من الأرشيف

الراكب والمركوب والكامخ بينهما: فقه نظرية المؤامرة (3)

(في كبرنا نكتب بقلم رصاص لاننا تعلمنا ان الكتابة بالحبر ليس سهلا محوها)‏
حكمة من يريد تجنب الخطأ

ولكي نكمل ملاحظاتنا حول ليبيا فقد حمل الينا يوم 1-11-2013 اخبارا تقول بانه تم اعلان ‏فدرالية برقة المستقلة عن العاصمة وانها سوف تسخر مواردها لخدمة ابناء الفدرالية! واكد ‏الخبر بان بقية اجزاء ليبيا تستعد لاعلان نظامها الفدرالي مثل برقة وان الثروة الليبية سوف ‏توزع على هذه الفدراليات!

للاطلاع على الحلقات السابقة

وكي تكون الصورة متكاملة ونرى حجم وخطورة المؤامرة الاكبر ‏على الامة العربية بكافة اقطارها التي تنفذ امام عيوننا الان، لابد من التذكير بحادثة مرت ‏مرور الكرام بدون فهم هدفها الحقيقي وهي اغتيال اللواء عبدالفتاح يونس رئيس الاركان ‏الليبي الذي انشق عن القذافي وتعاون مع الاستعمار الممثل بالنيتو لاسقاطه، واصبح رئيس ‏اركان القوات التي تخوض القتال ضد القذافي، فقد قتل بخديعة دبرتها نفس العناصر التابعة ‏للنيتو وهي عناصر اسلاموية وعندما القي القبض عليها بعد ضغوط قبلية شديدة واجري ‏التحقيق اغتيل القاضي الذي عرف ملابسات الاغتيال لدفن القضية ومفاتيحها!‏

الا يذكركم اعلان برقة كيانا فدراليا واغتيال يونس باحداث اخرى مشابهة ولكن في العراق؟
في العراق وضع دستور صهيوني كتبه صهيوني أمريكي هو نوح فيلدمان، تنفيذا لخطة ‏مسبقة وضعت قبل غزو العراق من قبل (المحافظين الجدد)، وفي ذلك الدستور الذي مازال ‏معمولا به حتى الان فقرة تنص على ان الثروة لمن يعيش فوقها وليس للدولة كلها ولا لابناء ‏الوطن كلهم، فمثلا نفط البصرة لاهل البصرة والجنوب وليس لاهل الانبار أو الموصل، ‏والهدف كان تقديم رشا للناس البسطاء الذين جوعهم الاحتلال عمدا في محافظة ما ولو لفترة ‏قصيرة لجرهم إلى قبول تقسيم العراق طمعا في المال الذي سيحصلون عليه وحدهم نتيجة ‏حصر الثروة بهم وحرمان العاصمة وبقية العراق منها.‏

‏ وكان اول المطالبين بتطبيق تلك الفقرة عبدالعزيز الحكيم الإيراني الاصل وزعيم المجلس ‏الاعلى الذي اسسته المخابرات الإيرانية، أليس ما يحصل الان في ليبيا مطابقاً لما حصل في ‏العراق من زاوية لمن تعود الثروة والدور الخطير لذلك في اغراء البعض بقبول التقسيم وانهاء ‏الوطن الواحد؟ نعم انه تطابق وليس تشابه فقط، ولهذا التطابق في زمن واحد أو متقارب مغزى ‏كبير وواضح جدا وهو انه جزء من خطة عامة تطبق على كافة الاقطار العربية.‏

