يوافق يوم غدٍ ذكرى استشهاد شاعر وخطيب وثائر اليمن أبي الأحرار محمد محمود الزبيري- رحمه الله- في الأول من إبريل عام 1965م، أحد أقوى وأصدق أصوات ثورة سبتمبر، وروحها التي سافر بها منذ ما قبل ثورة عام 1948م. هذا الرجل الذي تجرع مرارة التشرد وعذابات السجن والمطاردة وشطف العيش وفراق الأهلين والوطن في كلٍّ من: عدن ومصر وباكستان، ولم يسقط في وحل الإغراء والتخلي عن القيم والمبادئ النبيلة مقابل حفنة من مال مدنس كما فعل بعض عُباد الدرهم، الذين مضوا بعده يسطرون بطولاتهم الثورية الكاذبة وهم يحسبون أن الناس قد انطلت عليهم تلك الأكاذيب!!
هذا الرجل الأصيل الذي استعفف عما في أيدي الناس، وقد كان بوسعه أن يسألهم؛ ولو سألهم لما منعوه ولأغدقوا عليه من كل ما تتوق له نفس أدمية؛ لكنه قرر أن يجوب الشوارع والأحياء في إحدى مدن باكستان يبيع فيها المزاليج والأقفال ابتغاء كسب لقمة عيش حلال يقيم بها صلبه، ويمضي في دروب تضحياته، ثم اختتم حياته المتعبة والطويلة الترحال بأن وهب نفسه فداء لهذا الوطن حين قال -متنبئا- قبل أن توافيه المنية بسنين:
بحثتُ عن هبةٍ أحبوك يا وطني --- فلم أجد لك إلا قلبي الدامي
هذا الرجل الذي وهب روحه وفكره وعلمه وعمره فداء للوطن؛ لم يهبه قادة هذا الوطن سوى اسم مدرسة أو شارع أو زقاق أو حارة فيه، حتى أن أحد أصحابه الخُلّص، خاطبه مؤنبا بعد أن سقط مضرجا بدماه: "أما قلتُ لك أن لا تركب الحمار"!!
ومهما كان ذلك الحمار أو ثمنه أو وطافه أو سائقه أو صاحبه؛ فقد كانت الإجابة أسبق وأبلغ وأوفى، حينما تذكر ذلك الصديق وآخرون مثله البيت السابق والقصيدة التي تضمنته، وما يزال يتذكره الشباب والشابات والمسنون وهم يلهجون بشعره في كل محفل، وعلى كل منبر؛ لأنهم علموا علم اليقين بأنه كان الأنقى والأسمى والأصدق قولا، وقد وعوا قوله الذي يملأ آذانهم: "إن اليمن لن تسترد كرامتها وعزتها إلا يوم يوجد بينها عشرات من المناضلين-على الأقل- يرضون بالجوع حتى الموت، وبالسجن حتى نهاية العمر، وبخراب البيوت حتى آخر حجر فيها، ويتقدمون إلى العمل الوطني على أساس النصر أو الموت".
بوركتَ يا مَعْلم كل مناضل، ويا قدوة كل حر، ويا أصدق مَن ثار!!