[esi views ttl="1"]
من الأرشيف

صراع هادي وصالح.. اللعبة واضحة ومن لم يدركها فهو أعمى وأصم!‏

الكثيرون في هذه اللحظة التاريخية محملون بالآمال والمواقف ولا يتقبلون الرأي الذي قد ‏يصادم ما يعتقدون. لكن الحقيقة أن من يخالفهم الرأي لا يخالفهم المصلحة بالضرورة بقدر ما ‏يكون الاختلاف في زاوية النظر.‏

وقد استغرب البعض رأيي في المقال السابق حول صراع الرئيسين السابق علي عبدالله صالح ‏والحالي عبدربه منصور هادي، حينما دعا للاقتراب من صالح، وهل هذا موقف شخصي تجاه ‏أحد؟ وهنا لابد من التوضيح: ‏

**
الذين يقفون مع هادي أو العكس أكثرهم ينظرون للوضع الحالي ويحددون مواقفهم ‏بناءً على آرائهم المسبقة وتوجهاتهم السياسية وليس بناءً على ترتيب الأولويات والوقوف مع ‏تحديات اللحظة. ‏

وفي الواقع، هناك ماضٍ منه الجذور والتجارب وهناك حاضر فيه المعطيات والشواهد ‏وهناك مستقبل يمكن تحديد ملامحه واحتمالاته وفق المعطيات والتجارب. ‏

علي عبدالله صالح اختلفنا أو اختلف معه المختلفون حول السلطة، وحول تفرد حزبه، وحول ‏أداء نظامه، وحول التوريث، وغير ذلك.. اليوم يعيش اليمن في وضع غامض تحت الوصاية ‏والميليشيات توشك بلوغ العاصمة والاقتصاد يوشك على الانهيار. أي أننا مهددون بأن نفقد كل ‏شيء دفعة واحدة بعد أن كنا نريد الأفضل. ‏

قد نكون (لا قدر الله) أمام صومال محمد سياد بري قبل 90 . وصومال ما بعد تمكُّن الميلشيات من إسقاط ‏الدولة الصومالية. من الذي يتذكر أخطاء بري بعد أن وقعت البلاد في فخ قضى ‏على الذاكرة والدولة وكل شيء؟ (وهو بالمناسبة بلد في موقع استراتيجي للعالم).. من الذي يقارن أخطاء نظام صدام بعراق ما بعد ‏‏2003 الطائفي البلد الأكثر موتاً وفساداً في العالم؟ (وهو بلد أيضاً بموقع استراتيجي للعالم فليس صحيحاً الحرص على بلد لأهميته، يمكن إدارة لعبة تحقق مصالح اللاعبين عن طريق إغراق البلد مع التحكم بأهم المنافذ والمواقع الاستراتيجية وخيوط الفوضى. التدخل الدولي قد ينقل البلد من الأزمات إلى النكبات).

‏**‏
إذا راجعنا عامين ونصف من حكم هادي والسفراء وجمال بن عمر، وجئنا بالقوى السياسية ‏والبلد إلى الميزان.. سنجد أن الطرف الوحيد الذي كسب هو الجماعة الطائفية التي تتوافق مع ‏‏"اللعبة الدولية". وهي جماعة "الحوثيين"، ليس من أجل أن الأمم المتحدة أو الدول الكبرى ‏تريد الثأر لـ"الحسين"، ولكن لأن تشجيع جماعة طائفية وتصعيدها يصنع وضعاً قابلاً لصراع ‏يدمر المجتمع والدولة ويستنسخ نماذج أخرى كالعراق بما يبقى البلد مساحة بيد الخارج ويتم ‏استخدامها ضد أهداف أخرى. وهذه مخططات ومصالح مجموعات غارقة في دماء الشعوب. ‏

**
عامان من الصعود والتوسع المستمر المسكوت عنه للحوثي، بدءاً بصعدة وما جاورها ‏والانتشار وزرع الخلايا في العاصمة، والتوسع في عمران وصولاً إلى مشارف صنعاء. في ‏حين تلعب الدول الأجنبية الوصية والقيادة الانتقالية عدة أدوار: إدامة الفتنة بين القوى السياسية ‏المختلفة: الإصلاح والمؤتمر بشكل أساس، تشكيل غطاء لتوسع جماعات اللادولة، التكفل ‏بالخدع الإعلامية والسياسية اللازمة حتى الوقوع بالفخ. ‏

يجري ضرب الطرفين أو الأطراف الأخرى ببعضها، وضربها باسم التغيير والحوار والتقدم ‏وضربها عن طريق التهديد المباشر والعقوبات الدولية. أليس الواقع أن جميع القوى تُضرب ‏وتُفكك باستثناء الحوثي؟ أليست تجربة العراق والتحالف الإيراني الغربي الوثيق إجابة كافية ‏لماذا يفعلون ذلك؟ ‏

اللعبة واضحة ومن لم يدركها فهو أعمى وأصم! المؤتمر وعلي عبدالله صالح تواطأوا مع ‏توسع الحوثيين، صحيح، ولكن ذلك كان بشكل أساس بدافع الثأر من الإصلاح والمحسوبين عليه. ‏لكن تواطؤ قيادة الدولة هو الأصل، فهي المسؤول عن البلد، ومتوقع من بعض من في المؤتمر الذين خرج هؤلاء عليهم وخلعوا مختلف الأوصاف والاتهامات أن يلعبوا مثل ذلك.. لكن أين السلطة التي سلمها الناس البلد؟ ‏

