[esi views ttl="1"]
آراءأرشيف الرأيالفكر والرأي

رؤية مختلفة للغاضبين من الجيش المصري

(ليس من الضروري أن تكون عميلاً لكي تخدم عدوك ، يكفي أن تكون غبياً - الإمام الغزالي).

تنطلق هذه الرؤية المغايرة من أن الأزمات الداخلية والانسداد السياسي كان وما زال محركهما الرئيسي هو الاستهداف الخارجي وعامل الصراع العربي الإسرائيلي. كما تنطلق من تفهم كامل للرأي المؤيد للرئيس السابق محمد مرسي وجماعة الإخوان ولكافة المبررات المنطقية الرافضة للإجراءات التي اتخذها الجيش المصري بعد 30 يونيو. وكاتب هذه السطور لم يكن يتردد لحظة في انتقاد تلك الإجراءات وما رافقها من حملات تحريضية وأعمال قمع. وإنما بعد النظر إلى الصورة من جوانب مختلفة في أنحاء الوطن العربي، أرى أن أموراً هامة يجب الوقوف معها، دون تحامل أو تخوين لأحد. والجيش المصري ليس ضد الإسلام ولا ضد جماعة الإخوان المسلمين ولا ضد الديمقراطية كمبدأ. ولكن تعالوا لتفكيك اللعبة، وفق هذه الرؤية التي نفهمها من خلال النظر العميق في الأحداث ببقية البلدان العربية التي سقطت أو توشك على السقوط:

1 - يخرج المتظاهرون لإسقاط الرئيس محمد حسني مبارك، يتدخل الجيش قبل أن تتدخل الدول ويزيح الرئيس مبارك. لأن مستنقع التدخلات الدولية هو الخط الأحمر.

2 - يستجيب الجيش المصري لمطالب الشعب بالديمقراطية وتتم عملية ديمقراطية نزيهة تصعد برئيس من جماعة الإخوان المسلمين إلى الرئاسة. هذا الرئيس منتخب من 13 مليون مصري فاز على منافسه الحاصل على 12 مليون مصري.

3 - تبدأ المنظمات الأجنبية، الأمريكية على وجه الخصوص، بالتعاون مع أطراف ومنظمات محلية أغلبها غير مدرك لطبيعة اللعبة، بالإعداد لإسقاط الرئيس المنتخب عن طريق التنسيق والتحريض والتهيئة السياسية والإعلامية، وصولاً لإخراج مئات الآلاف من الجماهير التي انتخبت منافسه ومن الشخصيات الغاضبة منه. ولن ترضى بأقل من "إسقاطه"!

4 - ثم ماذا؟ يتواجه أنصار الفريقين، أو يسقط الرئيس، فيصعد رئيس جديد منتخب فيخرج أنصار الرئيس السابق لإسقاط الحالي اللاحق!!

***
هنا يبدو أن الجيش المصري أدرك خطورة اللعبة وأن مصر ستدور في حلقة مفرغة إلى أن تسقط الدولة، وتتحارب الطوائف وتبتلع إسرائيل مصر. وهاهو اليمن يكاد أن يسقط أو أجزاء منه في أيدي الاحتلال الأجنبي دون إطلاق رصاصة واحدة، ويتم تقسيمه ب"الأقلمة" بموافقة جميع الأحزاب والقوى السياسية! وهذا كله على هامش محاولة الشعب إيجاد طريق إلى الحرية وعلى إثر محاولته إخراج الفاسدين من السلطة.

ليبيا تُقسم. سوريا مدمرة. فنحن لا نتحدث عن مؤامرة غيبية!

إذن؛ اللعبة أكبر، والجيش المصري أمام عدة خيارات: الأول: أن يحافظ على الرئيس الحالي. (مرسي). الثاني: أن يقف محايداً ويقترب من الشارع دون تدخل مباشر حفاظاً على الديمقراطية. وبهذه الطريقة تستمر اللعبة. الثالث: أن يدعم المعارضة الحالية لإسقاط الرئيس الحالي، ثم يسقط الجميع ويطلعهم على اللعبة.

الخيار الأول: لا فائدة منه، لأن الرئيس يستمع لشائعات زرعتها المخابرات الأجنبية تجعله يتعامل مع العسكريين تعامل الأنداد بين مدني وعسكر. ولأن الرئيس ينتمي لجماعة الإخوان المسلمين القوية وبالتالي لا يأخذ قراراته منفرداً وبناء عليه قد يقع الرئيس ببعض الأفخاخ دون أن يعلم. وقد جربه العسكر وطرحوا عليه بعض المقترحات فرفض. ثم إن حجم الرافضين من القوى الغاضبة من الإخوان ليست قليلة، والتحدي الكبير يحتاج للجميع.

الخيار الثاني: إذا استمرت اللعبة الديمقراطية بهذه الطريقة، كل عام يخرجون لإسقاط رئيس، وكل رئيس يأتي للاطلاع على أسرار الدولة ثم يسقط، مصر تخسر عشرات المليارات وتكون بهذه الطريقة كتاباً مفتوحاً للمنظمات وعناصر الاستخبارات الدولية التي تصنع الشقاق وتبعث خصوصيات وأحلام الأقليات والمشاريع الصغيرة من مراقدها..