اما ما يذكرنا به موضوع اغتيال عبدالفتاح يونس فهو حل الجيش العراقي فور نجاح الغزو ‏بقرار مركزي من ادارة بوش الاحمق، فلقد حل الجيش وقوات الامن والشرطة وحلت محلهم ‏قوات الاحتلال والميليشيات المتعددة. فماذا حصل؟ فقد الامن كليا وتحول العراق إلى اسوأ من ‏غابة القتل والنهب والفساد والتلوث والجوع فيها حول الحياة إلى جحيم لا يطاق! وكان ذلك ‏الوضع هو ما خططت له أمريكا لان الاصل هو تقسيم الاقطار العربية بعد اهلاك الناس وابادة ‏الملايين وتشويه نفوس وحياة من يبقى حيا. فنظام يقوم على حكم الميليشيات والعصابات ‏وفرق الموت والنهب والاغتصاب هو خير اداة لتقسيم اي قطر أو بلد.‏

لكن ما حصل في العراق اجبر أمريكا من ناحية ونبهها من ناحية ثانية، فلقد اجبرت أمريكا ‏على تغيير خطتها لان هزيمتها امام المقاومة العراقية الباسلة وتحملها خسارة مالية تقدر ‏بحوالي 3 ترليون دولار اي اضعاف مضاعفة لخسائرها في كل حروبها الاستعمارية بما في ‏ذلك حرب فيتنام، اما الخسارة الكارثية الاخرى لأمريكا فكانت قتلاها وجرحاها والمعوقين فقد ‏بلغ عدد القتلى اكثر من خمسين الف قتيل أمريكي حسب منهم فقط اكثر من 4000 قتيل هم ‏قتلى الجيش الرسميين ولم يحسب المرتزقة وجنود الشركات الامنية ولا اولئك الذين زجوا في ‏الحرب قبل حصولهم على الجنسية الأمريكية وكشرط للحصول عليها، اما الجرحى والمعوقين ‏فقد تجاوز عددهم المليون معوق نفسيا أو جسديا طبقا لاحصاءات أمريكية، لان القوات كانت ‏تستبدل دوريا فوصل عدد من خدم في العراق إلى اكثر من مليون بكثير، فهل تكرر أمريكا في ‏ليبيا أو سوريا وغيرهما (كارثتها الستراتيجية الاعظم في التاريخ الأمريكي) كما وصفت ‏حرفيا مادلين اولبرايت، وزيرة خارجية أمريكا السابقة، هزيمة أمريكا في العراق؟ ام تتعض ‏وتبحث عن طريقة اخرى للوصول إلى نفس اهداف غزو العراق؟

كما ان ما حصل في العراق نبه العصابة الاجرامية التي تحكم أمريكا لمسألة مهمة فقد ‏حمّلت أمريكا والعصابة بشكل خاص مسؤولية ما حدث ويحدث في العراق من كوارث نتيجة ‏الانفلات الامني وسيطرة العصابات والحرامية والذي ماكان سيحصل لولا حل الجيش وقوات ‏الامن والغاء الوزارات العراقية بعد الغزو،، لذلك تصاعد النقد في الاعلام الأمريكي ‏والكونغرس لهذه الحالة وحمل الجمهوريون مسؤولية كل تلك الكوارث، لذلك تعلمت أمريكا ‏الدرس وقررت في عهد الديمقراطي باراك اوباما ان لا تحل الجيش الليبي – وكذلك الجيشين ‏السوري واليمني كما سنرى - بنفس الطريقة التي حلت بها الجيش العراقي لتجنب النقد ‏وتحميلها مسؤولية الكوارث بل لابد من تفكيك الجيوش العربية تدريجيا بطريقة مختلفة وغير ‏رسمية وتبدو كأنها من فعل العرب انفسهم وليس الاستعمار!‏

