[esi views ttl="1"]
أرشيف الرأي

غموض وأهداف غير معلنة للضربة الغربية المتوقعة على سوريا

من الواضح أن الولايات المتحدة وحلفاءها قد حسموا أمرهم بشأن توجيه ضربة عسكرية لنظام الأسد ، والتي سيتم تنفيذها خلال خمسة أو سبعة أيام على الأرجح ،لكن من غير الواضح حجم الضربة التي ستتم والمدة التي ستستغرقها والأهداف التي سيتم تدميرها هل ستكون عسكرية محضة أم ستطال مواقع رئاسية ومنشآت اقتصادية وبنية تحتية ؟ غموض وشكوك : هناك نقاط غامضة فيما يتعلق بالتطورات الأخيرة في سوريا، وهو غموض يثير الكثير من الشكوك حول حقيقة ما يجري وما يروج له في وسائل الإعلام المختلفة، ومن ذلك التالي:-

1- الحماس المفاجئ الذي طرأ على موقف الولايات المتحدة وحلفاءها من الوضع المأساوي في سوريا، فبعد تلكؤ وتردد اتسم به موقف واشنطن وغالبية حلفاءها من الثورة السورية المستمرة منذ ما يقارب العامين والنصف ، أبدت واشنطن وحلفاءها خلال الأيام الماضية إصرارا مفاجئا للتحرك ضد نظام الأسد تحت ذريعة استخدامه السلاح الكيماوي في منطقة الغوطة الشرقية بريف دمشق. -صحيح ان وقوع مثل هذه المجزرة البشعة يعتبر سببا كافياً للغضب الغربي من نظام الأسد ومبرراً للتحرك ضده، لكن الغريب في الأمر ان تلك الدول ظلت على موقفها المتخاذل مما يحدث في سوريا ،ولم تتحرك رغم سقوط أكثر من 115 الف مدني سوري وحدوث عشرات المجازر الدموية، التي ارتكبتها قوات الأسد والميليشيات الشيعية المساندة له واستخدام في 14 حادثة السلاح الكيماوي قبل مجزرة الغوطة حسب تقرير للجنة بريطانية ،مما جعل من الصعوبة التصديق أن التحرك الغربي الراهن نابع من دوافع أخلاقية وإنسانية.

2- القمع الشديد الذي انتهجه نظام الأسد ضد معارضيه والمجازر العديدة التي ارتكبتها قواته ، يجعل من ارتكابه مجزرة الغوطة امرأ غير متوقعاً، الا أن القراءة الواقعية للإحداث تؤكد خلاف ذلك باعتباره الأكثر تضررا من وقوع المجزرة، فالوضع الميداني لقوات النظام إلى ما قبل المجزرة كان قد تحسن كثيرا عما كان عليه قبل عام باعتراف رئيس الوزراء البريطاني نفسه أمام مجلس العموم قبل نحو شهرين ،ولم يؤد ارتكاب المجزرة إلى تحقيق مكاسب ميدانية جديدة لقوات الأسد .

كما أن المجزرة وقعت خلال زيارة وفد من مفتشي الأمم المتحدة إلى سوريا بعد تراجع النظام عن رفضه المتكرر السماح للمفتشين الدوليين بزيارة سوريا، ومن ثم ليس من المنطق أن يرتكب المجزرة في وقت يتواجد فيه المفتشين على أراضيه، كما أنها تسببت في أثارة غضب غالبية الدول ضده .

يبدو ان طول أمد الصراع في سوريا قد أنهك النظام وأثر سلباً على مستوى التنسيق والتواصل بين قياداته،خاصة أنه في مثل هذه الأوضاع تكون هناك في الغالب صعوبات لدى النظام في التواصل المباشر مع قياداته العسكرية الميدانية ،التي ربما كانت وراء إطلاق الكيماوي في الغوطة دون الحصول على موافقة مباشرة من القيادة السياسية للنظام .

