[esi views ttl="1"]
آراءأرشيف الرأيالفكر والرأي

اللحظة العربية.. جمود الأمس وركود اليوم

ليس سؤالاً جديداً، بل هو من الأسئلة القديمة التي يزيد عمرها عن القرن، ومع ذلك - ولأسباب يصعب تعدادها في هذه الزاوية - فإنه ظل يتكرر ويعاد وكأنه سؤال كل اللحظات التي مرت بالأمة العربية، وسؤال هذه اللحظة بالذات، والسؤال هو: هل نتقدم نحن العرب الذين نسكن الرقعة الجغرافية الممتدة من المحيط إلى الخليج أم نتأخر؟
وبداية، لا أدري ولا أظن أن أحداً يدري عدد الإجابات التي حاولت أن تقدم رداً على هذا السؤال، وبعض تلك الإجابات لم تظهر في مقال قصير أو دراسة موسعة بل في كتب كاملة، ورغم ذلك مازال السؤال حاضراً في حياتنا وتحتاج الإجابة عليه إلى دراسة وربما دراسات ممعنة في قراءة جزئيات التأخر قبل التفاصيل لما لها من علاقة وثيقة ليس بالحاضر فحسب، وإنما بالمستقبل أيضاً.. ولو سألنا القطاع العريض من المثقفين لوجدناهم منقسمين حالياً في الإجابة عن السؤال ذاته كما كانوا منقسمين من قبل وقد يكونون الآن أكثر انقساماً، وفيهم المتفائلون الذين يرون أننا نتقدم ولو ببطء، ومنهم المتشائمون الذين يرون أننا نتأخر بتسارع.. وقد تكون الحقيقة ضائعة بين الاتجاهين، فنحن نتقدم ونتأخر في الوقت ذاته، ومظاهر التقدم واضحة في معالم كثيرة كالجامعات والمعاهد والمطارات والفنادق والصحافة والفضائيات والمؤسسات الاقتصادية ووسائل الاتصال والإيصال.. الخ.

أما مظاهر التأخر فكثيرة واضحة في معالم يأتي في مقدمتها غياب مشروع عربي واضح للنهوض الشامل يضاف إلى تلك المعالم النزعة الاستبدادية المتأصلة في الواقع العربي بدءاً من البيت، والمدرسة، والمؤسسة الاجتماعية والسياسية وليس انتهاءً بغياب الوعي بأهمية الخروج من منطقة التخلف وضرورة مواجهة التفكك وما تبعثه الاستجابة الفورية للنزعات الطائفية والمذهبية وما تثيره من شعور بالتناقض داخل الكيان العربي الواحد والاحتكام إلى الماضي وإهدار الطاقات في خدمة كل ما من شأنه تكريس معاني التأخر وتبديد الإمكانات الاقتصادية والثقافية والبشرية حيث لا جدوى.

ولو أننا نظرنا بمنهجية دقيقة إلى واقعنا العربي الآن والواقع ذاته في الأربعينيات والخمسينيات من القرن الماضي لما وجدنا اختلافاً كثيراً إلا من حيث المظاهر، صحيح أن الإشكاليات التي كانت تحبط بالإنسان العربي قبل خمسين أو ستين عاماً تختلف لكنها لم تتغير، وإذا كان العرب يوصفون في ذلك الحين بالجمود فإنهم الآن يتحركون ولكن في محيط راكد، كل شيء يأتي اليه سهلاً ميسراً دون أن يعمل شيئاً سوى أن يستهلك المزيد من الكماليات وحركة استهلاكية كهذه لا تشكل فارقاً يذكر بين الأمس واليوم بين الحركة والجمود، بين التقدم والتأخر.

ومن هنا لا نرى فرقاً بين الركود القديم والحركة الجديدة، وذلك لأن حركة اليوم غير منتجة ولا فرق بينها وبين جمود الأمس، وربما كان وضع العربي قبل ستين عاماً أفضل مما هو عليه الآن في زمن المواصلات السريعة والفضائيات، فقد كان حقاً يعيش في إطار حياة جامدة لكنه كان يعرف كيف يعتمد على نفسه ويكتفي بأقل القليل من موارده الذاتية وبعض ما يستورده من الخارج، أما الآن فقد انفتح السوق على كل ما ليس ضرورياً، ولم يعد قادراً على الاكتفاء بالقليل وذلك، لأن علاقة تقدم الشعوب لا تقاس بما تستهلكه وما تستقدمه من خارج أوطانها وإنما بما تحققه من إنجازات وتشارك فيه البشرية من مخترعات وما تكتفي به عن غيرها وهو ما لا وجود له في واقعنااليوم رغم مظاهر الحياة الجديدة والشعارات التي تصم الآذان.

إن واجب المثقفين يقتضي منهم العمل الدؤوب والجاد على إشعار الأمة - عبر الوسائل المختلفة - بهذا النقص وبضرورة التخلص من بقايا مخلفات عصر الانحطاط، والتنبه إلى ما تفرضه الظروف الجديده والمعطيات الموضوعية من أهمية الاستجابة للتغيير الشامل وعدم الانخداع بالمظاهر والدخل السريع في عمق التجربة الانسانية الحديثة.. ومقاومة كل ما من شأنه أن يعيق حركة النهوض الحقيقية.. وليس صحيحاً على الإطلاق ما يقال عن العجز الذاتي لدى بعض الشعوب دون غيرها، فالبشر كلهم - دون استثناء - متساوون في قابلية الاستجابة للتقدم والتأخر.. ومن شأن العربي أن يتذكر أنه «حامل حضارة» لاتزال جذوره ضاربةً في أعماقه نابضة من وجدانه.

زر الذهاب إلى الأعلى