[esi views ttl="1"]
أرشيف الرأي

رهانات متداخلة.. أم توافق مؤمل؟

قدر لهذا الشعب أن يكون ضحية لمغامرات ساسته فنحو نصف قرن واليمنيون يبحثون عن هويتهم ، هاهم يتخبطون بين شكل الحكم وشكل الدولة و(بقرة بني إسرائيل) بعد تفرقت أيدي سبأ ، ودون التعمق في مضمون المعاني ، ذلك ان تجارب عقود مضت دلت بأن شعبنا لم يحظ سوى بالمسميات دون المضمون فلا يطبق روح القانون ، ولا الدستور يحترم ، فكيف يُراد أن يتعاملوا مع أوضاع الفدرالية الجديدة بعد وأد الوحدة من عامها وعرجت بأمال الجماهير في هكذا حلم لان صانعي الوحدة دخلوها بروح اقصائية مفضوحة.

وبعد نصف عام من الحوار ومحاولة حشر تركة ثلث قرن من الفساد المطلق في بضعة اشهر سيلد بداهة تشريعات ملغومة مفروضة ولن يدرك اليمانيون تبعاتها إلا في مستقبل الأيام .

وعلى ايقاع تسريبات غير رسمية حول شكل الدولة المستقبلية ولاسيما في ظل تطور الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي غدا المواطن يتابع كل شاردة وواردة فيما يجري داخل أسوار (الموفمبيك) فالضبابية المتعمدة والخطط المتناقضة في المشهد السياسي اليمني اليوم المتزامنة مع تداعيات أمنية وحالة متفاقمة من تردي الخدمات والوضع الاقتصادي إجمالا يزيد من هموم المواطن والمتابع الذي غدا ينظر للمستقبل بشك وحيرة كاملتين، فجيلنا يعيش سلسلة من المحن والمأسي منذ أكثر من نصف قرن واليمن حقل تجارب في شماله وجنوبه لم تفض الا لتصفيات وتسابق نحو السلطة فبأس الكرسي الذليل ، الأكثر إيلاما بأن من قدر لهم ان يتقلدوا مصير هذا البلد لازالوا يعبثون في الوقت الضائع ، لقد جثم النظام السابق أكثر من ثلاثة عقود من العبث وتفكيك الدولة والمنظومة الاجتماعية والحكم المطلق وهو الأمر الذي جعل حلم التحول اليوم أكثر صعوبة ليس فقط لثقل التركة التي تكبدها الحاكم والمحكوم اليوم بل لان نفس أدوات الحكم السابق لازالت تعبث بمقدرات رسم ملامح المستقبل.

بقراه سريعة للمشهد اليمني فيما يتعلق الأمر بمآلات مخرجات الحوار الذي ما أن وصل إلى غاياته الأساسية حول معالجة القضية الجنوبية حتى تعثر أمام جدل عقيم وشروط تعجيزية أقرب ما توصف بأنها اختلاق ذرائع واهية لا تعكس حسا وطنيا ومسؤولية تاريخية.

ومع أن الرؤى للمتحاورين لمكونات الطيف السياسي ولاسيما اللجنة الخاصة بالقضية الجنوبية قد اتفقوا على خطوط عريضة فيما يتعلق بشكل الدولة المستقبلية التي سيتضمنها الدستور إلى جانب مواضيع تشريعية هامة إلا أنهم وبعد أيام من النهاية المفترضة والمحددة للحوار سلفا وقفوا مكتوفي الأيدي متخندقين ضد بعضهم مع ان جوهر حواراتهم اختلفت فقط في التفاصيل وهذه ليست إشكالية فكل المفاوضات في تاريخ المجتمعات لا تتم إلا بتقديم تنازلات فالأحرى بهؤلاء وسيما من يدعون أنفسهم بتمثيل المحافظات الجنوبية إدراك خطورة المرحلة وبأنهم يسعون لتخطيط مستقبل وطن بأكملة مهما كانت التباينات فالاصل هو اليمن وليس مفردات الحوار التي قد نختلف عنها . وهو الأمر من وجهة نظر الدول الراعية والتي لاشك ترنو لنهاية سعيدة بحل توافقي ومن هنا تواردت تسريبات بإجراء صارم ضد من يضع العراقيل لهذا الحوار ولاسيما في مواضيعه المصيرية، صحيح إن القرار اليمني الصرف لا يأتي إلا من قناعة بخطورة الوضع ولكن ربما للتدخلات الخارجية حسناتها في هذه الحالة فلو ترك الأمر لليمنيين لاتجهت أزمة اليمن لمآلات أخرى وربما انزلقت للمحظور في مجتمع قبلي مدجج بالسلاح ينطلق من أحقاد بين المكونات السياسية الذين كانوا بالأمس شركاء في العبث بهذا الوطن الذي ذهب ضحية أنانية الكرسي الذليل.

