على ذكر التهدئة في مدن الجنوب اليمني، وتقاطر سفن فارس المدججة بالسلاح والمتكررة القدوم؛ أردت أن أنتزع التفاؤل وأتسلح بالحذر، وبالفعل؛ مازلت حذرا، ومازلت أتأمل-بعمق- هذا المشهد المتقلب من يوم لآخر كتقلب لون الحرباوات؛ يأتي ذلك كلما داهمت أمواهنا الوديعة تلكم السفن الإيرانية المزعجة!!
هنا، يحضرني قول النابغة الجعدي:
تجيشُ علينا قِدْرهم فنُدِيمُها
ونَفْثَؤُها عنّا إذا حَمْيُها غلى
بطعنٍ كتَشْهاقِ الجِحاش شهيقة
وضربٍ له ما كان من ساعد خلى
هذان البيتان يكنّى بهما عن الحرب واضطرامها، وإخمادها، ومثل ذلك: العنف، والاضطرابات، والقلاقل..
فالقِدر-مثلا- إذا جاشت وغلى ماؤها؛ فإن تسكينها يكون إما بنزع الحطب من تحتها أَو بصب الماء على النار، بل وفي مركزها تحديدا... لاحظوا: في مركزها..هكذا تعلمتُ في دراستي لمادة: مكافحة الحريق وحصر العَطَب؛ الصبّ في المركز... وهذا معنى: نفثؤها. وبمعنى أوضح: نُسْكن حِرَاكَها والتهابها؛ ليبلغ حالها سكون الموتى!!
أما النابغة فيرى ذلك الإسكات أو الإسكان للحرب والقلاقل إنما يكون بالطعن، والضرب؛ فالطعن-كما هو معلوم- للرماح، والضرب للسيوف، وهذا يعني: إعمال القوة، وتعدد وتنوع صنوفها، وخاصة الحربية منها، لمواجهة الخصم المكابر والمتكبر معا، وضربه في أي موضع وبكل تلك الآلات.. ولا أخال اليمن-اليوم- إلا في مواجهة جحافل من خصوم مكابرة ومتكبرة وخبيرة بكل فنون الحرب والمناورة والمكر والخداع.. فما المخرج الممكن؟
لقد سعدنا أن هدأت نار شِقّنا الملتهب حين شرع الرئيس هادي في إخماد حراكها بهدوئه-ولكل من اسمه نصيب- بصب مكافِحاته الناعمة الناجعة في مركز تلك النار، لكن ما بقي في الأطراف من جمر تلك النار، مازال يستوقده النافخون بكل فم مستأجر!! فهل سيفلح الرجل، وما السبيل لإتمام الإطفاء وقد تعددت مصادر ومنابع ذلك الاستيقاد؟ هذا سؤال آخر.
أيضا، هل نحن بحاجة إلى مزيد من القوة، أو هل نحن في وضع القدرة الكافية لاتباع ما قاله النابغة في بيته الثاني المرسوم على عنق هذه المقالة، تجاه أي طرف مكابر من تلك الأطراف الكثيرة والمتنوعة؟ سؤال ثالث!!
لن أسرد أي إجابة على ما تساءلت عنه، وسأدعه للقارئ الكريم، لكني أقول: مهما تكن النتيجة؛ بالقوة أو بسواها؛ فإن المؤرخ المنصف للمرحلة الراهنة سيقول غدا أحد شيئين: إما أن يقول: وقد انتصر الرئيس هادي بقومه، أو أن يقول: وقد خذله قومه خذلانا كبيرا!
ختاما، قد يبادر البعض لأن يقول: كان أحرى بكاتب هذه السطور أن يأتي بالآيات الكريمة التالية في صدر هذه التناولة لا في عجزها؛ لكني أقول: إن مناسبة الحال لا السياق اقتضت ذلك التأخير، ولعل الختام -كما يقال- مسكٌ:
قال الله الواحد الأحد: {وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللّهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُواْ بِمَا قَالُواْ بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنفِقُ كَيْفَ يَشَاءُ وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيراً مِّنْهُم مَّا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ طُغْيَاناً وَكُفْراً وَأَلْقَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاء إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ كُلَّمَا أَوْقَدُواْ نَاراً لِّلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا اللّهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَاداً وَاللّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ }المائدة، آية: 64
يهمني-هنا- التركيز على شطر الآية التالي: "وألقينا بينهمُ العداوة والبغضاء إلى يوم القيامة كلّما أوقدوا نارا لّلحرب أطفأها الله ويسعون في الأرضِ فسادا والله لا يحِبُّ المفسدين".
فلك الحمد يا واحد يا أحد .. وليسلم الوطن موحدا وآمنا من كل مسعِّر حرب، وقاصد تمزيق، ومضرم فتنة.