ولكن الفوضى الهلاكة، والتي اسمتها كونداليزا رايس (الفوضى الخلاقة) وهي تعني خلق وزر‏ع وفرض كل عناصر الهلاك للبشر والعمران، كانت احد اركان خطة المحافظين الجدد ‏وبدونها لن تنجح خطة تقسيم الاقطار العربية، فما العمل للوصول إلى نفس الهدف وهو نشر ‏الفوضى في ليبيا دون حل الجيش رسميا؟، تفتقت عبقرية الشر في أمريكا عن بديل خطير ‏وهو تفكيك الجيش الليبي تدريجيا ودون اعلان حله رسميا واحلال العصابات المسلحة محله. ‏ومما ساعد على ذلك هو ان غزو ليبيا تم بطريقة مختلفة عن غزو العراق، فقد اعتمد النيتو ‏على قوات نخبة قليلة العدد ادخلت ليبيا واخذت تقوم بعمليات نوعية جدا ضد قوات ليبيا ‏الوطنية ومنها اسر واغتيال القذافي، ولم يحصل غزو ارضي كثيف كما حصل في العراق، ‏واعتمد اساسا على القوة الجوية والصاروخية فدمرت الكثير من القوات الليبية ومن تبقى منها ‏تشرذم ما بين القذافي وخصومه، لذلك لم تكن هناك اي ضرورة لاعلان حل الجيش وقوات ‏الامن بعد ان تفككت عمليا وتشرذمت وحلت محلها عصابات استولت على السلاح والمال ‏واصبحت هي الحاكمة.‏

والان نعرف بان اغتيال عبدالفتاح يونس كان هدفه الاساس منع بقاء الجيش الليبي حتى ولو ‏منقسما بل كان مطلوبا تصفيته واول الخطوات كانت اغتيال القائد العسكري الاقوى القادر ‏على ابقاء الجيش أو قسما كبيرا منه موحدا وفاعلا، كما انه كان المرشح الاقوى للحلول محل ‏القذافي فيفرض الامن والاستقرار بقوة الجيش بعد اسقاط القذافي فتبقى ليبيا واحدة ولا تحدث ‏عمليات تدمير منظم للدولة والنسيج الاجتماعي الليبي ولا تهدر كل الثروة الليبية، وهذا ليس ‏هو هدف الاصلي والفعلي للنيتو وأمريكا والذي يقوم على التدمير الشامل للدولة والمجتمع ‏وشرذمة الناس قبائلا واحزابا وكتلا وجعلهم عبارة عن كتل صغيرة عاجزة حتى عن التفاهم ‏على قاسم مشترك، فاغتيل يونس لمنع استمرار وجود قوة عسكرية تستطيع ابقاء ليبيا موحدة ‏ومركزية، ولفسح المجال لتشرذم القوة الليبية وسيطرة العصابات وهو ما نراه اليوم‏ بشرذمة القوات المسلحة وانهاءها واحلال العصابات محلها وبجعل الثروة لمن يعيش فوقها ‏يمكن وضع اسس تقسيم الاقطار العربية بدون تدخل عسكري مباشر مكلف ماديا وبشريا ‏لأمريكا وللنيتو.

وهذه الحالة تنطبق على اليمن الان وانطبقت على سوريا كما سترون، ونرى ‏خطة مشابهة تطبق الان في مصر تقوم على انهاك الجيش المصري وتجريده من عنصر ‏الردع الفعال بتواصل المظاهرات مما سيؤدي إلى زوال سمة الردع فيه فيصبح تحديه عملا ‏سهلا من جهة، ويدمر معنويات الجيش عندما يرى الناس العاديين يهينونه وهو عاجز عن ‏الردع بطريقة فعالة، لان أمريكا طلبت عدم استخدام القوة ضد التظاهرات السلمية كما اكد ‏سامي عنان رئيس الاركان المصري السابق من ناحية ثانية، وهكذا سيأتي يوم يبدأ فيه الجيش ‏بالتفكك والانهيار التلقائي، وهذا هو تكتيك المخابرات الأمريكية المستخدم خصوصا لانهاء ‏الجيش المصري.‏

