[esi views ttl="1"]
أرشيف الرأي

اختلف الجميع ولم يتفقوا إلا على الانفصال!!

في الفترة الماضية توقفت عن الكتابة في الوضع السياسي اليمني بشكل كامل، لمعرفتي أن الوضع الإعلامي أصبح مسموما عبر الخطاب الإعلامي، لكن مهرجان التصالح والتسامح في جنوبي اليمن ومخاوفي مما يليه جعلني أحاول أن أشارك بمقالي هذا لتنبيه الذين لا يعلمون أو تحذير الجميع من مغبات تصرف السياسيين بانتهازية غير منطقية وأحيانا قذرة.

فقد استبشر الجميع وأنا بينهم خيرا بتوحد الجنوبيين ونجاح مهرجان التسامح والتصالح، بل أن علي سالم كان أقل حدة في خطابه الأخير ضد الشمال والرئيس هادي من الخطابات السابقة.

كما أن قبول أطراف مثل ناصر والعطاس وغيرهم المشاركة في الحوار القادم مؤشرات تدعوا للتفاؤل في ظاهر الأمر. لكن كثيرا من المحللين يرون الشر لم يبدأ بعد لأبناء الجنوب الذي يستحق أبناؤه أن تحقق جميع مطالبهم السياسية والحقوقية.. ووراء هذه مخاوف لايمكن الإستهانة بها قد تدفع بالجنوب كله في أتون مستقبل مجهول وخطير.. والسبب ببساطة أن جميع الأطراف "الرئيس هادي -الرئيس السابق -علي محسن وأصدقاءه - الحوثي - الإشتراكي - حزب الإصلاح - السلفيين والقاعدة "تريد جميعها الاستفادة من قضية الجنوب والإنفصال بطرقها الخاصة التي لا تهتم بمصالح الجنوبيين بقدر اهتمامها بقضايا ذاتية..

ودعونا نناقش مصالح الأطراف جميعا من تبني خطاب الانفصال طرفا طرفا.
- فالرئيس هادي من مصلحته خطاب الإنفصال لأن هذا يعطيه قوة تفاوضية مع كل الأطراف التي ترغب أن ترضي الجنوبيين برئيس جنوبي يمتلك كل السلطات ولديه نفوذ حزبي في المؤتمر بالشمال، كما أنه يمكنه من تعيين كل من همشوا من أصدقائه بعد أحداث 86 م و 94 م. كما أن رسائله المبطنة للجنوبيين بأنه سيمكنهم من الجيش حتى يصبحوا قادرين على امتلاك وأستعادة القوة العسكرية التي فقدوها بعد 94 م وهذا قد يمكنهم من استعادة الدولة الجنوبية حتى إذا رأوا أن الحوار لم يفضِ لما يطمحون له، وبالتالي فيمكنه أن يصير بطلاً قومياً في الحالتين، الوحدة في حال الرضى من المكاسب أو الإنفصال في حال الغضب من رفض تحويل الدولة كلها له ولمواليه.

- الرئيس السابق، سيدعم الحالة الإنفصالية كثيرا لأسباب ليس أقلها أن يثبت لأنصاره وللخارج ولغيرهم أنه كان سبب حالة الضعف التي عاناها الحراك، كما أن خروجه من الرئاسة سهل تحرك البيض وأطراف المعارضة الجنوبية بحرية.. ولإثبات فشل الحكومة الائتلافية وكذلك خلفه الرئيس هادي، كما أن الإنفصال سيمكنه من أن يتحول الطرف الأقوى عسكريا وسياسيا مع حليف جديد قديم وهو الحوثي فالأطراف العسكرية الشمالية ممثلة بخصمه محسن وأنصاره الذين بدأ هادي بإبعادهم بطرق ذكية جدا سيكون الضعف في نفوذهم قد دب بشكل كبير إن إستمر هادي بنفس طريقته في إبعادهم عن صنعاء بينما أحمد علي سيكون قائد للمنطقة المركزية وقد يتمكن صالح من الإنقضاض على السلطة بحجج الإنفصال وأن هادي يعمل على ترسيخه هنا قد يتمكن صالح بقوة إبنه العسكرية وتواجد حلفائهم الحوثيين في صنعاء مع كثير من الأسلحة التي تم تهريبها لهم و ما استلموه من صالح وابنه من أسلحة حول دار الرئاسة ودار عبدربه ومقر الفرقة الأولى.

-أصدقاء علي محسن من بعض الموجودين في السلطة، والمنتظرين أن يكافئهم لموقفهم الداعم للثورة،الآن سيفضلون الإنفصال على تحول الدولة إلى دولة مؤسساتية يقودها كثير من الجنوبيين خاصة في الجانب العسكري. فالمؤسساتية تعني إبعاد كبار الضباط بالتقاعد وإقالة قادة فاسدين من المركز المقدس الدائم "حاشد وسنحان " لكن الانفصال يعيد القوة إليهم وبالتالي الدولة لذلك المركز.

- الحوثي بتياريه المدني والمحارب، يرغب دوما ويعمل على دعم الحركة الإنفصالية ماديا وإعلاميا وعسكريا "تدريب وتمويل " وذلك لأن طرح موضوع الإنفصال بقوة يسهل عملية طرح إقامة إقليم زيدي كبير في أربع محافظات، أو أن العمل العسكري الإنفصالي سيشغل الجيش والدولة عن الالتفات لعمليات الحوثي التوسعية، وفي أبسط المكاسب للحوثيين سيتمكنون من الحصول على مكاسب أكبر بكثير داخل الدولة من التي حصل عليها الملكيون بعد حصار السبعين وبعد صلح حرض الذي رعته السعودية.

