[esi views ttl="1"]
آراءأرشيف الرأيالفكر والرأي

اليمن.. إلى أين المنتهى..؟!

كنا نتمنى ان تكون الأطراف الجنوبية المشاركة في مؤتمر الحوار الوطني باليمن اكثر حكمة واعتدالاً واتزاناً وواقعية عند طرحها لرؤيتها الخاصة بحل القضية الجنوبية..

وكنا نأمل ان تحتكم هذه الاطراف لصوت العقل وتحافظ على استقلالية قرارها وان تنأى بنفسها عن مؤثرات الزعامات المثقلة بصراعات الماضي والتنافس على قيادة الجنوب والتى تتسابق اليوم على اعادة انتاج هذا الصراع وتحويله إلى صراع بين اليمنيين على اساس شمال وجنوب.. وكنا ايضاً من رجونا الاطراف الجنوبية المشاركة في الحوار ان تعمل على كل ما من شأنه خروج مؤتمر الحوار بمقاربات تسهم في جمع شمل اليمنيين وتقوية عرى وحدتهم واصلاح بنية دولتهم الجديدة بل اننا من راهن على وطنية هذه الاطراف في تفويت الفرصة على كل نفسية مريضة وعقلية متعصبة ونزعة مناطقية بغيضة تسعى إلى دفع اليمن نحو طريق مسدود ومستقبل مخيف ستكون ضريبته باهضة ونتائجة كارثية.

غير انه وبعد اربعة اشهر من الحوار كانت مفاجاَتنا ان تلك الامنيات والاَمال لم تجد آذان صاغية فالاطراف الجنوبية التى راهنا على انها ستشكل عامل توازن لضبط بوصلة الحوار بدت اكثر دهاء وذكاء من الجميع اذ انه وبمجرد بلوغها الاهداف التى ارادت تحقيقها من مؤتمر الحوار قلبت ظهر المجن على كل من توسم بها خيراً فعمدت إلى استخدام كل ماحصلت عليه من التنازلات واخطرها صيغة المناصفة الشمالية الجنوبية لقوام المشاركين في مؤتمر الحوار كدلائل وقرائن على ان ما يعتمل اليوم في اليمن من مشكلات ليس سوى دليل على فشل مشروع الوحدة وهو الفشل الذى يرجع حسب وصف هؤلاء السياسيين ليس فقط للاسلوب والطريقة التى ادار بها النظام الحاكم الدولة الموحدة وانما لكون مشروع الوحدة كان ارتجالياً وانفعالياً بل وغير مدروس حيث لم يراع ابسط المعايير والاعتبارات التى يفترض ان تتوفر في اي شكل من اشكال الوحدة السياسية بين دولتين وشعبين لكل منهما هويته التاريخية والجغرافية حسب زعمهم.

وتحت تأثير هذا الزعم الذى لا يقبله عقل ولا منطق تصر الاطراف الجنوبية المشاركة في الحوار على رفض مناقشة المقترحات التى قدمتها التيارات السياسية الاخرى لحل القضية الجنوبية الامر الذى يدخل مؤتمر الحوار في ازمة عاصفة قد تعيد المشهد في اليمن إلى المربع الاول أو نقطة الصفر ان لم تشكل القشة التى قد تقسم ظهر بعير الانسداد.. ومع تمسك هذه القوى برؤيتها التى تختزل حل القضية الجنوبية بحق تقرير المصير واستعادة الدولة الجنوبية المستقلة لا تلوح في الافق اية بوادر بانفراج سياسي طالما بقيت هذه الاطراف متشبثة بمواقفها وتصلبها بعد ان نجحت بربط جميع القضايا المطروحة على مؤتمر الحوار بما سيسفر عنه هذا المؤتمر من حلول للقضية الجنوبية الامر الذى يصبح معه الحوار مرهوناً بيد القوى الانفصالية التى تظهر تعنتاً لا يمكن تفسيره سوى انه الذى يندرج في اطار مؤامرة تهدف إلى تمزيق اليمن وتفتيته إلى مجموعة كيانات مصطنعة تتنازعها عوامل الفوضى والاضطراب وعدم الاستقرار.

لست ممن ينكرون المظالم التى حدثت في الجنوب والممارسات الخاطئة التى احاقت ببعض ابنائه ولكن لست مع الهروب إلى الامام ودفن الرؤوس في الرمال كما هو دابنا مع معظم القضايا فما يقلقني الآن واخشى ما اخشاه هو ان تضيع كل الجهود المبذولة حالياً من اجل اعادة تصحيح كل الاختلالات والتجاوزات التى حدثت في الجنوب بين مطرقة المشاريع الانتقامية من الوحدة وسندان الخطابات المتشنجة لبعض الانفصاليين الذين يعتقدون ان بامكانهم الانحراف بالتاريخ ومسخ الهوية اليمنية والغائها في هذا الزمن العربي الجريح بابنائه خصوصاً وان موضوع الهوية كما يقول الكثير من المفكرين لا ينبغي له ان يتحول إلى حالة سجالية ترهق بحسابات السياسة أو باكراهات المصالح.. فهي شأن سيادي وحضاري ليس للعاطفة فيه من نصيب أو هكذا يجب ان يكون.. كما ان الهوية ماهي الا تجسيد لحاضر اوجده واقع.. وهذا الواقع املاه تاريخ معلوم وفرضته حقائق قائمة من آلاف السنين دون ان تكون لنا ابناء هذا اليوم يد في رسم ملامح ومنطلقات هذه الهوية ولا دور في اختيار كنهها أو في التخطيط لما نهوى ان تكون عليه.

وبالتالي فان كل من يحاول ان يجعل من مؤتمر الحوار في اليمن مهرجاناً لمحاكمة وجلد الوحدة باعتبار ان تقسيم هذا البلد صار شراً لا بد منه انما هو الذى يرتكب خطأ جسيماً في حق نفسه ووطنه ومجتمعه وامته وعقيدته حتى وان لم يستطع تغيير حقيقة ان اليمن شمالاً وجنوباً شرقاً وغرباً كان وسيظل هوية واحدة اصلها ثابت في رحم ارضه وفروعها باسقة في سمائه.

ولابأس في التذكير هنا أن ما يتطلع اليه اليمنييون من مؤتمر الحوار هو التأسيس لدولة مواطنة تقيم موازين القسط والعدل والانصاف بين جميع ابنائها دون انتقاء أو تميز أو افراط أو تفريط.. وما سوى ذلك فإن عواقبه ستكون وخيمة على الجميع.

زر الذهاب إلى الأعلى