[esi views ttl="1"]

في ذكرى رحيل النبيل كشجرة

في مثل هذه الأيام رحل الزميل العزيز يحيى علاو الذي كان نبيلاً كشجرة قبل 4 سنوات، ولقد مثّل الاحتشاد الجبّار في جنازة الراحل إدانة أخلاقية لممارسات السلطة غير النقيّة ضدّه؛ كانت الجماهير أكثر إحساساً بألم توقيف راتبه وعدم حصوله على منحة علاجية لائقة، لو تذكرون.

شكّلت جنازته حالة تحرُّر جماعية أدان خلالها المشاركون معنى أن يبيع الوطن أحلام الكرامة لمبدعيه فقط دونما أثر حقيقي؛ كانت لحظات تستحق تقديراً خاصاً؛ ليس لأنها نكّلت بالحس الرسمي المدّعي للوقار؛ بل لأن المنطق الكامن فيها يشير إلى أن الناس مازالوا قادرين على الإنصاف الخلّاق والفرز الجيّد.

معروف أن علاو لم يستسلم لمرارة الحال أو تفاقم الخيبة؛ في حين ركّز نضاله الإعلامي لصالح الوعي الشعبي وطبقة المتعبين؛ محافظاً على بقايا الحلم بمقولات الانتماء الوطني وحب الوطن رغم نهكهم المخيف.

ويمكن القول إن برنامجه الشهير «فرسان الميدان» شكّل هويّة مائزة لغالبية البسطاء في اليمن؛ حتى إنه احتلّ بجدارة موقع انتشال الناس وأماكنهم من الإهمال والنسيان عبر تسليطه الضوء النبيل عليهم؛ فيما كان الإغراء الوحيد للمشاهدة بالطبع متميّزاً بالذكاء الاجتماعي وتنمية التقدير اللائق لطبيعة اليمن وأهلها على اختلاف مشاربهم.

هكذا بلا تفاهة مقزّزة أو عبادة سمجة للسلطة؛ كان يحيى علاو في وفاق أخلاقي مع الناس ومحل إجماع مهني ما لم تحقّقه السلطة نفسها خلال كل مراحلها.

على أن الامتداد التاريخي لبرنامج مثل «فرسان الميدان» جعله مجمع معرفة وموهبة وحقائق ذاتية للواقع اليمني، كما أسهم في خلق خياراته الإنسانية الخاصة، وقبل ذلك الاعتداد الشامل بأهمية التفاعل الاجتماعي وقيمة تطييب الخاطر للناس المكدودين وبالتالي قدرتهم على إثبات الذات والفرح والنجاح.

باختصار.. يبقى على طبيعة السلطة أن تتغيّر في اتجاه احترام الوجود الموضوعي لمبدعي البلد بدلاً من التعالي تارة بالنفاق والازدواج وشر التردّي القيمي، وتارة بعدم التسامح والرفض للاختلاف وصولاً إلى تخلّيها عن العدل كقيمة وطنية قبل أن يكون قيمة إنسانية في الأساس.

ثم إن إدراك هذا النمط من المسؤولية وحده القادر على وضع حدٍّ للاستهتار الأخلاقي الحاصل من قبل الوطن ضد مواطنيه؛ وبالتأكيد تكمن الكارثة الأكبر حين يتمثّل الضحايا خصائص الجلادين؛ لكن فعلاً: ما أجمل الطيبين حين ينتقلون من موقف النظر والتواطؤ الصامت إلى موقف التحرُّك والاستنكار مثلما حدث في جنازة يحيى علاو الخالدة.

***
الحقدةُ لا يخجلون، هذا ما كشفته معاناة يحيى علاو مع مرضه قبل رحيله للأسف، الحقدةُ المأزومون تركوا الإعلامي المبدع حينها نهيشة المرض، أقالوه من وظيفته، تفوّقوا بدناءاتهم إلى حد البراعة، حاربوه بشكل سادي غاشم..!!.

و:
لم ينكسر رغم معاناته الكابوسية وظل بلا استجداء، لم يُطفئوا جذوته، وظلّ يقاوم الخراب مبتسماً وممتلئاً من الداخل، ظلّ وفيّاً لطيبة الشعبيين وأفئدتهم وأمكنتهم، ظلّ حاضراً بكارزميته النوعية في أذهان كل بسيط، ظلّ فارس الشاشة الأليف بلا منازع، ظلّ شفّافاً كبللّور.

و:
راح ضحية البلد الظافر بالأوغاد «الوطنيين جداً» البلد المُبخس للمبدعين النزهاء، بلد الوجع المحقّق ومعاناة المحترمين المأساوية، بلد السرطان الرسمي والجحود التنكُّري القاهر..!!

زر الذهاب إلى الأعلى