أو أن النظام بدأ يعاني من صراع داخله بين تيار يتزعمه ماهر الاسد يريد حسم المعركة مع المعارضة بكل الوسائل الممكنة بما فيها استخدام الكيماوي ودون الالتفات إلى حجم الخسائر البشرية الناجمة عن ذلك ،وتيار آخر يقوده بشار والقيادات السياسية الأخرى يريد الحسم دون اللجوء إلى الكيماوي الا عند الضرورة القصوى تجنباً لإثارة غضب المجتمع الدولي.

كما لايستبعد في مثل هذا الوضع فرضية نجاح أجهزة استخباراتية دولية في اختراق النظام ،وتجنيد عملاء لها داخل الجيش السوري كما حصل من قبل لجيش صدام حسين ،ومن ثم أوعزت تلك الاجهزة لعملائها استخدام الكيماوي في الغوطة بعد أن رأت أن الوقت قد حان للتدخل في سوريا.

3- التحول الجوهري في الموقف الروسي ، والذي ظهر في كلام وزير الخارجية سيرغي لافروف، بقوله ان روسيا لن تتدخل مع أي طرف، ما يؤشر إلى تراجع روسيا عن موقفها الداعم لنظام الأسد وبصورة تعيد إلى الأذهان تخلي روسيا عن حلفاءها في العراق وصربيا في اللحظات الأخيرة من تدخل واشنطن وحلفاءها ضد نظامي صدام ومليسوفيتش .

الغريب في الموقف الروسي ان التخلي عن الأسد جاء في وقت نجحت قواته والميليشيات الشيعية المساندة له في الأشهر الأخيرة في استعادة زمام المبادرة وتحقيق تقدم ميداني ضد قوات المعارضة، ،ما يرجح توصل روسيا وبدرجة تالية الصين مع الولايات المتحدة وحلفاءها لصفقة غير معلنة تضمن بموجبها موسكو وبكين مصالحهما في سوريا والمنطقة مقابل التخلي عن دعم نظام الأسد .

4-تقديم بريطانيا مسودة قرار جديد إلى مجلس الأمن الدولي ضد النظام السوري يقضي بمنح حق التدخل الدولي لحماية المدنيين في سوريا، قد يبدو غريباً مع إدراك لندن ان روسيا والصين ستقفان بالمرصاد ضد تمرير هذا القرار في المجلس كما عملتا سابقا باستخدامهما حق النقض (الفيتو) أكثر من مرة لإفشال قرارات سابقة ضد نظام الأسد.

المرجح ان هذا الخطوة البريطانية لم تكن عشوائية وجائت بالتنسيق مع الدول الأخرى بما فيها روسيا والصين والهدف منها تحقيق أمرين هما:-

الأول: إضعاف الأصوات المعارضة داخل برلمانات بريطانيا وفرنسا والولايات المتحدة الرافضة لاستخدام القوة في سوريا خارج أطار مجلس الأمن، إضافة إلى الحد من الأصوات الرافضة للحرب لدى الرأي العام في تلك الدول، من خلال محاولة الظهور أنها لم تذهب مباشرة إلى العمل العسكري رغم وقوع مجزرة الغوطة وإنما ذهبت مجدداً إلى مجلس الأمن رغم إدراكها استحالة تجاوز عقبة روسيا والصين لمنح شرعية دولية للتحرك، ضد الأسد ب،لكنها وجدت نفسها مضطرة للتحرك خارج أطار الأمم المتحدة كخيار أخير لجأت إليه و لدواعي إنسانية.

الثاني: حفظ ماء الوجه لكل من روسيا والصين، والحد من أي اتهامات لهما بالتخلي عن حلفائهما أو بإبرام صفقة مع واشنطن وحلفاءها ، حيث ان وقوف موسكو وبكين ضد المشروع البريطاني الأخيرة سيظهر استمرار دعم الدولتين للأسد، وسيحد من أي انتقادات متوقعة لهما جراء عدم التحرك لمساندة الأسد في مواجهة الضربة العسكرية.