اذن نحن بأزاء مخطط مرسوم بدقة وبعد دراسات معمقة مبنية على معلومات وفهم لحالتنا ‏هدفها هو تدمير الدولة بكافة مؤسساتها والمجتمع بكافة مكوناته وبناه الفوقية وليس النظام فقط ‏كي تزول كل عوامل قوتنا وتماسك هويتنا القومية والوطنية، وفي هذا المخطط تنتظم الاحداث ‏التي تجري في كل الاقطار بخيط فولاذي واضح جدا يضمن التحطيم المتزامن أو المتعاقب ‏لكافة عوامل وحدتنا الوطنية ومصادر قوتنا. ليقل لنا اي منصف وعاقل: هل هذا صدفة ام انه ‏تخطيط مسبق؟

من الراكب ومن المركوب في ليبيا؟ المركوب هو الشعب الليبي الذي يعاني من كل اشكال ‏كارثة التدخل الاستعماري المكشوف، اما المركوب الاخر فهو عناصر (وطنية) رقصت للغزو ‏الاستعماري لليبيا نكاية بالقذافي في تعبير غريب عن التخلف الكارثي في فهم ما يجري! ‏والراكب هو الصهيوني المعتق والاصيل برنار هنري ليفي منظر وقائد انتفاضات (الربيع ‏العربي) الذي ابى الا ان يقود بنفسه معركة غزو ليبيا.‏

‏4– سوريا من الانتفاضة الوطنية إلى الحرب الاهلية: بسبب فساد النظام السوري حتى العظم ‏وتركيز الثروة في ايادي عائلة الاسد وشركاءها وحرمان الناس من العيش الكريم، وطائفيته ‏العلنية، وعمله المنظم لالغاء عروبة سوريا عبر تحوله إلى اخطر اداة لنشر النفوذ الإيراني ‏الصريح في سوريا والاقطار العربية، مع كل ما يحمله ذلك النفوذ من فايروسات عنصرية ‏وطائفية وافساد مالي واخلاقي (زواج المتعة)، واقدامه على ارتكاب خيانات وطنية وقومية ‏عظمى منها تسليم الجولان لاسرائيل والاعتراف بها (بقبول القرارين 242 و338)، ووضع ‏الجيش السوري تحت امرة أمريكا، اولا بدخوله لبنان بقرار أمريكي صريح في منتصف ‏السبعينيات لمنع المقاومة الفلسطينية والحركة الوطنية اللبنانية من فرض سيطرتها على لبنان، ‏ثم امرته أمريكا مرة اخرى بالمشاركة في شن العدوان الثلاثيني على العراق في عام 1991 ‏فرأينا الجيش السوري - ويا للعار - يقتل ابناء العراق وجيشه الذي انقذ دمشق من السقوط في ‏عام 1973، واخيرا وليس اخرا نتيجة ظلم النظام واذلاله الشعب العربي السوري طوال اكثر ‏من اربعة عقود، بكل ذلك وغيره من جرائم النظام السوري الصفوي توفرت عوامل الانتفاضة ‏بصورة كاملة في سوريا وكانت تنتظر اللحظة المناسبة لتفجرها.‏

وبدأت الانتفاضة شعبية وطنية مشروعة وحقيقية في درعا في اذار عام 2011 وكانت سلمية ‏لمدة ستة اشهر وكانت واضحة الاهداف وفي مقدمتها اسقاط النظام، وهب ابناء سوريا الابطال ‏ضد النظام وكسروا حاجز الخوف وتحرروا من كابوس القمع الدموي للنظام الصفوي الفاشي ‏واخذ الشهداء يتساقطون نتيجة لجوء النظام إلى اسلوب القمع الدموي وبسبب ذلك كانت ‏الانتفاضة تتسع وتتعمق. ولكن كانت هناك حسابات اخرى غير حسابات الجماهير وقواها ‏الوطنية، فمن خطط للتغيير على المستوى العربي كله وهو المخابرات الأمريكية ‏والصهيونية، كان يريد التحاق سوريا بمسيرة الفوضى الهلاكة وليس التغيير الثوري ‏والوطني، فتدخلت عدة اطراف دولية واقليمية وعربية في سوريا ليس لانجاح الانتفاضة بل ‏لتحويلها إلى حرب اهلية تدمر سوريا وليس النظام، تقضي على كل ما بناه الشعب السوري ‏خلال مئات السنين، وتحول سوريا العربية إلى امارات طائفية متعاركة حتى الموت والفناء لا ‏صلح بينها.‏

