[esi views ttl="1"]
أرشيف الرأي

مصر.. عين على الديمقراطية

حين خرج شباب ثورات الربيع العربي إلى الساحات والميادين يهتفون للحرية، والعدالة والمساواة والمواطنة الحقيقية والديمقراطية النزيهة القائمة على التنافس الشريف كانوا يعرفون بذكاء مكمن الخلل في أنظمة الحكم في بلدانهم، وهي الديمقراطية الشكلية التي كانت قائمة والتي تم العبث بها ومصادرتها كحق من حق الشعب في حكم نفسه بنفسه ولذلك شاهدنا الطفل اليمني الذي خرج على شاشة إحدى القنوات قائلا: (من حقي أن أصبح رئيسا للجمهورية) ملخصا أهداف ثورته من منظوره الخاص كما هي عند بقية زملائه الشباب من الأهداف الرئيسية .

كانت هناك أنظمة حكم شمولية مستبدة تؤمن بنظرية الحزب الأوحد والبحث عن كل الطرق للاستمرار في السلطة وباسم الديمقراطية حيث كانت النتائج غالبا في الأخير ممهوره بنسبة: 99 % لصالح الحزب الحاكم على حد رأي احد السياسيين اليمنيين (نجم لي ونجمي الأسد معلقا على الفوز المتكرر لحاكم في كل انتخابات تحدث .
حيث كانت الديمقراطية المسلوبة في عالمنا العربي هي ابرز محددات اندلاع الثورات والتي كانت الأجهزة الأمنية والمال العام والإعلام الرسمي جنود للحاكم في منحة صك فوز بطريقة تزوير الانتخابات وحسمها سلفا إلا أن هذه الأساليب تطورت لتتجاوز مفاهيم التزوير المتفق عليها حديثا وليست مجرد المبلغ المالي الضئيل الذي يتم منحه لمواطن بسيط في إحدى اللجان والتي أدت تلك الممارسات في مجملها إلى فقدان ثقة الشعب التغيير عبر صناديق الاقتراع وتم نزولهم للشارع كونهم أصحاب الشرعية الحقيقية ومن يصادر حقوقهم فهو غير شرعي وهذا هو مفهوم الثورات .

ولأن مقومات البنية التحتية لأي نهضة هي في الأساس وجود ديمقراطية حقيقية تقوم على أسس سليمة تتيح مبدأ التنافس بين الأحزاب عبر برامجها وأهدافها وتقنع جمهور الناخبين بها فإن شاء أعطاها الثقة وان لم يشاء لم يمنحها وليس اعتباطا ولم تصل الدول المتقدمة إلى ما وصلت اليه اليوم إلا بممارسات ديمقراطية تراكمية عريقة ولدينا أمثلة كثيرة وشواهد حية : الولايات المتحدة ، فرنسا ، تركيا وغيرها من الديمقراطيات الرائدة لأنه لا نهضة مع نظام غير ديمقراطي.

اليوم وبعد اندلاع الثورات على دول الربيع العربي أن أرادت أن تملك مفاتيح النهضة فعليها التأسيس لديمقراطية حقيقية بنزاهة وشفافية إذا أرادت الانطلاق للمستقبل بخطى واثقة حتى يتوفر الاستقرار السياسي الممهد للاستقرار الاقتصادي .

خطت مصر وتونس خطوات متقدمة في مجال الديمقراطية حيث أجريت انتخابات ديمقراطية نزيهة ولأول مره أدت إلى فوز أحزاب وتنظيمات سياسية كانت الأنظمة تمنع إجراء انتخابات ديمقراطية حقيقية خوفا من وصولها للسلطة وكانت مبعده عن الفعل والتأثير السياسي رغم جماهيرها الكبيرة فحصد حزب النهضة في تونس النسبة الأعلى بين الأحزاب، وحصل حزب الحرية والعدالة في مصر على الأغلبية من أصوات الناخبين بعد تنافس شديد في ظل أجواء انتخابية ديمقراطية حقيقية برغم المنافسة القوية ووجود مرشح للنظام السابق والدعم الذي تلقاه ورغم كل ذلك استطاع مرشح هذا الحزب الإسلامي الفوز بانتزاعه انتزاعا من بين مخالب المرشحين المتربصين بالفوز وحاز على ثقة أغلبية الناخبين مما يخوله بموجب ذلك الفوز تشكيل حكومة جديدة سواء من حزبه أو بالتوافق وإصدار القرارات التي يراها مناسبة وطبقا لبرنامجه السياسي المعلن والذي به حصد أغلبية الأصوات وذلك طوال فترة ولايته حسب ما يحدده الدستور وبموجب هذه الشرعية الجديدة فليس على القوى الأخرى الخاسرة في الانتخابات ( ولا خسارة بالديمقراطية ) إلا التسليم بنتائج الانتخابات والرضا بالعملية الديمقراطية بصورة حضارية ولتمارس دور المعارض الحريص على تقويم السياسات التي يراها معوجه بطرق سلمية وحضارية عن طريق الإعلام والمظاهرات والاحتجاجات وبأي طريقة لا تشكل عنفا أو إثارة للشغب وباحترام فترة الشرعية الجديدة وقطاع عريض من الشعب الذي صوت للمرشح الفائز ومنحه الثقة وحتى يحين موعد الانتخابات القادمة عليها النزول ببرامج ومشاريع للشارع وإقناع الناخب بها ويتم التنافس على هذا المبدأ للوصول للسلطة مع احتفاظها بممارسة دورها في المعارضة البناءة وأي ممارسات خارج هذا السياق فإنما هي الفوضى وعدم الإيمان بالديمقراطية من الأساس وتكشف عن تصرفات شمولية تدعي الأبوة والوصاية على جمهور الناخبين بعدم احترام إرادتهم .

