[esi views ttl="1"]
أرشيف الرأي

ثقافة الاعتذار تقود إلى النقد الذاتي للأحزاب

تميز الربيع العربي في نسخته اليمنية بخصوصية أنفردت عن بقية التجارِب الأخرى ‏وتحديداً في البلدان التي هبت عليها رياح التغيير. من أهمها انطلاق الحوار الوطني وإعادة ‏الهيكلة للجيش والتدوير الوظيفي ونحو ذلك من المفاهيم التي لم يعتاد عليها الشارع اليمني ‏ومؤخر اعتذرت الحكومة اليمنية على كل ماحدث في السياسات السابقة من ظلم وتعسف ‏لأبناء المحافظات الجنوبية وكذا لأبناء صعده التي عانت ستة حروب ظالمة كان يفترض ‏معالجة الأمور بالحسنى بدليل أن تلك الحروب لم تنهي مطالبات الحوثيين بقدر مازادتهم قوة.. ‏

‏ فالاعتذار دليل شجاعة وثقة بالمستقبل فإذا كانت فرنسا قد اعتذرت لشعب الجزائر عن فترة ‏الاحتلال والتي انتهت قبل أكثر من نصف قرن ومطالبة مواطني المغرب العربي من اسبانيا ‏الاعتذار لطرد المسلمين المعروفين بالمورسكيين من الأندلس الاسبانية قبل أكثر من أربعة ‏قرون ومن دولة وقارة أخرى وحضارة وملة مختلفة ومع ذلك فأن طبيعة التعايش بين الأمم ‏يقتضي مثل هذا السلوك الحضاري فما بالك بابنا جلدتهم فالأحرى والأولى أن يكون الاعتذار ‏سمة المرحلة المقبلة. ويجرنا ذلك إلى أن ثقافة بعض المفاهيم المفترضة في الفكر السياسي ‏اليمني المعاصر، منها التقييم والنقد الذاتي داخل كل مؤسسة وحزب ومجموعة والأجدر ‏بالأحزاب اليمنية أن تنهج هذا السلوك وتعيد بنائها وتقييم سياستها ونهجها وذلك في الشكل ‏والمضمون الذي يقود لانتخابات جديدة وتغيير قيادتها ولاسيما الأحزاب الكبيرة الرئيسية ‏كالمؤتمر والإصلاح والاشتراكي وينطوي ذلك على كل الأحزاب في اليمن وغيرها سواء تلك ‏سوا تلك التي تصنف بالتوجه الإسلامي واليسارية وتلك التي تسمى نفسها العلمانية والليبرالية ‏وعليها أن تتخلص من مفهومها الخاطئ القديم لقيادة الزعامة التقليدية القبلية و الدينية ‏والسياسية , وان تؤمن بالانتخابات والاقتراع السري والتنافس على المناصب القيادية للحزب ‏وان لا تحتكر تلك المناصب على شخصية واحدة أو حلقة معينة.‏

والأحرى بأن نقتدي بهذه الثقافة والقيم. فالمؤتمر ‏fرغم قدمه النسبي في المشهد السياسي إلا ‏أن الشارع اليمني غدا يقرنْهُ بفشل الفترة السابقة ما لم يجدد نفسه ويبعد عنه هذا الانطباع. وفي ‏الغرب عندما يخسر أي حزب السلطة يبادر ذاتيا بتغيير قيادته حتى يلجُ لمرحلة جديدة وواقع ‏مغاير وهذه من نواميس الحياة التدوير والإحلال وليس في ذلك عيبا أو نقصا لشخصا أو ‏لمجموعة بقدر ماهو تقويته بدماء جديدة لم تتورط في مهاترات وحساسيات وهو في نهاية ‏المطاف لمصلحة الحزب نفسه. أما لماذا التركيز على المؤتمر فالجواب لأنه من أهم واكبر ‏الأحزاب ومن جهة ثانية بيدة عقدة الحل والخلافات في أن واحد بمعنى أن قضية (الشخصنة) ‏قد علقت بالذهنية السياسية اليمنية بصورتها الايجابية أو عكس ذلك. وبداهة فأن الأفضل هو ‏تغيير تلك القيادات لتجديدها وتطورها. وهذا سيحسب له أكثر مما هى ضده وقد تحجم ‏الأحزاب الأخرى في المشهد السياسي كي تحذو حذوه. فقد أثبتت الوقائع لليمن وغيره بأن ‏تمجيد الشخصية سواء لحزب أو لرئيس لايُعد من أبجديات الديمقراطية!‏