الان نواجه هذا الواقع المرعب فبعد ان تصاعدت الانتفاضة واصبحت قوية بما يكفي لاسقاط ‏النظام بوصولها إلى دمشق واقترابها من قصر الرئاسة وسحقها لاركان النظام حصل ما عده ‏البعص مفاجئة ولكنه كان تطورا متوقعا فقد سحبت أمريكا تبنيها لهدف اسقاط النظام ‏وتراجعت عن وعودها بتسليح اطراف في المعارضة باسلحة نوعية تكفي لحسم الصراع، كما ‏وعد اوباما وغيره مرارا، وتبنت نفس ادارة اوباما خطة مكملة قامت على حل سلمي للازمة ‏السورية وعدم تسليح المعارضة (خوفا) من القاعدة كما ادعت أمريكا مع انها هي وليس ‏غيرها من ادخل القاعدة إلى سوريا، تماما كما فعلت في العراق!‏

مقابل ذلك وعلى النقيض منه وفي خطوات تكاملية مع الخطوة الأمريكية قامت روسيا ‏وإيران برمي ثقلهما كله خلف النظام لتمكينه من البقاء، وهكذا وبعد تصاعد الامال باسقاط ‏النظام لدى المنتفضين وانهيار كامل في معنويات انصار النظام وصل إلى درجة ان بشار قدم ‏تنازلات مهينة، انعكست الاية فهبطت هذه الامال لدى المنتفضين وتصاعدت معنويات النظام ‏ومكنت أمريكا وروسيا وإيران بشار من تحقيق تقدم عسكري في اماكن معينة! هذه الحقيقة ‏المعاشة صدمت من لا يعرف العاب أمريكا وعدها تناقضات غير مفهومة مع انها واضحة ‏جدا لمن لديه وعي بالحد الادنى بتاريخ التدخلات الأمريكية في العالم. لذلك طرحت الملايين ‏سؤالا منطقيا هو: لماذا تراجعت أمريكا والنيتو عن تشددها المتطرف والذي كان يصر على ‏ان شرعية نظام بشار انتهت وعليه الرحيل فورا وان اصراره على البقاء سوف يؤدي إلى ‏اسقاطه بعمل عسكري خارجي؟

الجواب في لعبة معروفة: اضعاف النظام وايصاله حافة الانهيار وتقوية المعارضة حتى ‏تصل بوابة النصر ثم تغيير قواعد اللعبة فيقوى النظام وتضعف المعارضة! كان ذلك هو ‏جوهر لعبة أمريكا التي هندست لدفع سوريا الشعب والمجتمع والدولة للتفكك التدريجي تمهيدا ‏لتقسيمها عبر الطحن القاسي للبشر والعمران وبصورة متواصلة حتى الانهيار. ذلك هو ‏التكتيك التقليدي لأمريكا في التعامل مع ازمات معينة لا تستطيع التدخل العسكري فيها ‏فتمارس لعبة تدمير طرفي الصراع بقوتهما وليس بقوة أمريكا. الان نواجه في سوريا معركة ‏التدمير المنظم للكل، للنظام وللمعارضة وللدولة وللمجتمع، تماما مثلما حصل في العراق ‏ولكن على يد ابناء سوريا في حين كان تدمير العراق ومازال على يد أمريكا وإيران ‏وتوابعهما. لمن يخدم ذلك؟ بالتأكيد اسرائيل بالدرجة الاولى، لذلك نراها تلعب لعبتها بذكاء، ‏فهي تصدر مقالات وتصريحات تدعم بشار ولكنها وعبر اطراف اسرائيلية اخرى تصدر ‏مقالات وتصريحات ضد بشار، وهذا ما تفعله أمريكا عبر اعلامها وبعض مسؤوليها، والهدف ‏هو تشجيع بشار والمعارضة على مواصلة القتال وامتلاك ادلة على ان اسرائيل وأمريكا مع ‏وضد الطرفين!‏

