[esi views ttl="1"]
آراءأرشيف الرأيالفكر والرأي

ومضات .. كفى ثرثرة

أنت عظيم بما تفعل لا بما تقول، تلك هي حكمة العصر والشعار الذي ينبغي أن نتخذه جميعاً ليكون دليلاً لنا في هذه المرحلة، وفي المراحل المقبلة، فقد تصدعت الأسماع وتمزقت خلايا العقول لكثرة ما يقال وما تبثه أجهزة الكلام، من غث القول ومكروره، وآن للعقول أن تهدأ وأن يتفرغ أصحابها للعمل، وللعمل وحده، لأنه الدليل على وجود الإنسان والأثر الباقي منه بعد أن يغادر هذه الحياة الدنيا . وكم يتمنى كثير من سكان هذه المعمورة أن تسارع وسائل الكلام إلى خفض درجة الثرثرة اليومية، وبعض أبناء هذه الأرض يتمنون أن يناموا ولا يصبحون إلا وقد أصيبت هذه الوسائل بالخرس بعد أن أفسدت حياة الإنسان والحيوان وجعلت المواطن البريء غير قادر على أن يلوذ إلى نفسه يحاسبها عما قدمت وما اقترفت من أخطاء .

وأعود إلى الماضي القريب وإلى أواخر الخمسينات تحديداً عندما بدأت صلتي بوسائل الكلام، لكي أتذكر أن جهاز الراديو كان يبث لساعات معدودة فقط ليترك للمستمع مساحة للعمل وفرصة للتفكير في ما استمع إليه، وكذلك كان الحال مع التلفاز الذي ابتدأ بقناة واحدة في كل قطر ولساعات محدودة أيضاً، لكن إرسال هذه القنوات توسع بطريقة عبثية لاسيما بعد أن صار لبعض الأقطار العربية قنوات بعدد أيام السنة، وهي لا تكف عن الثرثرة ومطاردة المشاهد على مدار ساعات الليل والنهار . لماذا كل هذا الإهدار للمال والكلام؟ وهل يظن هؤلاء أنهم امتلكوا الفضاء ومن خلاله امتلكوا عقول أهل الأرض؟ إنهم واهمون إذا كان ذلك هو هدفهم . وقد أثبتت الدراسات الإحصائية أن أغلب المشاهدين لهذه الوسائل ينصرفون عنها بمعدلات قياسية، وأن 90% وأكثر من القنوات لا تحظى إلا بمشاهدة أفراد يعدون بالأصابع، وبعضها لا يشاهدها أحد!

وإحصائية كهذه تدعو إلى إعادة النظر في الإكثار من وسائل البث وتدعو المشاهد نفسه إلى أن يدرك خطورة التوسع في الإنصات اليومي ولساعات طويلة لثرثرة هذه الوسائل بما فيها ثرثرات ما يسمى بالدراما السينمائية أو التلفزيونية لما تتركه من آثار سلبية على الجهاز العصبي أولاً وعلى النظر ثانياً . وليس الإكثار من مشاهدة التلفاز وحده هو الضار فحسب، وإنما ما تتقصده بعض الثرثرات من محاولات غسل الأدمغة والانحراف بأصحابها عن سواء السبيل . وكثير من الدراسات الاجتماعية المنشورة تؤكد أن الإنسان العربي كان قبل انتشار هذا النوع من وسائل التوصيل أكثر صفاءً وقدرة على تحليل الأحداث، وأكثر استجابة للمواقف الصحيحة منه الآن، وأن إطالة الوقوف أمام الشاشة الصغيرة أورثته حالة من السلبية واللامبالاة وعدم الإحساس بالمخاطر التي باتت تحيط به من جميع الجهات .

وللذين يقولون إن هذه القنوات وغيرها من وسائل الاتصال تعمل من أجلنا نحن المستقبلين، وإنها ليست من أجل مصالحهم بل للإعلانات الممولة، لهؤلاء نقول بكل الصدق والصراحة “متشكرين” وعليهم أن يعرفوا تماماً أننا لن نشاهد قنواتهم وأن الملايين باتت تدير ظهورها للشاشات التي تسرق الوقت والنظر والفكر .

زر الذهاب إلى الأعلى