ويعتقد بأن أساب تعثر مآلات الربيع العربي هو التيه والمراوحة بين ثقافة التغيير وثقافة ‏التبرير وفي رصد أولي لأغلب الأحزاب سواء في السلطة أو المعارضة لا تتضمن أدبياتها ‏ثقافة المراجعة والنقد الذاتي والاعتذار بينما هناك أمثلة مغايرة فحزب السلامة التركي برئاسة ‏الراحل (نجم الدين اربكان) لولا نقد نفسه والتجديد المستمر خلال مراحل حظر وتحول في ‏المسميات فقد تطور وتلاءم مع المستجدات ليظهر بالصورة التي هي عليه اليوم والانسحاب ‏من الحياة السياسية في نهاية المطاف ولولا كل ذلك لما خلده حزبه وغدا الأب الروحي ‏لأنصاره وقواعده الذين أسسوا حزب جديد هو حزب العدالة والتنمية الذي هو امتداد (لسلامات ‏بارتي) الذي غدا بقيادة رجب اردغان فلو تمسك بقيادة الحزب لما جدد الحزب نفسه وقاد ‏التحولات في تركيا في نحو عشر سنوات وزاد دخل الفرد فيها خلال تلك الفترة القصيرة ثلاثة ‏أضعاف وصار معدلات النمو أكثر من بعض بلدان اوروبا ذاتها وغدت مثالاً يحُتذى. وهو ‏الأمر نفسه في أطراف القارة الأسيوية فمهاتير محمد استقال من حزبه وعن السلطة وهو في عز ‏مجده بعد أن قاد التحولات العظيمة في بلاده من مجتمع زراعي إلى صناعات متكاملة ومن ‏اقوي الاقتصاديات في جنوب شرق أسيا. وغدا إيقونة للتضحية والإيثار تتهافت عليه الجامعات ‏والمؤسسات العلمية لتستفيد من خبرته ونصائحه. وفي قفزة جغرافية لأقصى طرف القارة ‏الأفريقية الإفريقية تنازل (مانديلا) وهو في أوج شعبيته المحلية والعالمية من كل سلطاته ‏السياسية والحزبية بمحض إرادته. وهو الذي حول مجرى تاريخ الفصل العنصري السئ ‏الصيت.‏

وأجمالا فلو أدرك الناصحون والمستشارون للرئيس السابق وقرأه ما حوله من نماذج واستقال ‏مع شريكة في صنع الوحدة حينها لخلدهم التاريخ وجاءت محطات أخرى كانت فرصة للتقييم ‏والنقد الذاتي وذلك بعد حرب 94 وأخير فرصة انتخابات 2006 وإتاحة الفرصة لابن شملان ‏المدني البسيط من تسلم قيادة مدنية. لكان لليمن منحى آخر ولم يكن اليوم على كف عفريت ‏تتجاذبه المحن وتعصف به مشاكل لا تنتهي جعلت الكثيرون يكفرون بمفردات الوحدة ‏والجمهورية والديمقراطية. بحيث غدت نصوص خالية من مضمونها. فمتى يدركون مدى ‏خطورة وحساسية المرحلة فقادة الأحزاب أنفسهم ليسوا معصومين وبالتالي ليسوا أهم من ‏أحزابهم وهو الشئ نفسه في نهاية المطاف فأن اليمن فوق كل تلك الأحزاب!‏

زر الذهاب إلى الأعلى