على ذمة تحليلات بعض السياسيين فإن حادثة (العرضي) الإجرامية والتي قيل بأنها قد نفذت بواسطة اثني عشر عنصراً إرهابياً, وإن كانت قد حملت بصمات تنظيم القاعدة من جانب فإنها في الجانب الآخر, سواء من حيث توقيت تنفيذها ورمزية المكان الذي استهدفته أو طبيعة الاختراق الذي اتبعته للوصول إلى منطقة الهدف, إنما تكشف أيضاً عن أن تلك الحادثة الإرهابية جاءت مختلفة عن كل الحوادث السابقة, وأن أبعادها تتجاوز الفعل الإجرامي والاعتقاد الفكري ضيق الأفق لتلامس عن قرب العامل السياسي الذي ربما تقف خلفه بعض الأطراف الخارجية, التي وإن أظهرت في العلن دعمها لاستقرار اليمن فإنها في الخفاء تعمل على إعاقة وعرقلة مسارات الاستقرار في هذا البلد, لأن من مصلحتها بقاء اليمن في وضع متأزم وصوت الرصاص يعلو في سماء مدنه وقراه, باعتبار ذلك هو من سيمهد لها نزع القرار من أيدي اليمنيين- هذا إذا بقي لديهم شيء من القرار-؛ أو بمعنى آخر سحب البساط من تحت أقدامهم وفرض وصايتها عليهم.
وبغض النظر عن بشاعة تلك الجريمة النكراء التي سفكت فيها دماء عشرات الأبرياء بأسلوب بربري ووحشي يتنافى مع كل القيم الأخلاقية والإنسانية والدينية, والهدف من هذه الجريمة إن كان إفشال مؤتمر الحوار أو التسوية السياسية أو إشعال فتنة بين الفاعلين الأساسيين في المشهد اليمني عن طريق تبادل الاتهامات وتخوين كل طرف للآخر, أو كانت تلك العملية مجرد استفزاز من قبل عناصر الإرهاب والتطرف التي انحرفت بوصلة جهادها انحرافاً مذلاً أو مهيناً عندما وجهت رصاصاتها الحاقدة إلى صدور المدنيين الأبرياء, فإن هذه العملية لابد وأنها التي خلطت الكثير من الأوراق وأظهرت رابطاً قوياً بين الدافع الداخلي والدافع الخارجي وأنهما اللذان يسيران في خطين متوازيين, بالنظر إلى دقة السرية والكتمان الذي تميزت به تلك العملية الإجرامية, وهي ميزة لا تتوفر عادة لتنظيم القاعدة الذي يتفق الجميع على أنه صار مخترقاً من عدة أجهزة استخباراتية (إقليمية ودولية), بل إن اشتراك اثني عشر عنصراً في تنفيذ هذه العملية, فضلاً عمن يقف خلفها من المخططين ما كان له أن يتم وبذلك التخطيط المحكم من دون تواطؤ من قبل بعض الأطراف الخارجية وأجهزتها الاستخباراتية التي لا يمكن بأي حال من الأحوال نفي علمها المسبق بهذه الجريمة, خصوصاً والمتداول في الشارع اليمني أن سفراء أميركا وبريطانيا وفرنسا وروسيا وآخرين يعلمون ما يجري في اليمن, وفي أي نقطة منه, قبل أي مسئول أمني في هذا البلد.
وطالما كان للاحتيال السياسي ما يبرره في العلاقات الدولية وكان للمبدأ الميكافيلي (الغاية تبرر الوسيلة) مساحته في هذه العلاقات, فإن من غير الواقعية القول بأن مصالح جميع الأطراف الدولية والإقليمية تتطابق كلياً مع المصلحة الوطنية اليمنية؛ لما يتسم به هذا القول من سطحية واعتساف, حيث أن العلاقات بين الدول ومهما بلغت من التوافق فإنها لا تخلو من نقاط التقاطع, كما أن من غير الصوابية التعاطي مع الدعم الذي تحظى به التسوية السياسية في اليمن من كونه حالة استثنائية تجعل من كل الأطراف الخارجية تفكر في مصلحة اليمن قبل مصالحها, أو أنها التي تنازلت عن هذه المصالح من أجل سواد عيون اليمنيين الذين صاروا يثقون بالخارج أكثر من ثقتهم بأنفسهم.
