[esi views ttl="1"]

رسالة إلى "أبو مازن"

دعني أخاطبك على الطريقة الفتحوية القديمة التي لم يعد يخاطبك بها، على الأغلب، كثيرون: الأخ المناضل أبو مازن، فهذا لقب أهم وأبقى، في الطريق الطويل إلى فلسطين، من ألقاب الحكومات والدول، لأنك لا تزال، وهذا ما تكشفه لك الوقائع كل يوم، رئيس حركة تحرر وطني لم تنجز مهامها الوطنية بعد، وقائد شعب لم يتوقف عن النضال منذ قرن في سبيل تحرير أرضه من الاحتلالات المتعاقبة، ولا أظنك من الذين تخدعهم ألقاب "السيادة" و"الفخامة" وتصرفهم عما هو عليه حال بلادهم من تقطيع أوصال وقضم للأرض تقوم به أنشط أداة اسرائيلية مذ حلت الكارثة بفلسطين: البلدوزر.

لن نعرف، نحن الذين نقيم بعيدا عن الاحتلال، ما يعانيه الناس هناك من إذلال يومي على الحواجز الاسرائيلية، بل ربما ما تعانيه أنت، إذ أذكر أنك قلت، يوما، ما معناه إن جنديا إسرائيليا بمقدوره منعك من السفر أو الحركة.

وهذا ليس الدليل الساطع على انعدام سيادة السلطة على "أرضها" بل هو أضعف هذه الأدلة قاطبة، ففي حياة الناس اليومية مئات البراهين على أن الاحتلال المقنَّع أسوأ من الاحتلال الصريح، إذ يعطي الأول انطباعا مضللا ب "تحررٍ" و"سيادةٍ" لا يعتما أن ينقلبا إلى عكسيهما، بينما يبقي النضال ضد الاحتلال المباشر العصب الوطني مشدودا ويحد من "الاختلافات الداخلية" ويركز الجهود على قضية أساسية هي دحر الاحتلال..

وليست هذه الكلمات دعوة ل "إعادة" احتلال المناطق التي "تسيطر" عليها السلطة كي يشتد عصب النخبة السياسية الفلسطينية التي لم تعلن استقالتها بعد من عبث المفاوضات، فبمقدور هذه النخبة أن "تشد حيلها" حتى وهي تمر بهذا التردي غير المسبوق.

الأخ ابو مازن: تعرف، أكثر مني، طبيعة التفاوض مع الاسرائيليين من موقع الضعيف، فقد أمضيت فترة "رئاستك" (ورئاسة الحكومة قبل ذلك) وأنت تفاوض اسرائيل من دون أن تتمكن من انتزاع "تنازل مؤلم" واحد من الحكومات الاسرائيلية المتعاقبة، بل حدث العكس.

فالوقت عنصر في غير صالحك، ففيه يتم فرض المزيد من الوقائع على الأرض التي ما تني تصبح أمرا واقعا يصعب القفز عنه، وأرقام الاستيطان، مذ تسلمت "العهدة"، موجودة في أدارج مكتبك ولا تحتاجني كي أذكرك بها.

وفي اطار الرهان على الوقت، وسياسة المماطلة التي تنتهجها معك اسرائيل يحذرك البعض من "التطرف" في الموقف كي لا تلقى "مصير" عرفات.. دعني أبسط أمامك التالي: - نحن لا نطالبك بالتضحية بحياتك ولكن لا يفوتك، طبعا، أن من يقود شعبا يسعى إلى نيل حريته وتقرير مصيره معرض لاحتمالات كثيرة منها، بطبيعة الحال، الشهادة.. وما انتهى اليه عرفات، الذي رفض أن يواصل مسلسل التنازلات، ختم تاريخه النضالي بإكليل من الغاز. - أنت لم تُقْدم، عندما وقعت على طلبات الانضمام إلى منظمات تابعة للأمم المتحدة، إلا على ما هو حق لك.

فما معنى أن تتقدَّم، في معركة دبلوماسية مفتوحة جنّدْتَ فيها كل أصدقاء فلسطين، للحصول على عضوية غير عاملة في الأمم المتحدة إن لم تسع إلى الانضمام إلى المنظمات المتفرعة عنها. - أنت وقعت طلبا، قد يكون احتجاجيا، فيما نتنياهو حرك البلدوزر، فعليا، لبناء نحو 700 وحدة سكنية في القدس الشرقية، عاصمة الدولة الفلسطينية العتيدة، التي لم يبق فيها سوى القابضين على الجمر. - ليس "فخا" أبدا أن تظهر، أمام الرأي العام الغربي، في مظهر الذي لا يمرر مفاوضات على حساب الحد الأدنى من حقوق شعبه، الفخ الحقيقي أن تواصل الركض المضني وراء سراب السلام الاسرائيلي، فبعد عشرين سنة من هذا الماراثون العبثي ظلَّ سراب السلام على دأبه: كلما شعرت أنك اقتربت منه ابتعد.

وأخيراً... أنت تعرف أن حكاية فلسطين لا تنتهي على هذا النحو. هناك نهاية أخرى لمائة عام من الاقتلاع والتشريد والدم والأحلام والقصائد.

زر الذهاب إلى الأعلى