[esi views ttl="1"]

عودة إلى حديث التسيس المفرط

لا أخفي سعادتي بالتلقي الواسع للحديث المنشور في هذه الزاوية منذ أسبوع عن خطورة التسيس المفرط، وما تركه من الأصداء والتعليقات والملاحظات الجادة.

ومنها تعقب سعادة الأخ السفير/ إدريس أحمد الشريف الذي يتفق معي في أهمية الإعلاء من قيمة العمل كما يحدث في الدول المتقدمة، وما تحقق لها بفضله من تقدم وارتقاء ورخاء، وإن أختلف معي في ما ذهب إليه من أن المواطن الغربي غارق في السياسة إلى أذنيه؛ ولا أريد أن أدخل مع سعادة السفير في نقاش حول توسع التسيس أو انحساره في الدول المتقدمة، وأن المشتغلين، أقول المشتغلين، بالشأن السياسي في تلك الدول، ما يزالون قلة قياساً بالمنصرفين عنها إلى أعمالهم والذين يعيشون في منأى عن التسيس المباشر حتى عند احتدام الصراعات وارتفاع درجة سخونتها في الانتخابات البرلمانية، وهي الأوقات التي تنشط فيها الأحزاب المتنافسة وتسعى إلى استقطاب أكبر عدد من المواطنين لكسب أصواتهم وتحقيق أعلى مستوى من التفوق على الخصوم.

صحيح أن المتغيرات الأخيرة في عالم اليوم قد أحدثت انقلاباً في القناعات القديمة ودفعت بأعداد غفيرة إلى دنيا السياسة والتحزّب إلاَّ أن ذلك لم يغير من المعادلة الثابتة في الواقع والتي تجعل الغالبية في منأى عن الانخراط في الأحزاب الراهنة، أو في التفكير في إنشاء أحزاب جديدة كما هو الحال في بلادنا وفي عدد من الأقطار العربية التي التزمت في دساتيرها بالتعددية، وكيف جني التسيس المفرط على الحياة السياسية المعقولة والمقبولة ولم يساعد على وقف الطغيان أو الحد من الفساد السياسي والمالي، بل كانت الخلافات السياسية والحزبية تشكل في كثير من الأحيان غطاء واقياً ليتستر خلفه اللصوص والمجرمون وسرّاق المال العام لأن كل تهمة توجه إلى هذا النوع من الفاسدين –وفي غياب الرقابة الأمينة والقوية- يتم مواجهتها بوصفها اتهامات سياسية ومماحكات حزبية، ويخرج اللص من التهمة كما تخرج الشعرة من العجين، هذا إذا لم يتوج اللص بطلاً سياسياً.

وللتأكيد على موقفي الأوضح من العمل السياسي: أتمنى أن يكون كل مواطن على دراية تامة بمعنى السياسة بوصفها نظاماً لإدارة شؤون الناس والوصول بهم إلى حالة من التعايش والأمن والاستقرار والرخاء، لكن ما يحدث من التسيس في بلادنا أولاً وفي الأقطار العربية ثانياً وفي العالم الإسلامي ثالثاً لا ينتمي إلى مفهوم السياسة ولا يخدم حاضر الأمة ولا مستقبلها.

فقد انحرفت به الممارسات عندما خرجت عن إطارها الصحيح وأصبحت كما قال سعادة السفير إدريس تشكل حلفاً غير مقدس بين السياسة والتجارة، وهنا يكمن الخطر الذي أشرت إليه وحذّر منه ويحذّر كبار المفكرين العرب الذين هالهم الفارق المخيف بين النظرية والتطبيق، وكيف تحول العمل السياسي من قيمة راقية هدفها خدمة الشعوب إلى "ماراثون" تنافس بين الأقوى والأضعف.

وإلى شراء الضمائر وتشويه روح الإنسان وتحويله إلى آلة تدار ولا تدير. وفي مواجهة ما يحدث لا غرابة أن يهرب العقلاء من السياسة ويبدأون في البحث عن وسائل أخرى لخدمة الوطن بديلاً عن الأحزاب كالجمعيات الخيرية والمؤسسات الصحية والاجتماعية.

وليس من المبالغة في شيء القول بأن المشاجرات والمشاحنات السياسية والاقتتال السياسي اليومي على المصالح الآنية يؤدي إلى مثل هذا العزوف.

ورجائي إلى سعادة الأخ السفير إدريس أحمد الشريف أن يخرج إلى أقرب منطقة من العاصمة ليشهد بعينيه كيف أفسد التسيس المغلوط حياة الناس في القرى وأوجد بينهم –وهم الأهل وأبناء العمومة- حالة من العداء غير المسبوق، ولا خلاص من هذا الصراع المحتدم إلاَّ بكشف الغطاء عن خطورة مثل هذا النوع من الهلوسات السياسية القائمة على التوعية الخاطئة واعتبار كل من ليس مع وجهة نظري فهو عدوي.

وفي عبارة موجزة أخيرة لا بد من سياسة وسياسيين، ولا بد أن يكون المواطن على وعي كامل بما يجري في وطنه شريطة أن لا تستولي السياسة بمعناها السائد والعشوائي على حياته، وتتمكن من تدمير طاقته وقدراته ويتحول معها إلى "هتّيف أو "متظاهر يومي"... البلاد بحاجة إلى قليل من السياسيين المخلصين وإلى كثير من الأيدي العاملة التي تنقذ الوطن من أزمته الاقتصادية والأمنية. ولا يوجد بلد في العالم ثلاثة أرباع مواطنيه عالة على الدولة إلاَّ في اليمن السعيد. وعليه وعلى أهله رحمة الله ورضوانه.

صحيفة المرأة في عامها التاسع عشر:

تأسست هذه الصحيفة المتميزة في عام 1994م وما تزال تصدر بانتظام وبمستوى رفيع يلفت الأنظار ويشد إليها مشاعر القراء. رئيسة التحرير الصحفية اللامعة سيدة يحيى الهيلمة، وفي العدد الأخير، كما في الأعداد السابقة، مقالات وأخبار وتحقيقات ودراسات متنوعة لا تخص النساء فقط بل تتناول قضايا الشعب بكل فئاته نساء ورجالاً وأطفالاً، وهي من الصحف اليمنية القليلة المتميزة في إخراجها وتناولها لمستجدات الواقع. تحية لصحيفة المرأة ورئيسة تحريرها ولكتّابها ومحرريها.

تأملات شعرية:

ليس بالكلمات الكبيرة
أو بالهتافات
تبنى الشعوب مكانتها
وسعادة أبنائها،
لا ولا باحتراف الفتن.
قالت الأرض:
أبنائي الطيبون
هم الأتقياء الذين يحبونني
ويحبون إخوتهم في الوطن.

زر الذهاب إلى الأعلى