رغم ان نظام الأسد يعتبر واحد من أهم حلفاء روسيا في المنطقة خاصة مع امتلاك روسيا لقاعدة عسكرية في ميناء طرطوس السوري، ومع ذلك فان تخلي روسيا عن حليفها الأسد امراً غير مستبعد تماماً بعد تخليها السابق عن نظام صدام، الذي كانت أهميته خاصة الاقتصادية تفوق أهمية نظام الأسد لها ، إضافة إلى ان موسكو تراجعت حتى يومنا هذا عن تنفيذ بنود صفقة صواريخ أسس 300 الحديثة للنظام السوري رغم مرور عدة سنوات على إبرامها و إدراكها الحاجة الماسة لنظام الأسد لتلك التقنية، كونها ستمكنه من التصدي لأي هجمات جوية سواء بالصواريخ البعيدة المدى أو بالمقاتلات الحربية.

5-تراجع روسيا عن مد سوريا بالصواريخ جاء رضوخاً للضغوط الإسرائيلية، وليس خافيا قوة العلاقات بين موسكو وتل ابيب خاصة مع وجود أكثر من مليون يهودي من أصول روسية في إسرائيل، إضافة إلى التعاون العسكري المتميز بين البلدين سيما مع حقيقة كون إسرائيل ثاني دولة على مستوى العالم بعد الولايات المتحدة مصنعة لطائرات من دون طيار، وهي من يزود روسيا بتلك التقنية المتطورة.

6-يثير الاهتمام الغربي بالوضع في سوريا بعد أيام قلائل من التطورات الدراماتيكية الأخيرة في مصر، الشكوك لدى بعض المحللين السياسيين في ان الغرب أراد الحد من حالة الغضب الشديدة لدى جماعة الأخوان المسلمين في دول المنطقة من الموقف الغربي من إحداث مصر، ومحاولة تعويضهم عن خسارتهم للحكم في مصر بإيصالهم إلى الحكم في سوريا، وذلك لتفادي خسارة الجماعة والتيارات الإسلامية السياسية تماماً وإبقاء قنوات تواصل معها مستقبلاً.

7-الشكوك بشأن الهدف الحقيقي من عودة اهتمام واشنطن بملف مفاوضات السلام، حيث نجح وزير الخارجية الأمريكي جون كيري قبل عدة أسابيع في إقناع حكومة نتنياهو والسلطة الفلسطينية في استئناف المفاوضات بينهما بعد توقفها منذ عدة سنوات رغم ان الإسرائيليين استمروا في نشاطهم الاستيطاني، ولم يطرأ تحول جوهري يمكن ان يبرر قبول ابومازن العودة للمفاوضات ، ولا اخفيكم سرا مقدار القلق الذي يساورني في كل مرة يتم فيها إحياء المفاوضات العبثية ،التي لا يتمخض عنها سوى الوهم والخداع، ويتوازى مع تلك المفاوضان حصول كارثة في المنطقة.

غالباً ما تلجأ واشنطن إلى تحريك ملف السلام لتخفيف الضغط على الأنظمة العربية المتحالفة معها في المنطقة أمام شعوبها جراء مشاركتها أو دعمها وتمويلها لتحرك عسكري ضد إحدى الدول العربية، فجاء التحضير مثلا لإطلاق مؤتمر مدريد للسلام عام 1992 عقب ضرب العراق وإرسال قوات أمريكية غربية إلى منطقة الخليج، و تم تحريك مفاوضات السلام قبل غزو العراق العام 2003، و أيضا قبل العدوان الإسرائيلي على لبنان العام 2006 وهكذا. تفسيرات مختلفة : - التحرك الغربي ضد نظام الأسد بعد مضي عامين ونصف على الثورة السورية يمكن تفسير على أنه:

أ- اقتناع الغرب ان حجم الدمار الهائل الذي لحق بسوريا على مختلف المستويات قد أعادها عقود من الزمان إلى الوراء، وأنها تحتاج إلى وقت طويل للعودة إلى ما كانت عليه قبل الثورة.