مع اقتراب الحوثي من صنعاء، يختلف الموقف. صالح هدف أكيد للحوثي بعد الانتهاء من ‏خصومه وهو يدرك ذلك على الأرجح. خرجنا ضد صالح يوم أن كان رئيساً للبلد وكل شيء تحت يده، وهو ‏ونحن لا نختلف في المبادئ بقدر ما نختلف حول السلطة التي كانت ولم تعد بيده. ولو كانت بيده ما اقتحموا وهددوا (مثلاً)!.

كان رئيساً للدولة، وبيده جيش وبنوك وكل شيء.. اليوم من الذي يحتشد ضده لأجل جامع أو ‏قناة أو حتى معسكر، وهو الذي كان بيده كل شيء؟ وفي وقت تسيطر الجماعات المسلحة على ‏مدن وتمتلك قنوات وتخطط لحروب أهلية. ‏

الاعتقاد أن هذه الجماعات الانفصالية والطائفية توسعت وحصلت على مشروعيتها السياسية ‏بالصدفة والاجتهاد في ظل هذه الظروف والتدخلات الدولية في اليمن.. ‏هو اعتقاد ساذج.. هذه لعبة شطرنج وقضايا استراتيجية تذهب معها أعمدة الدولة وتسقط بقاع ‏استراتيجية من الأرض. واليمن نقطة في طريق لا يفكرون بتفاصيلها بقدر ما يسعون إلى الهدف.

وباختصار: ‏
الواضح أنه يتم تهيئة الملعب في المحافظات الشمالية وصنعاء للحوثي فقط، ويتم ضرب ‏وإضعاف الدولة والقوى السياسية الأخرى، تمهيداً لحروب وفتن تقضي على ما تبقى. أليس ما ‏في الواقع يؤيد ذلك؟ ألم تقم السلطات بالتوسط الذي خدم الحوثي في كل مواجهاته؟ ألم توسع نفوذه وتعطيه شرعية رسمية في مفاصل الدولة في صنعاء؟ ألم تضرب خصومه وحلفاءه الناقمين منهم على السواء؟. ‏حتى وإن مارست دوراً وقصفت بالطائرات، تبقى الجدية ليست الحرب هناك وحدها ولا هذا ‏التدخل المضلل في الحقيقة والذي يسمح باستنزاف ما تبقى من الجيش دون تحرك حقيقي. ‏

الذي يعتقد أن هادي يقوم بلعبة محدودة وسيتوجه ضد الحوثي لاحقاً، واهم كما يشير الواقع. لأسباب ‏عديدة، أولها تجربة أكثر من عامين وما جرى خلالها من توسع وإعطاء غطاء واللعبة الدولية ‏التي توجه كل جهودها لتحقيق هذا الطريق وبالمقارنة مع مواقفها بالدول الأخرى والتجارب ‏منذ اندلاع الأزمة في 2004(ليس لخدمة الحوثي بل استخدامه أداة فاعلة في صراع). والسبب الثاني أن الذي يريد استخدام الحوثي ثم الانقلاب عليه، لا يسمح له بمفاصل ونقلات خطيرة ‏ونوعية، ولا يضعف كافة القوى التي يفترض أن تتقوى بها الدولة في أي خيارات من هذا ‏النوع. ‏

اليمنيون، بما فيهم علي عبدالله صالح وخصومه السياسيون وشركاؤه في العمل السياسي ‏خلال العقود الماضية، يُراد أن ينزاحوا تحت مسمى "القوى التقليدية" ولا يبقى لاعب في ‏صنعاء غير الحوثي ليمارس اللعبة الطائفية مع الأغلبية اليمنية وهو "القوى الحديثة والجديدة ‏في الساحة". باعتبار القوى من هذا النوع، طائفية ومناطقية، هي البضاعة الرائجة والمصنوعة حديثاً لتتوافق مع ‏هوى رياح دولية. ‏

ومختصر المختصر: اختلفنا مع صالح حول السلطة ويمكن أن نتعايش معه كما تعايشنا في ‏السابق على قاعدة أن الجميع أصبح هدفاً ولم يعد بيده السلطة ولن يعود الماضي، خصوصاً إذا أحسن هو والأطراف الأخرى تقدير اللحظة. لكن الذي لا يمكن القبول به هو سقوط "الجمهورية" وسيناريو مدمر ‏لليمن هوية وشعباً. هادي واجهة يمرر لعبة، سواء كان مخدوعاً أو قاصداً وسيكون ضحية. ‏لكنها تُمرر ولا زالت.. والذي يعرف كيف أصبح وضع مؤسسات الدولة بما في ذلك الأمن ‏والجيش يدرك معنى هذه التهديدات. ‏

موضوع متعلق:
لهذه الأسباب.. على الإصلاح وكافة اليمنيين الوقوف مع صالح ضد هادي

زر الذهاب إلى الأعلى