الإشكالية القائمة اليوم في عالمنا العربي تحديدا هي عدم احترام الديمقراطية كمبدأ وكما هي السبب في قيام الثورات هي السبب أيضا في حنق القوى التي لم تتمكن من الفوز بالانتخابات وكأن مفهوم بعض هذه القوى أن الديمقراطية التي تؤدي إلى وصولنا إلى السلطة هي الصحيحة وإذا أتت بقوى أخرى مخالفة لمعتقدها السياسي فليست ديمقراطية أو بتوصيف أدق ديمقراطية منقوصة وهذه الاشكالية عالقة في الذهنية العربية نتيجة ممارسات الاستبداد في العهد السابق وعدم ممارسة الديمقراطية بمفهومها الحقيقي فترة طويلة وهذا الاعتقاد ينسف فكرة الديمقراطية من الأساس ولنا في المنطقة العربية تجربة فوز حركة حماس في فلسطين كيف انه لم يتم القبول بها رغم نزاهة الانتخابات التي جرت وللأسف حتى من دول لم تتقبل النتيجة وهي تعتبر متقدمة ديمقراطيا كون الانتخابات أتت بحركة إسلامية أو حزب ذو ميول إسلامي وهذا سر الضغط اليوم على الجنين الديمقراطي الوليد في مصر من قبل القوى نفسها إقليميا ودوليا التي لم تستطع هضم حضور البرامج الإسلامية في الواقع السياسي رغم جماهيريتها العريضة ونهجها السلمي .

المعادلة السياسية اليوم تبدو أكثر وضوحا من ذي قبل حزب سياسي له برنامج سياسي يسعى إلى تطبيقه وصل إلى السلطة بطريقة ديمقراطية نزيهة وحضور مراقبين دوليين واعتراف دولي بها والأغلبية من الشعب أعطته الثقة والتي شاهدها الجميع بنزولها إلى الميدان حماية لخيارها بمئات الآلاف وعلى المعارضة المصرية المنفعلة بلا مبرر التي لجأت إلى الشارع ملوحة بإسقاط السلطة الجديدة إنما هو انقلاب على الديمقراطية وضيقا بها وان عليها أن تحترم ابسط أبجديات ومبادئ الديمقراطية وان اللجوء للشارع باستغلال الحالة الثورية العامة إنما هو ركوب مبررات الفوضى باسم الثورة والنفوذ من بين مسامات مناخ الحرية التي إتاحته الثورة لإسقاط حاكم شرعي أتى عبر صندوق الاقتراع .

وحين تستخدم الخطاب الثوري في معارضتها للنظام فالحاكم أتى من صفوف الثورة ولو لم يكن ثائرا لما حاز على الثقة على اثر ثورة لم تجف دماء شهدائها بعد ، وعليها أن تتذكر جيدا وببساطة أن اندلاع ثورات الربيع العربي كانت ضد أنظمة أتت بالانقلابات وليس عبر صناديق الاقتراع وهذه الحالة لا تنطبق على الرئيس الشرعي مرسي، وتندرج بعض من ممارسات النخبة المعارضة تحت مفهوم يمكن اعتباره عدم احترام شريحة كبيرة من أبناء الشعب والاستخفاف بهم ومحاولة وأد للديمقراطية الوليدة والتجربة الفريدة التي وصلت إليها مصر والتي لا تزال سوريا اليوم برغم كل التضحيات لم تصل إلى ربع ما قطعته الثورة المصرية لذلك ينبغي على القوى المعارضة أن تطلع على تجارب ديمقراطية عريقة ولتعود إلى الجمهور ببرامجها عبر صندوق الانتخابات هو الحكم أما بافتعال الأزمات وتنفيذ أجندة خارجية وتحالفات مشبوهة والتشويه والتخوين لم تعد تلك الأساليب مطية للوصول إلى السلطة .

زر الذهاب إلى الأعلى