ولو افترضنا جدلاً أنه لا وجود لأية أيادٍ خارجية تعبث باليمن, واعتبرنا أن مثل هذا الاعتقاد يندرج في نظرية المؤامرة, فمن هي الجهات التي تمول أنشطة الحراك الجنوبي وتقوم الآن بتسليح بعض تياراته؟, ومن هي الجهات التي تمول تحركات القيادات الجنوبية المتواجدة في الخارج؟, ومن هو الذي مول ويمول حروب صعدة ويدفع الموازنات لذلك العدد الكبير من القنوات الفضائية الموجهة للداخل اليمني إما للتحريض على النزعة المناطقية والجهوية أو لإثارة الفتنة الطائفية والمذهبية؟, ومن يقوم بتمويل الآلاف من منظمات المجتمع المدني التي تحول بعضها إلى منافذ استخباراتية؟, ومن المستفيد من تفجير الأوضاع في هذا الوقت بعد أن استجاب عقلاء اليمن لنداء العقل وغلبوا منطق الحوار على لغة السلاح وجلس بعضهم إلى جوار بعض متناسين خلافاتهم وصراعاتهم وخصوماتهم؟, ومن هو الذي لا يريد إمهال الرئيس هادي والمبادرة الخليجية فرصة إخراج البلاد إلى بر الأمان؟.
ولأننا ندرك أن مفاتيح الإجابة على مثل هذه التساؤلات ليست بيد جهة واحدة أو طرف بمفرده, ندرك كذلك أن السموم التي يراد بثها مجدداً في سماء اليمن ليست محلية الصنع فقط, وإنما بعضها قادم من لهيب الأزمات في المنطقة, ومن قوى خارجية لا تريد لليمن الاستقرار ولا لشعبه العيش بسلام وأمن..
بيد أننا خبرنا في الوقت ذاته من تجربة الأشهر الماضية أن شتى الجهات والأطراف الخارجية تتحرك وفق ما يخدم مصالحها, ولذلك فلا يمكن تصنيف جميع هذه الأطراف بأنها حسنة النية؛ لعلمنا أن هناك من يرغب في دوام الأزمة في اليمن وتطورها واشتعالها من أجل الضغط على الخليج, بل إن هناك من يرغب في إغراقها في فوضى عارمة تغوص فيها دول الخليج إلى الركب.. كما أن هناك من يقايض بين استقرار اليمن والاستقرار في سوريا والعراق, وهناك من يربط بين الحل في اليمن والحل في مصر وليبيا وتونس, وهناك من يحاول تخفيف الضغوط على الأوضاع المتفجرة في بعض المناطق بإعطاء الضوء الأخضر بمزيد من الانفجارات المدوية في نطاق حيوية واستراتيجية في اليمن.
وانطلاقاً من هذا كله نجد أن مسئولية كبرى ودوراً أساسياً يقع اليوم على القوى السياسية والحزبية والفعاليات القبلية والاجتماعية بمختلف توجهاتها في تفويت الفرصة على كل الأطراف والجهات الداخلية والخارجية التي تسعى إلى إطالة أمد الأزمة وتحويل اليمن إلى ساحة للقتل والقتل المتبادل, على غرار ما يحدث في بعض البلدان التي استبدت بها نوازع الثأر وبشاعات الانتقام والطائفية والضغينة المدمرة, فذلك هو واجب الجميع وعليهم بذل الجهد المطلوب من أجله, بدلاً من الاكتفاء بالبيانات والتصريحات الخجولة التي لا تردع قاتلاً ولا تمنع معتدياً.