الخيار الثالث: باعتبار الاستهداف الخارجي أمر مؤكد، وما يعززه التدخلات في اليمن، إذن فإن هذه المرحلة هي مرحلة عسكرية ويجب أن يمسك الجيش بزمام الأمور ويغلق البلاد على جميع التدخلات ويعيد جهاز الشرطة لضبط الشارع، وذلك إلى حين يتم تفصيل ديمقراطية وطنية لا تتيح لإسرائيل وأمريكا النفوذ من خلال ثغراتها لتدمير مصر.

*
ولهذا السبب، حسب هذه الرؤية - أجمعت قيادات الجيش المصري على خط واحد، ولم تحدث انشقاقات أو خلافات، لأنها تعرف اللعبة كاملة.

الإخوان تيار وطني تنقصه النظرة بعيدة المدى وفهم الألاعيب الاستراتيجية، وقد أثبتت الأيام أنهم وقفوا وقفات خاطئة عديدة عليهم مراجعتها.

أقول هذا وأنا كتبت العديد من المقالات ضد "الانقلاب".. ولكنني اليوم بعد أن تأكد لي أن اليمن مهدد بالتقسيم بموافقة جميع الأحزاب وتحت التهديد والترغيب الغربي المباشر. أيقنت أن التدخل الدولي هو آفة البلدان، وأن الحل الممكن في اليمن هو العودة لاصطفاف وطني ولو بحكم عسكري يضبط مرحلة اللاوطنية والانفلات اللامسؤول ويقود البلاد كلها باتجاه واحد وصارم لإنقاذها من مستنقع الانقسام. وقد أثبتت "الأحزاب الثورية " في اليمن (كغيرها) أنها وقعت على الفدرالية التي ستقسم اليمن إلى الأقاليم، لكل إقليم دستور وحكومة وبرلمان وقضاء مستقل. أي أن كل إقليم دولة، في حين لا وجود لدولة اتحادية يقولون انها ستنتج عن اتحاد هذه الأقاليم أو الدويلات، التي سوف ينشئونها!!

وذلك معناه أن الصراع والانقسام في مصر إذا استمر، فلن يكون بإمكان جماعة الإخوان أن تنقذ الوحدة بعد سقوط مؤسسة الدولة، فماذا فعل أصحابهم في اليمن لمواجهة أطروحات الأقلمة؟ وهذا يجعل ما قام الجيش المصري هو أهم عمل وطني لإنقاذ مصر. وهو لم يغضب الإخوان فقط (وكان عليهم ألا يغضبوا)، بل أغضب العملاء أيضاً، وإن كان بعضهم لم يستطيع الصراخ حتى اللحظة. والحل في مصر أن تستمر القبضة العسكرية حتى تصل المنطقة إلى طريق آمن.

من لا يعرف ماذا يعني سقوط الدولة فلينظر إلى الصومال والعراق وليذهب إلى المناطق التي تسيطر فيها الجماعات اللاوطنية، ونقصد هنا: الجماعات الانفصالية أو المذهبية التي لا تعترف بالوطن كتلة واحدة.

لقد سقطت أغلب البلدان العربية الهامة وبعضها على وشك السقوط، من العراق إلى السودان إلى الصومال إلى سوريا.. واليمن تحت الوصاية ومهدد التقسيم لو لم يتنبه الشعب ويقلب الطاولة. وكثير من الدول العربية الصغيرة هي مجرد خلايا نائمة يمكن أن يتم الانقلاب على حكوماتها الشكلية في أية لحظة وباتصال هاتفي. وبالتالي فلم يبق من دول عربية قوية غير السعودية ومصر. وعليهما أن تنتبهان إلى ما يحدث في اليمن قبل أن يكون البوابة الجنوبية لاستهداف السعودية في حال تم أقلمته وتقسيمه واحتلال أجزاء منه من قبل أمريكا وإيران وشركائهما. فالتقسيم مشروع ولن يستثني أحداً.

إن المتفكر في أزمة اليمن يلاحظ صمت النخب السياسية عن أمور في غاية الحساسية، فهي تتعرض لما يشبه تدمير الدولة على نار هادئة.. لقد تم مصادرة المبادرة الخليجية لصالح "ملحق تنفيذي" بهذه المبادرة وضعت فيه القوى الأجنبية سمومها من خلال إحالة تقرير مصير اليمن إلى حوار "مشبوه" يحول الأزمة من سلطة ومعارضة وثورة ونظام لتصبح على أساس "شمال" و"جنوب". واليوم لم تعد القوى السياسية تتردد في التبشير ب"اليمن المختلف"، بعد تفكيك الدولة البسيطة إلى أقاليم مستقلة ذاتياً تتوحد بعد ذلك شكلياً في دستور "الدولة الاتحادية الموعودة"!

بما أن هذا هو الواقع في اليمن؛ فإن الأفضل لمصر أن تسد الطرق على جميع أنواع التدخل الخارجي، الغربي على وجه التجديد، حتى وإن لم تكن الأسباب هذه هي الدافع للاجراءات التي قام بها الجيش. لكن الاستهداف الخارجي لمصر مؤكد. ومن المؤكد أيضاً أن أهم ما يجب أن يتم لسد الطرق هو المصالحة الوطنية وترميم الجراح وعدم الاستمرار في "شيطنة" البعض. حتى لا يجد الخارج منفذاً لزرع الشقاق واستثمار الأخطاء.
عاشت مصر. عاش اليمن . وعاشت الأمة العربية والإسلامية.

زر الذهاب إلى الأعلى