[esi views ttl="1"]
أرشيف الرأي

مرجعيات ومبادئ اللامركزية.. أولوية ساخنة للحوار الوطني

في غياب مرجعيات ومبادئ معترف بها، وفي غياب مصطلحات وتسميات متفق عليها قبل الولوج إلى مسرح الحوار، لا يصبح للحوار من جدوى، ولا يصبح للكلمات المنطوق بها نفس المعنى، وعلى العكس تتنافر وتتباعد وتتغير طبقا لغايات مستخدميها. تتستر نفس الشعارات الوطنية الصاخبة وراء أيديولوجيات ومصالح مختلفة وغايات ونوازع مناقضة لتلك الشعارات. فتنتصر الديجمائيات والمصالح الآنية الضيقة، ويندحر الحوار وتنهزم الغايات السامية الداعية لبناء سلام اجتماعي ووطن موحد وجماعات وأفراد تنعم بالخير والحياة الهنيئة. وهذا بالطبع ما لا يريده الغالبية من اليمنيين الذين وقعوا فرائس وضحايا لتأريخ مأساوي دموي مضى على امتداد نصف قرن من الزمن. كما أن اصحاب السجايا الطيبة قد لا تسعفهم نواياهم وحججهم في إقناع الآخرين وبناء تفاهم واتفاق عام نحو المخرج الآمن لبناء وطن يضمن للجميع حاجتهم في السلم والسلام والمساواة، في الخير والنهضة والتقدم، ما لم تكن مسلحة بالمعارف والمبادئ والمرجعيات الصارمة التي ثبت صحتها واختبرت عبر التأريخ والتجربة في عوالم وأمم مشابهة. وهل أنماط وأشكال اللامركزية التي يترواح عددها اليوم في العالم أكثر من 40 أنموذجا واحدة، أم أنها بلا شك مختلفة ومتباينة - وهي كذلك - بحسب تباين معطيات الواقع الاقتصادي والثقافي والاجتماعي والسياسي والديني للشعوب والأمم التي تبنتها.

ليس لأحد الحق في أن يدعي لنفسه انه يستطيع أن يركب نوعا من اللامركزية بعينها دون مراعاة لواقع معطيات وثقافة وتأريخ الشعب اليمني الذي يعود لآلاف السنين، ودون أن يستدعي التجارب الناجحة والفاشلة للمركزية في العالم على امتداد قرون مضت، ليتعظ من الفاشل منها ويستفيد من الناجح فيها. الهندسة الاجتماعية مكلفة للغاية، فعندما تتبارى النخب في الادعاء بأنها تملك تصميما جاهزا لشعوبها، فإن الثمن يكون باهظا. وهل ما دفعناه قليل ثمنا لتلك "التصاميم" التي جربها علينا قادة الأمس، ودعاة اليوم الذي يزعمون أنهم جاؤوا لينقذونا مما أذاقونا به من حروب وهوان واستبداد؟.. نقول لهم كفى، فلقد اختبرناكم بما فيه الكفاية، وغدوْنا نعرف أنكم تقبضون الكثير من الأموال مقابل فقرنا وهواننا وتمزقنا.

نحن اليوم سنختار طريق الحوار الوطني بوصفه سفينة نوح للإبحار إلى شاطئ الأمان، ولكنه حوار بوعي جديد وعقل يقظ متقد يجرد تجار الأوطان من تلك العباءات التي يتخفون تحت ألوانها البراقة.

زر الذهاب إلى الأعلى