لقد قيل الكثير وكُتبت ونشر عشرات المقالات عن هموم وآمال الأمة بعد تداعيات الربيع العربي في نسخته اليمنية من مقالة عن الحوار وعن مخرجاته فيما يتعلق الأمر بالجدل الدائر حول الفدرالية ، وشخصيا لا أتوقع مستقبلا مفروشا بالورود في يمن فدرالي ببساطة لظروف ذاتية وموضوعية فثقافتنا اقصائية لا تفرق بين الحكومة ومناصبها وبين مصير الدولة ككيان كبير دائم ، فالفدرالية لها التزامات مالية قد لا يستوعبها اقتصادنا المنهار ومزاج الشعب قد لا يتناغم مع تلك التشريعات والمسميات.

يرى الدكتور محمد جابر الأنصاري بأن الأمة العربية بل وحتى البلدان العربية موحدة في معنوياتها على صعيد القيم والمشاعر الثقافية لكنها امة مجزأة في مادياتها على صعيد القاعدة التواصلية الجغرافية الاقتصادية المؤسسية ، وبالفعل فهذا يظهر جليا في بعض بلدان الربيع خصوصاً لأنه ببساطة انكشف الغطاء ، وإلا فالعرب كلهم من طينة واحدة لاعتبارات ثقافية واقتصادية ونحو ذلك .. فاليمن تتضح تلك المؤشرات بكل قبحها في العقود الأخيرة منذ توحيد اليمن وإقرار التعددية الحزبية التي اذكت النعرات الإقليمية والسلالية في أبشع صورها ، ببساطة أن التمدد السياسي وفق معايير غربية في مجتمع لم يستكمل بنيته الاقتصادية والسياسية فيظل تزايد استمرار الأمية والقهر والإقصاء الاجتماعي و السياسي فإن ذلك كان ضرره أكثر من نفعه ..

ولا ينبغي أن يتبجح من أتى بهذه الوحدة التي إعادة مجد القبيلة والحزبية الضيقة لمشايخ ونشرت الفساد المطلق ولعبت بعواطف الجماهير التي كفرت بوحدة دخلها كل طرف بحساباته الخاصة ويبيت النية للشريك الاخر وكل هم أطراف الوحدة الاستفراد بالتنكيل بشعبه ، وكله على حساب أمال الشعب في دولة النظام والقانون التي يتغنى بها المفسدون ليلا ونهارا والذين أصبحوا في عشية وضحايا ثواراً !

ويعتقد الكثيرون بأن الفدرالية ستكون عصا موسى في حل مشاكل الأمة في عشية وضحاها ، والحال انه طالما بقية النخبة الحاكمة نفسها وأطراف الفساد يتصارعون على المناصب فأن الصراع سيكون في الغد بين الأقاليم في أجزاء المجزاء فالحل عبر مؤتمر الحوار يجب أن يفضي لتوافق في إيجاد صيغة تشريعية بهوية يمنية تضمن اللامركزية ونظاما سياسيا برلمانيا ودولة مدنية تضمن تقليص نفوذ بعض القوى التقليدية ودور القبيلة . ومن هنا فالإشكال الأساسي في اليمن هو غياب الدولة المدنية ، دولة النظام والقانون والمواطنة المتساوية والعدل الذي هو أساس الحكم.

زر الذهاب إلى الأعلى