيخ يحيى الوجيه، والرجل أحد وجوه سلفية الحكمة هناك، وتهتم حركته الوليدة بالعمل الاجتماعي، كما أن لها اتجاهاً سياسياً، تبلور من رحم ائتلافات الثورة، وتلمس هذا التوجّه من خلال وقوفها المطلق مع عملية التوافق الوطني، ودعوتها أنصارها وكافة فصائل العمل السلفي إلى المشاركة الفاعلة في انتخاب المرشح التوافقي عبد ربه منصور هادي في 21/2/2112م، كما أن ذلك يتضح كذلك من خلال حديث الناطق باسمها ( محمّد أمين عزّ الدين) الذي يعلن وقوفه مع قائد الجيش المناصر للثورة اللواء علي محسن الأحمر، ويدحض في مقالة له بهذا الخصوص كثيراً من الإشاعات التي يطلقها خصوم الرجل عليه( صحيفة أخبار اليوم (اليمنية)محمّد امين عزّ الدين، مقالة القائد العظيم والرجل الإنسان، العدد 2808، 2 ذو الحجة 1433ه- 18تشرين أول/ أكتوبر2012م، ص 16).

ومع أنّه ليس بين أيدينا من المعطيات اليقينية ما يؤكّد أو ينفي مدى العلاقة بين الحركة والجمعية سلباً أو إيجاباً؛ إلا أن من غير العسير استنتاج أن ثمة اختلافاً مع فلسفة الحكمة، حتى وإن لم يُعلن عنها صراحة، خاصة أن رئيسها في إب على ذلك النحو من الاختلاف مع مسار الثورة ومنهج تغييرها، لكن ذلك الخلاف لم يدفع الحركة إلى تأييد المشاركة في أعمال المؤتمر السلفي العام الذي انعقد في شهر آذار / مارس 2012م وخرج بإعلان اتحاد الرشاد السلفي لقاء اتحاد الرشاد السلفي، بل صدر بيان عن قيادة الحركة بتاريخ 13/3/ 2012م دعت فيه أعضاءها إلى مقاطعة الملتقى، دون أن تبدي أسباباً لذلك (راجع: صحيفة الحدث (الإلكترونية)، 13/3/2012م، http://www.alhadath-yemen.com/news18094.html.(

مستقبل جمعية الحكمة:

ويمكن القول بشأن مستقبل جمعية الحكمة بأنّه معرّض لانقسامات تفوق الإعلان عن حركة محدودة، وذلك بالنظر إلى الاختلاف البيّن بين قياداته، في قضايا كليّة كالموقف من الثورة الشعبية السلمية، ولاسيما بعد انتصار الثورة وخسارة الرهان على بقاء نظام علي صالح لدى بعض أطرافها !

زر الذهاب إلى الأعلى