[esi views ttl="1"]
أرشيف الرأي

مع اليدومي.. انقلاب مصر ليس مسألة خاصة

قال صديقي إن الأستاذ محمد اليدومي يغفل الفوارق الجوهرية بين تجربتي اليمن ومصر السياسيتين في حديثه عن الانقلاب في مصر في تعليقه الأخير على حائطه في الفيس بوك.

كان محل انتقاد صديقي هو إشارة اليدومي إلى مسألة ( أن على الأمة أن تختار بين أن تصل قواها السياسية إلى الحكم عن طريق صناديق الاقتراع, أو عن طريق التوابيت والأكفان)، مع أن لا شيئ يستدعي مثل هذا القول في اليمن، حسب وجهة نظر صديقي.

صحيح أن ثمة فوارق جوهرية بين مصر واليمن تجعل من تكرار الحدث المصري في اليمن أمرا أكثر استبعادا، لكن هذا الأمر لا يرجع لمسائل مبدئية وقيمية بقدر ما له علاقة بموازين القوة وقدر ما يملك منها كل طرف، فالمسألة لا زالت تتطلب حسما مبدئيا وقيميا قبل أي شيئ آخر.

فالانقلاب المصري والموقف منه، ليس مسألة مصرية داخلية بقدر ما هو موقف ومبدأ عام حيال النظرة للتحول الديمقراطي في الوطن العربي عموما بين الاحتكام لصناديق الاقتراع ليس كمسألة للوصول إلى الحكم فقط وإنما لحسم الخلافات السياسية أيضا، وبين التغلب بقوة العنف (الجيوش) وما يحدثه ذلك من قتل وسجن للمخالفين السياسيين ومصادرة الحقوق والحريات.وهو ما كان سائدا قبل الربيع العربي.

فالمسألة ليست قضية مصرية خاصة بقدر ما هي امتحان صعب يواجهه الجميع بلا استثناء في الوطن العربي، الإسلاميون وخصومهم على حد سواء، حيث كان يبرر للاستبداد تحت حجة أن القوى الإسلامية من كانت تمثل القوى المعارضة الرئيسية أنها ليست مستعدة لممارسة الديمقراطية بعد، إلا أن الذي ثبت هو العكس وهو أن خصومهم هم من يقبلونها إن كانت لصالحهم ويرفضونها إن كانت العكس..

لا تقل لي أن ثمة تجربة مختلفة في اليمن، وإنما قل لي ما مدى إيمانك بالديمقراطية كآلية للوصول إلى الحكم، ولحسم الخلافات السياسية. لا تقل لي أنك لا تستطيع اجتثاثي واستئصالي هنا في اليمن، لكن ما الذي يضمن لي أنك لن تفعل ذلك إن استطعت، أو ما الذي يضمن لك أن لا أفعل أنا، فالمسألة ليست مسألة قدرات ورغبات بقدر ما هي مبادئ عامة لا تجزأ أو يتفاوت في تطبيقها..

ليس شرطا أن أشبهك، كما أنه ليس شرطا أن تشبهني أيضا، خلاف الناس هو الأصل، ونادرا ما يتفقون، ولأجل هذا أبتدع العالم الآليات الدستورية والديمقراطية لحسم الخلافات السياسية..

فكما أن لك تصور ليبرالي أو علماني كما تدعي، للأخر تصوره الخاص أيضا لما ينبغي أن تكون عليه الحياة عموما من خلال مفهومه الخاص للدين، فكما يقال أن ليس للإسلامي الحق في فرض تصوراته بالقوة الأمر كذلك بالنسبة للتصورات العلمانية والليبرالية والتي لا أجدها إلا تعسف عربي بليد للمفهومين.. لكن الديمقراطية والدستور هو الآلية المحترمة والمعتبرة لحسم الخلافات السياسية بين الجميع كما يحدث في العالم الديمقراطي والمتحضر.

لكن، قل لي لما أنت وحدك من تستحق الحرية؟، ولما أنت وحدك من تستحق الديمقراطية أيضا، ولم أنت لك الحق في التمتع بحقوق الإنسان، من تعبير عن أراءاك وحرمة حريتك ودمك، فيما أنا شقيق في الوطن والإنسانية لا أستحق ذلك لمجرد كوني إسلامي أو اختلف عنك. لما لك الخلود ولما لا أستحق غير الإلغاء والفناء؟!..

لم أنت أيها "القاتل الحليق" حسب وصف الصديق محمود ياسين تقتلني وتعتقلني وتصادر كل البلد وبعد ذلك تملك الحق في وصف نفسك بالمتحضر والبطل القومي، فيما أصبح أنا الرجعي والمتخلف والإرهابي.

إن كنت لا أزال ليس إنسانا حرا كامل الأهلية من وجهة نظرك، وتفرض هذا الأمر علي بالقوة، فما الذي يمنعني ألا أقاتل لأصير ذلك الإنسان الحر الذي أريد، فمن أعطاك الحق هنا أيضا لتقرر أن علي أن أكون الطرف الذي يتنازل.. فهل قدري أن أكون عبدك.

فالانقلاب على الحقوق المشتركة والدستور والديمقراطية كآليات لحسم الخلافات السياسية، و تأييدها أو تفهمها، وإلغاء الآخر وحقوقه هي "دعوة صريحة للعنف ومقْودٌ للتطرف وهدم للسلم الاجتماعي".. لأجل ذلك جميعا، يتوجب على الكل رفض منهج الانقلابات والتغلب بقوة العنف في حسم الخلافات السياسية، واحترام الآليات الدستورية والديمقراطية المعتبرة في هذا المجال.

في هذه المسألة بالذات كمشترك وحيد لالتقاء الخلافات والتباينات المختلفة ليس في الأمر وجهات نظر وإنما مبدأ وقيمة، فبهذا وحده يمكن التأسيس لمجتمعات مستقرة ومتحضرة، وبه وحده أيضا يمكن مغادرة مرحلة والعنف والصراعات المتجددة، إذ ستجد خلافاتنا طريقها للحسم ضمن آليات ديمقراطية سلمية ومعتبرة.

فإما أن نؤمن جميعا بهذا، أو لا أحد، أو ليفصل كل منا الثوب الذي يناسبه بالغلبة والقوة فقط. ولا أظن أن هذا سينهي المسألة، إلا أنه بعد خسائر فادحة يمكن له أن يعيدنا إلى النقطة التي كان من الإمكان البدء منها قبل انقلاب مصر.

ليس في الأمر خيار، أو وجهات نظر، فآلية حسم الخيارات ووجهات النظر، هو ما ينبغي أن يكون المتفق عليه الوحيد.. وليس هناك آلية عند البشرية حتى الآن غير الدستور والديمقراطية..
لا تقل لي أن الوضع مختلف هنا، وإنما قل لي ما الذي تؤمن به أنت..

للاطلاع على مقالة اليدومي اضغط هنا

زر الذهاب إلى الأعلى