[esi views ttl="1"]
آراءأرشيف الرأيالفكر والرأي

ماذا سمع كيري في الرياض؟

في خلال جولته الخليجية أدلى جون كيري بتصريح مستغرب فقال: «إذا لم تقم الولايات المتحدة بشيء وإن لم يفعل العالم شيئا، حينئذ ستصبح سوريا في وضع أسوأ مما هي فيه الآن».

غريب، كان يمكن لغير وزير خارجية أميركا أن يقول هذا الكلام، وخصوصا أن السؤال الأبرز الذي يواجه المسؤولين الأميركيين منذ عامين ونصف هو لماذا لم تقم أميركا بفعل أي شيء لوقف المذبحة في سوريا ولماذا التعامي عن المأساة التي يقول باراك أوباما إنها حصدت حتى الآن مائة ألف قتيل؟

وإذا كان كيري يعي فعلا ما هو السيناريو الأسوأ في سوريا ويقول: إنه يتمثل باحتمال تفكك سوريا واستيلاء متطرفين ومتشددين على الأسلحة الكيماوية وأن تكون لهم حرية استخدامها مجددا ضد الغرب، فإن المثير هو استمرار التغاضي عن الأزمة التي لم تعد تهدد سوريا وحدها بل دول المنطقة بأسرها وخصوصا بعد تدخل إيران العسكري السافر إلى جانب الأسد، إضافة إلى أذرعها أي حزب الله و«عصائب أهل الحق»، وهو ما يرتب تداعيات كارثية أبرزها اثنان:

أولا: إن التغاضي عن الانخراط الإيراني المتزايد في المعارك في سوريا، وخصوصا بعد إعلان المرشد علي خامنئي «أننا لن نترك سوريا تسقط في أيدي الأعداء والمستكبرين»، يهدد بتوسيع إطار الاختراقات الإيرانية على نطاق إقليمي، وفي هذا السياق ظهرت تصريحات وتحليلات توحي بأن دحر المعارضة السورية سيشرع الأبواب غربا للإطباق الإيراني الكامل على لبنان وشرقا للإمساك بالعراق نهائيا وجعله منصة للانقضاض على دول الخليج، بالتوازي مع محاولات لاختراق الوضع اليمني عبر تحريك الحوثيين الذين تلقوا تدريبا وتسليحا متقدما في الفترة الأخيرة، وهو ما دفع وزير الإعلام اليمني علي العمراني إلى القول: «إن التدخل الإيراني في اليمن هو أخطر من (القاعدة)، وإن توجه إيران إلى السيطرة على باب المندب أخطر من حصولها على القنبلة النووية».

وعندما تنشر طهران صور المتطوعين في مقرات التعبئة يسجلون أسماءهم للقتال في «الولاية الإيرانية رقم 35» وتعيد القول: إنها وسعت حدودها الأمنية لتشمل شرق المتوسط، ويكون عنوان التدخل العسكري منع انهيار «جبهة المقاومة» عبر دعم الأسد، يصبح من واجب المسؤولين الأميركيين أن يتحسسوا خطرا يتجاوز كل مخاوفهم (المزعومة؟) عن سيطرة المتشددين في سوريا.

ثانيا: لا يكفي أن يشير كيري إلى المحاذير الخطرة والمدمرة التي تتمثل في اتخاذ الصراع منحى مذهبيا وهو ما ينذر بإشعال فتنة سنية شيعية لن تنحصر داخل حدود سوريا ولبنان والعراق، بل ستشمل المنطقة كلها بما سيشكل زلزالا كارثيا ستكون له تداعيات مدمرة على الاستقرار العالمي ويمكن أن يقوض دورة الاقتصادات الغربية.

وعندما يتهم كيري إيران بتدويل النزاع في سوريا عبر التدخل العسكري ودور حزب الله المتزايد، ثم يشدد على أن أميركا «لا تسعى بالضرورة إلى انتصار مسلحي المعارضة بل تريد الضغط على الأسد لكي يوافق على مفاوضات سلام في جنيف»، فإنه يعطي الضوء الأخضر للإيرانيين للمضي في القتال لمنع انهيار الأسد، الذي سيعني بداية انحسار نفوذهم إلى البر الفارسي بعد ثلاثين عاما من خطط التوسع والتدخلات في الإقليم.

ما سبق أن سمعه الفرنسيون من الأمير سعود الفيصل والأمير بندر بن سلطان قبل أسبوعين لا بد من أن يكون كيري قد سمعه منهما جيدا في الرياض بداية الأسبوع، وخصوصا فيما يتصل بالأخطار المدمرة التي ستنجم من التغاضي عن تدخلات الإيرانيين وتركهم يجتاحون الساحة السورية لينقضوا من بعد على لبنان والعراق وهو ما سيجعلهم يتغولون في تدخلاتهم الإقليمية، التي أطلقت منذ زمن رياح الكراهية المذهبية وأذكت الحساسيات عبر تدخلهم في معظم دول مجلس التعاون الخليجي، هذا ما يشكل خطرا محدقا يواجه أميركا والدول الغربية المترددة في دعم المعارضة السورية وتتعامى عن مذبحة العصر.

وإذا كانت أميركا تريد التدقيق في كل طلقة رصاص إلى المعارضة السورية متعامية عن السلاح الروسي الثقيل الذي يتدفق على النظام كتدفق المقاتلين بإمرة إيرانية، فإن الوضع في سوريا لم يعد يحتمل رقص واشنطن على قبور السوريين، بالسعي إلى تحقيق نوع من التوازن العسكري في الميدان لكي يقتنع الأسد بالذهاب إلى جنيف للتنحي، لهذا كان الأمير سعود الفيصل جازما عندما أسمعه القول:

«لن نقف مكتوفي الأيدي في مساعدة الشعب السوري، ولا يمكن اعتبار سوريا الآن إلا أرضا محتلة من الحرس الثوري الإيراني وحزب الله والدعم اللامحدود بالسلاح الروسي، وهذا أمر خطير لا يمكن السكوت عنه ويتطلب ردا دوليا حازما وسريعا».

زر الذهاب إلى الأعلى