[esi views ttl="1"]
أرشيف الرأي

الإفلات من قبضة الاستبعاد (4)

لا تتوقع لحبات الذُرة أن تحصل على العدالة من محكمة مكونة من الدجاج (مثل أفريقي)

توني بلير زعيم حزب العمال البريطاني كان مدركا للخطر الماحق الذي يولده الاستبعاد الاجتماعي على النسيج الاجتماعي البريطاني، فمان أن وصل حزبه إلى السلطة وأصبح توني بلير رئيسا للوزراء حتى عين وزيرا مختصا بمكافحة الاستبعاد الاجتماعي لتتولى وزارته مهمة لئم الجراح التي خلفتها ممارسات وسياسات الاستبعاد السابقة، ويالها من جراح مقارنه بتلك التي تأن جموع اليمنيين من شدة وطأتها وعمقها وعنفها.

وفي الوقت التي فتحت فيه ثورة فبراير الشبابية الشعبية الأبواب واسعة للافلات من قبضة الاستبعاد الاجتماعي الممنهج الذي مورس طيلة العقود الماضية وأحدث شرخا اجتماعيا عميقا وجروحا غائرة دامية في النسيج الاجتماعي اليمني فإنه لا يلوح في الأفق حتى اليوم ما يبشر على أن حكومة الوفاق لديها من الرؤية والرغبة والإدراك للكيفية التي تستطيع بموجبها تطبيب النسيج الاجتماعي وإعادة اللحمة إلى نسيجه المتهتك. فبدلا من تصميم إستراتيجيات وسياسات وبرامج تعمل على مداوة الجروح وردم الهوة السحيقة التي خلفتها السنون الماضية، نجد أن هذه الحكومة بضغط من الأحزاب المسيطرة تكرر نفس المأساة وتغني نفس الكلمات السابقة ولو بلحن مختلف.

فالاستبعاد والإقصاء لكل منهو خارج محاريب الأحزاب السياسية الحاكمة هو السلوك والممارسة اليومية على كل المستويات والذي يكرس مزيد من الاستبعاد. وهنا يصح وصف المثل اليمني " ديمة وخلفنا بابها". تدوى أصوات الجماعات المستبعدة من حراك، وتهاميين وحوثيين، وأطفال ونساء وشباب مستقلين عاليا منادية ببناء دولة مدنية ديمقراطية عادلة وتناجي حكومة صماء بأذنين الأولى مسدودة بالطين والأخرى بالعجين.ولعل مؤتمر الحوار الوطني الشامل هو المحطة المناسبة لمناقشة قضية الاستبعاد وكيفية الخلاص منه.

ومع ذلك يظل دور الحكومة في الوقت الراهن مهما وحرجا للغاية في تبني إستراتيجيات وسياسات وبرامج تخفف من وطأة الاستبعاد. وفي سبيل ذلك نقترح إنشاء وزارة يطلق عليها وزارة التنمية والدمج الاجتماعي بدلا عن وزارة التخطيط والتعاون الدولي. فالتخطيط في اقتصاد السوق الحر هو مسألة ثانوية فهي لا تعدو هنا أن تكون أداة تأشيرية لا قوة ملزمة لها، كما أن التعاون الدولي هي مهمة منوطة بالخارجية اليمنية. بينما قضية التنمية الشاملة هي المسألة المركزية التي تتطلبها المرحلة الراهنة وكل المراحل اللاحقة، والدمج الاجتماعي جزء محوري من إستراتيجيات وسياسات وبرامج وممارسات التنمية، حيث لا قيمة للتنمية التي تعجز عن صهر المجتمع في بوتقة وطنية واحدة وتكون بمقدورها ترميم النسيج الاجتماعي التي أعطبته عقود من الاستبعاد والإقصاء.

مثلما لا قيمة للحرية السياسية وجميع الحريات الأخرى التي يعج بها الدستور ما لم تكن محصنة بقدرة الفرد ماديا واقتصاديا على تمثل وصنع خياراته.التنمية الشاملة هي الغاية والوسيلة الكبري التي من خلالها يتم بناء وطن يمني مستقر مزدهر وناهض، وبذلك فهي تحتاج إلى مؤسسة متخصصة عالية القدرة والكفاءة، وتجند لها الطاقات والموارد للقيام بتلك المهمة العظيمة.

من أهم مهام هذه الوزارة المقترحة هو وضع خارطة اجتماعية تتضح من خلالها مناطق وحدود ومستويات الاستبعاد، مجالاته وأشكاله وألوانه المختلفة حتى يتم صياغة رؤية إستراتيجية لردم فجوة هذه الاستبعاد وتخطيه ومن ثم تأمين الأدوات والوسائل المتاحة لمكافحته. هذه المهمة الجسيمة هي رأس حربة في مشروع الدولة اليمنية المدنية الديمقراطية الحديثة المنتظرة. لأن هذه الدولة هي الكفيلة بتوحيد الناس في هوية اجتماعية وطنية وقومية واحدة على أساس الروابط المدنية القائمة على الحقوق الاقتصادية والمدنية والسياسية والاجتماعية للمواطنة بحيث تؤمن خلق تجانس في النسيج الاجتماعي بغض النظر عن الاختلافات الطبقة، والمذهبية والإقليمية والدينية والثقافية أو الاختلافات على أساس العمر واللون والنوع الاجتماعي. وفي ظني أن هذه الوزارة ستكون بمثابة القاطرة المؤسسية الرئيسة التي من شأنها جر بقية عربات الدولة نحو تحقيق التنمية الشاملة والصهر الاجتماعي لكافة أبناء الوطن الواحد.

لمتابعة الحلقات السابقة:

من التخفيف من الفقر والبطالة إلى مواجهة الاستبعاد الاجتماعي (3)

زر الذهاب إلى الأعلى