[esi views ttl="1"]
أرشيف الرأي

مخاطر الحرية المنفلتة

ماحدث في عدن يوم الخميس ، وما يحدث في مجمل اليمن يعد مؤشراً واضحاً على مخاطر الحرية المنفلتة ، تلك الحرية التي لا يحكمها قانون ولا يسوسها عرف ولا يوجهها عقل أو منطق.

هذا النوع من الحريات مدمر ولا يمكن أن يؤدي إلاّ إلى الفوضى التي تقضي على كل معنى جميل للحرية .

لا ينبغي النظر إلى ماحدث في عدن يوم الخميس بشكل انتقائي ، ولايمكن التعامل معه كحالة مستقلة خارج سياق ما تعيشه اليمن في مختلف محافظاتها.

نحن نعيش حالة من الانفلات والفوضى ، وهذه عادة ما تكون نتيجة طبيعية لمرحلة مابعد الثورات ، خصوصاً تلك الثورات التي لم تكتمل ، ولم تحقق أهدافها في التخلص من الأنظمة السابقة واستبدالها بأنظمة جديدة وفق إجماع وطني عام .

ثورتنا لما تكتمل بعد ولم تحقق أهدافها الرئيسية رغم نجاحها في إسقاط رموز النظام السابق ولو بشكل جزئي ، ولذلك فما نزال في حالة مابين مرحلتين .. مرحلة سابقة لم تنته كما نشاء ، ومرحلة قادمة بدأت ولكن ليس كما نشاء أيضاً .

مثل هذه الحالات عادة ما يحكمها الصراع والتصادم بين مختلف المشاريع الوطنية وغير الوطنية ، الكل يعتقد أنه الأحق وأن مشروعه هو الأفضل ويحاول الكل أن يستغل هذه المرحلة لخلق أرضية تمكنه من التحكم مستقبلاً وفرض مشروعه من موقع قوة .

تتعاظم مخاطر مثل هذه الحالة الفوضوية ، عندما تكون الحكومة الانتقالية غير قادرة على إدارة المرحلة الانتقالية بشكل مثالي ، يضمن حريات الناس ويصون روح المجتمع ويقود الناس بحكمة نحو المستقبل المنشود .

قيادة المرحلة الانتقالية في بلادنا ومنذ اللحظة الأولى لم تتعامل مع واقعنا بشكل مختلف ينطلق من أن البلد شهد ثورة وأنها إنما جاءت بفضل هذه الثورة ، وبالتالي عليها أن تعتمد آليات وأساليب حكم جديدة تتماهى مع المناخ العام الذي تعيشه البلاد ويلبي ولو جزءاً يسيراً من طموحات الناس في التغيير .

ما يحدث الآن هو أن قيادة المرحلة الانتقالية اعتمدت آليات النظام السابق في إدارة البلاد مع فارق بسيط لكنه مدمر ،حيث سمح لكل أصحاب المشاريع والأجندات بالتعبير عن أنفسهم بشكل مقزز يتجاوز كل حدود وأسس بناء المجتمعات وإدارة الدول .
ينبغي أن تفرق قيادة المرحلة الانتقالية بين أمرين مهمين للغاية وأن تديرهما بحنكة بالغة ، الأول مناخ الحرية والتعددية الذي يقتضي السماح للناس بالتعبير عن آرائهم والترويج لمشاريعهم وأجنداتهم دون قيد أو شرط ، والثاني حفظ كيان الدولة والذي يقتضي الوقوف بجدية في وجه كل مشاريع التدمير والتهديم .

مشكلة الادارة غير الفعالة للمراحل الانتقالية أنها تقود إلى خلق مناخات منفلتة من الحرية وهذه أخطر مايمكن أن يتعرض له وطن في مرحلة تحول .

نحن الآن نشاهد في يمننا الحبيب أن الانفلات أصبح السمة الغالبة في كل شيء ، حتى أصبحت البلاد مسرحاً مفتوحاً لكل الأجندات الداخلية والخارجية ، فالكل يتصرف داخل اليمن وكأنه صاحب حق.. فإيران لها حق في اليمن ودول الإقليم كذلك ، أما أميركا فهي تتصرف وكأنها صاحبة الحق الأول والأخير في اليمن .. أين هي حقوقنا إذاً كيمنيين في يمننا !.

الأخطر من ذلك أن بعض القوى السياسية اليمنية أصبحت تتصرف وكأنها هي دون غيرها صاحبة الحق الوحيد في تقرير مصير اليمن ، وإذا ما ظهر صوت آخر برأي آخر فإنه يصبح منبوذاً وغير مقبول بل ومحارب من قبل بعض القوى المحلية الاقليمية التي لا تريد خيراً لنا .

بعض القوى اليمنية للأسف الشديد أصبح يتصرف بحماقة غير مسبوقة لدرجة أن البعض يفاخر بعمالته وولائه لبعض القوى الخارجية ولست بحاجة لذكر أمثله هنا ..

والغريب أن بعض القوى السياسية الكبرى في اليمن والتي كانت من صناع «التحولات » الكبرى في اليمن في بعض المراحل التاريخية ، انزلقت إلى مسالك تلك القوى الصوتية فأصبحت تدافع مثلاً عن حق الحراكيين في التعبير “السلمي” عن مطالبهم الانفصالية ، وتخرس عندما لا يسمح للقوى الأخرى بالتعبير السلمي عن حقها في الوحدة ... أليس هذا منطقاً غريباً .

أنا هنا لا أدافع عن الاحتفالات ولا أتبناها لكنني أدافع عن تساوي الجميع في حق التعبير وطالما سمحنا للبعض بالتعبير عن نفسه بقوة سلاح بعض الدول وسمحنا للبعض بالتعبير عن نفسه بقوة مال بعض الدول ينبغي من باب أولى أن نسمح للبعض الآخر بالتعبير عن نفسه بقوة اليمن وبمال اليمنيين أنفسهم وإرادتهم .

زر الذهاب إلى الأعلى