- الاشتراكي كما هو معروف أكثر الأحزاب يشعر بأنه الأحق بتمثيل الجنوب لأنه كان الممثل له في إتفاقية الوحدة وقرار الإنفصال 94م، كما أنه تضرر كثيرا بعد 94 م وهمش أفراده والكثير من المنتسبين له بسبب تلك الحرب الظالمة.

كما أن قادة الحراك الجنوبي يعرف الجميع أنهم أعضاء قياديون في الحزب ويعملون من سنوات على تشويه كل الأطراف المنافسة لهم في الجنوب وخاصة من الإصلاح والمستقلين على تمثيل الجنوب..

أيضا حين يكون الإشتراكي هو المتبني لهذا المشروع ولو بطريقة غير مباشرة عبر هذه القيادات تتحسن أوراقه التفاوضية في الحوار الوطني ويضطر الجميع لتلبية رغباته في الشراكة في تقسيم السلطة والمؤسسات.

ولذلك نرى قيادات اشتراكية شمالية تحضر كل الفعاليات الحراكية الإنفصالية أو تدعمها بكل الوسائل.

- الحركات السلفية والقاعدة، بعد الوحدة وبعد 94 م، تواجدت الحركات السلفية في الجنوب بقوة غير متوقعة واندفع عشرات الألاف من الجنوبيين نحو التدين وبطريقة متطرفة ووجدت الحركات الجهادية أرضا خصبة بعد لرغبة الناس في الجنوب وحاجتهم للتدين، ولأن هذه الأطراف أصبحت بشكل واضح وبشكل سري تدعم الخطاب الإنفصالي فإنهم ينتظرون بتلهف إعلان الإنفصال أو الإقليم الجنوبي، لثقتهم أنهم أقدر على السيطرة على الجنوب المتخم بالصراعات ولضعف منافسهم الرئيسي حراك الإشتراكي، فهو حراك إعلامي تعبوي لايقدر على ترسيخ عقيدة الدولة دون استخدام أدوات الدولة التي كان متعودا عليها، بينما السلفيون والجهاديون سيستغلون تخوف الجنوبيين من تحول الدولة بأيدي الطرف الذي قمعهم وأخطأ في سياساته التي واكبها صراعات وتصفيات دموية. وبالتالي فالسلفيون والقاعدة قد ينقضون على الدولة بسهولة، حتى أن تواجدهم الأن في اللجان الشعبية واضح.

- حزب الإصلاح :
رغم تعرضه لهجمة شرسة إعلاميا وسياسيا ومحاولة تصفية وجوده بالجنوب باعتباره "عميل ومضاد لمطالب الجنوب" حسب إعلام الحراك وصالح والحوثي، فإننا لا يمكننا إغفال تواجد الإصلاح في كل قرية وحارة بالجنوب، وهو الأكثر تنظيما ولم يخسر أوراقه هناك كما يتوهم البعض.

فحركات الإخوان في العالم بعد كل أزمة وتشويه تمر بها تستطيع إعادة تموضع نفسها وترتيب وضعها. وقدرتها التنظيمية الديناميكية والإجتماعية تعيدها للواجهة بأسرع مما يتوقع كل خصومها، وأظن أن الإصلاح كقيادة يعول على ذلك كثيرا. وتضع هذه القيادة في حسبانها أسوأ الإحتمالات وهو الإنفصال وهنا فيمكن في حال حدث ذلك سيكون الإصلاح الأقدر على ترتيب وضعه إنتخابيا في الجنوب وسيتمكن بقدراته البشرية والتنظيمية ومخاوف الجنوبيين من عودة أطراف الصراع السابق للواجهة، وبالتالي سيكون الإصلاح أكثر قدرة على وراثة دولة الجنوب ديمقراطيا أو حتى عسكريا إن بدأ صراع عسكري في الجنوب. وما يزيدني ثقة في أن الإصلاح (قسم الجنوب) قد يبدأ في تبني خطاب الإنفصال أنه تعرض لضغوطات من أعضائه الجنوبيين للتحرك في هذا الإتجاه، كما أن تهميش دور الإصلاح في عملية الحوار وخاصة ما يتعلق بتمثيل الجنوب من أعضائه قد يدفعه لتحرك سريع في هذا الاتجاه.

العائق الذي سيرهق الإصلاح في تنفيذ ذلك في دولة الجنوب هو رغبته في الوحدة كحزب ديني يهمه أمرها، واستكانة كثير من قياداته الجماهيرية الجنوبية للتوقف عن هذا الخطاب وهو ماجعلهم أهدافا سهلة للخصوم من كل الأطراف، وتشوه صورة الحزب في الجنوب.

أخيرا :
الجنوب متجه للانفصال بشكل أو آخر سواء بدولة مستقلة أو أدولة ذات إقليمين، وجميع الأطراف تعمل على ذلك، وتحاول الاستفادة منه. لكن الجنوب فعلا قادم على أصعب المراحل في تاريخه، وأحلك الظروف، فشروط الثقة والوحدة المطلبية غير متوفرة لاختلاف رغبات القوى المحركة للوضع السياسي في اليمن كله شمالا وجنوبا.

زر الذهاب إلى الأعلى