ان اهم سؤال يكشف حقيقة ان المطلوب في سوريا ليس تغيير النظام بل تدمير وتقسيم سوريا ‏هو التالي: الم يكن بامكان أمريكا التخلص من النظام السوري بانقلاب عسكري كان ومازال ‏اسهل من شرب الماء؟ نعم كانت أمريكا تستطيع اسقاط نظام بشار بابسط من البساطة ذاتها ‏لسبب معروف وهو ان النظام غارق في الفساد وهو حكم عصابة سرقت الشعب واثرت على ‏حسابه وباعت الوطن لاسرائيل وأمريكا وإيران ودول الخليج العربي، ولذلك كان ممكنا بقرار ‏أمريكي سريع التقاط بشار وزمرته بهدوء تام أو شبه تام والقاءهم في السجن أو دفنهم في ‏مقبرة جماعية. فمن يعيش على الفساد والافساد يموت نتيجة له ومن اثبت امام الناس انه نظام ‏حرامية نهبوا الناس وثرواتهم لن يجد من يدافع عنه الا الحرامية والمستفيدين منه، وهذا ما ‏ظهر واضحا حينما تقدمت المعارضة وسيطرت على اغلب دمشق وقصفت القصر الجمهوري ‏واوشكت على احتلاله لولا تراجع أمريكا والنيتو وتدخل رسمي من قبل حزب الله وإيران ‏ودعم روسي مفتوح، بعد ان تفككت عصابات النظام وهربت تماما ولم يعد الان من يقاتل ‏بصورة جوهرية الا إيران وقواتها وحزب الله تحت واجهة النظام وهو ما اعترف به عضو ‏بارز في مجلس الشورى الإيراني يوم 4-11-2013.‏

اذن أمريكا استخدمت اسقاط النظام كمعبر لهدف اخطر بكثير وهو التدمير الشامل لسوريا ‏دولة ومجتمعا وهوية قومية وتركيبا نفسيا وثقافيا بصورة متزامنة أو متتابعة، وبما ان تقسيم ‏سوريا لم تكتمل متطلباته بعد فان النظام يجب ان يبقى كي يواصل توفير مسوغات تدمير ما ‏تبقى من عناصر القوة المادية والعسكرية والتوحد والشد داخل ابناء سوريا من جهة، ولاجل ‏اكمال هدف جعل سوريا عاجزة عن استرجاع عافيتها وقوتها لمدة لا تقل عن ربع قرن وهي ‏الفترة التي تحتاجها اسرائيل لاكمال ضمانات بقاءها خارج نطاق التهديدات العربية من جهة ‏ثانية.‏

كيف تحقق أمريكا الهدف الصهيوأمريكي هذا؟ مالم يبق بشار في الحكم هو وزمرة الفساد ‏التي لابد ان تدافع عن ثرواتها المنهوبة من الشعب لن تكون هناك حربا اهلية، فلكي تقوم ‏الحرب الاهلية يجب ان يبقى بشار متمتعا بقوة تكفي لمنع اسقاطه مقابل ذلك يجب ان يكون ‏اعداءه قادرين على البقاء مهما تبدلت التوازنات على الارض كي تستمر المعركة ويتساقط ‏يوميا المئات من القتلى من النظام ومن الشعب، وكي تتحول مدن سوريا إلى خراب تنعق فيه ‏الغربان ويحصد فيه منجل الموت كل مظاهر الحياة.‏

