[esi views ttl="1"]
أرشيف الرأي

عن استبدادٍ أفسد المجتمعات

في غياب الدولة يظهر "المجتمع الطبيعي" مثل غابة، الإنسان فيها ذئب للإنسان الآخر وتسود فيها حرب الكل ضد الكل. هذا هو استنتاج بعض مفكري القرن السادس والسابع عشر في أوروبا.

وعندنا "نكتشف" انتشار مظاهر بشعة ومشينة في تقاطع العنف والجهل، والقسوة الجسدية والتخلف، والخطف والسرقة وسهولة القتل، والعصبيات الجهوية والمحلية والطائفية، في المجتمعات في غياب الدولة بعد عقود من حضور الدولة السلطوية الطاغي. إنه فشل الدولة التي يحكمها نظام الاستبداد وإفسادها للمجتمع وليس "تحضيرها له".

ويبدو من متابعتنا للعقود الأخير أن ظواهر الإفساد تفاقمت مع الوقت، وأنه كلما طال عهد النظام كلما تدهورت الأوضاع وازدادت سوءًا. التخلص من النظام في هذه الحالات لا ينتج الظواهر بل يظهّرها.

لن تكون مكافحة هذه الظواهر بالأمر السهل. والبداية بالإدراك أنه لا يجوز حتى لمن يدعم الثورة أن يتملق التخلف في هذه المرحلة. ولكن الجريمة الأكبر هي تبرئة النظام من هذه الظواهر واعتبارها مجرد فوضى ناتجة عن غيابه، لقد نتجت هذه الظواهر الاجتماعية عن حضوره، وانكشفت في غياب سلطة وأمن.

لا تتبين كارثة الاستبداد في قبح النظام السياسي، بل في إفساده للمجتمعات... وهو ربما الفرق بين "الاستبداد المتنور" (عبارة مجازية) الذي يقوم بالإصلاح وتطوير وتحديث المجتمعات من أعلى، والاستبداد الفج والمتخلف الذي يفسد حتى ما كان صحيًّا في المجتمعات، وبدلا من تطويرها يزيدها تخلفا.

زر الذهاب إلى الأعلى