ب- ان إسقاط نظام الأسد وإيصال قوى المعارضة الضعيفة، والتي تعاني من كثرة انقساماتها وتبايناتها من شانه أن يؤدي إلى تفكك الدولة السورية أو على الأقل وجود كيان هش يحوى دويلات صغيرة متصارعة.

ج- جاء التحرك الغربي بعد ان تمكنت الجماعات المتشددة الموالية للقاعدة كجماعة النصرة في أيجاد موطئ قدم لها داخل سوريا، ومن ثم فان وجود مثل تلك الجماعات يوفر ذريعة للولايات المتحدة وحلفاءها للضغط على النظام السوري الجديد إذا ما تم إسقاط الأسد لتوقيع اتفاقية أمنية معه لضمان منح أجهزة مخابراتها وطائراتها حرية الحركة داخل سوريا.

د-إسقاط نظام الأسد وإيصال جماعات سنية إلى الحكم في سوريا، يضمن معه الغرب استمرار الانقسامات والخلافات فيما بين الدول العربية الرئيسية، فالنظام الجديد في سوريا يفترض ان يكون على خلاف مع النظام العراقي بسبب سيطرة الشيعة عليه، إضافة إلى دعمه القوى للنظام الأسد، كما ان نظام دمشق السني سيكون على خلاف مع النظام المصري، الذي اسقط حكم الأخوان هناك.

مابعد التأديب : -تأكيد زعماء بريطانيا وفرنسا والولايات المتحدة أنهم لا يريدون من تحركهم المزمع في سوريا إسقاط نظام الأسد بل يريدون تأديبه، معناه ان الهدف من الضربة المتوقعة تدمير مكامن قوة الجيش السوري،وما تبقى له من إمكانيات بصورة تضعف قدرته على حسم المعركة مع قوات المعارضة ، وتستمر معه سوريا كميدان نشط لصراع مذهبي دامي لسنوات عديدة - مع التراجع المتوقع في قدرة نظام الأسد لإحكام السيطرة على كثير من المناطق السورية بما فيها حدوده مع لبنان بعد الضربة الغربية المتوقعة ،فأن الجماعات الجهادية ستعمد في الغالب إلى توسيع رقعة المواجهات المذهبية إلى معاقل حزب الله في الجنوب ولبنان عموماً ،وفي موازاة هذه الأحداث الميدانية ستسعى القوى الغربية لتحريك المسار السياسي للحيلولة دون سقوط نظام الاسد تماما -من أجل ضمان احتفاظ العلويين بجزء من السلطة في سوريا ،بصورة تساعد الجماعات الشيعية على مواصلة حربها ضد الجماعات التكفيرية لأطول فترة ممكنة -وذلك بالضغط على النظام والمعارضة المنهكين للمشاركة في مؤتمر جنيف - 2 من اجل التوصل إلى اتفاق سلام يؤسس لمرحلة من السلام الهش بين مختلف القوى السورية المتناحرة ،واستنساخ نموذج مقارب للنموذج المطبق في العراق.

لا خلاف ان الرغبة في التغيير والانعتاق من ظلم الانظمة الاستبدادية والشمولية وتحسين الظروف الاقتصادية كانت الوقود الرئيسي لثورات الربيع العربي ،لكن الاحداث الاخيرة في مصر وتونس وانزلاق سوريا في حرب مذهبية، تكشف عن دخول أجهزة مخابرات إقليمية ودولية على خط تلك الثورات بهدف حرفها عن مسارها الطبيعي بما يؤدي إلى ضرب استقرار تلك الدول كخطوة لإعادة رسم المنطقة جذرياً يتم فيه تفتيت المفتت وتجزئة المجزأ في الطريق لإقامة دولة إسرائيل الكبرى.

هذا الطرح لم يعد خيالياً بعد ان وصلت أهم دولتين عربيتين "مصر ، سوريا" في مواجهة إسرائيل إلى حالة من عدم الاستقرار غير المسبوقة في تاريخ الدوليتين وقبل ذلك تم التخلص من قوة العراق، وتقسيم السودان وغير ذلك.

[email protected]

زر الذهاب إلى الأعلى