المطلوب هو اعادة سوريا لما قبل الف عام زائدا عدم السماح لعلاقات ما قبل الالف عام ‏بالعودة وهي علاقات رحمية قوية تعزز التاخي، لذلك فاعادة سوريا للخلف مثلما حصل في ‏العراق بعد الغزو تقترن بوجود نزعات عصرية غير مسبوقة من الانانية وتدمير الاخر بلا ‏رحمة والتي تبلورت عبر حروب دموية في افغانستان وفيتنام وافريقيا واسيا والشرق العربي ‏وتحت ضغط التجويع والتعذيب المنظمين للشعوب، وانصهرت وتبلورت تلك النزعات ‏الاجرامية المتطرفة في افران البؤس الاجتماعي والاستغلال الطبقي المجرم. وفقا لهذا الهدف ‏الكبير كان يجب ان يبقى بشار وان لا يسقط وان تدعمه إيران وحزب الله وان لا تقوم أمريكا ‏بقصفه هي والنيتو كما اعلن كذبا، وان لا تقدم للمعارضة الاسلحة النوعية التي وعدت بها كي ‏تكمل مسيرة اسقاط بشار، فبقي بشار بعد ان تيقن انه انتهى، بينما صدمت المعارضة ‏بملاحظة أنها تبتعد عن هدف اسقاط النظام بعد ان تيقنت انها على وشك تحقيق النصر الحاسم.‏

نتيجة معارك سوريا حتى الان هي الاهم: فالدمار في العمران في سوريا اكبر واخطر من ‏الدمار الذي حل بالعمران في العراق فمدن سوريا دمرت بغالبيتها اما باسلحة النظام أو بعض ‏اطراف المعارضة، ولم تعد سوريا التي نعرفها قائمة كواحة جميلة يحج اليها الناس صيفا من ‏كل قطر عربي، بل اصبحت خرائب لم تكن توجد الا في اكثر مناطق العالم تخلفا وفقرا. اما ‏الانسان في سوريا فانه فقد اكثر من 150 الف شهيد سوري حتى الان ومئات الالاف من ‏الجرحى، واكثر من مليوني مشرد ومهجر، والمطلوب هو رفع رقم المهجرين، ولذلك لم ‏تتوقف الحرب الاهلية السورية ويتواصل نزيف الدم السوري والاخطر تتواصل عملية نزع ‏الكرامة السورية تعمدا وتخطيطا لاذلال السوريين، كما اذلت أمريكا وإيران العراقيين. ولكن ‏اخطر ما في الكارثة السورية كما في الكارثة العراقية وكما يخطط للكارثة اليمنية والليبية، هو ‏الجرح النفسي العميق الذي يؤرق الروح كل لحظة وينزف قيحا وليس دما وستكون له عواقب ‏اكثر خطورة مما حصل حتى الان.‏

بعد كل الخراب الرهيب الذي حل بسوريا وبعد كل العذابات والقتلى نرى الان لعبة اعادة ‏الاعتبار لبشار ونظامه واعتبار ان تسليم الكيمياوي السوري كان الهدف من كل الكارثة! رغم ‏ان تسليم الكيمياوي ليس سوى هدنة والكارثة السورية لن تتوقف الا في حالتين: اما الوصول ‏لتقسيم سوريا أو هداية الله لاطراف وطنية في المعارضة السورية كي تتوحد وتتفق على ‏برنامج وطني لاسقاط النظام بالاعتماد على النفس والرفض المطلق لاي دعم اجنبي وبذلك ‏يعود الامن والاستقرار إلى سوريا الحبيبة.‏

في ضوء كارثة سوريا نسأل مجددا: من الراكب ومن المركوب؟ هل ركبت الجماهير ‏أمريكا واستغلتها في احباط المخططات المعادية للامة العربية؟ ام ان أمريكا هي التي ركبت ‏الجماهير واستغلت عذاباتها وسخرتها لتحقيق الخراب الشامل؟
(يتبع)

* كاتب ومفكر عراقي

للاطلاع على الحلقات السابقة

زر الذهاب إلى الأعلى