أرشيف الرأي

هل ستكون مأرب بيضة القبان؟

رُبما قُدر لمأرب أن تكون في خضم ذروة الخلافات والصراعات والحروب التي ‏تفرجت ‏غداة سقوط صنعاء بأن (مأرب) ستكون امتحان لليمنيين لتحديد من هو التيار ‏الوطني..‏

‏ لطالما أتهم أبناء هذه المحافظة التاريخية بأنهم مخربون والحال عكس ذلك ‏قد يكون هناك ‏فئة متمردة لاشك ولكنها لا تجرؤ تتحرك قيد أنملة لولا دعم من احد ‏صانعي القرار في ‏صنعاء، ثم ان الكثير من اليمنيون موالين لهذا الطرف أو ذاك اما ‏لإغداق المخصصات أو ‏لمنصب ونحو ذلك، أو ومن هنا فأن الحلف القبلي في ‏مأرب الذي رفض تسليم الأسلحة ‏للكتيبة المتمردة إلى أي جهة لانها تدرك بأنها ‏ستصل إلى يد أنصار الله، وهذه الأخيرة ليست ‏بدولة رسمية فلو كانت قد تسلمت ‏الحكم رسميا بعد انقلاب سبتمبر الماضي لهان الأمر ولهذا ‏فأنها إلى اليوم تمارس ‏التسلط وليس السلطة..‏

قبائل مأرب يصرون أن يسلموا الأسلحة للدولة بشرط ان ينفذ ‏أنصار الله اتفاقهم المفروض ‏منهم أصلا وهو اتفاق السلم والشراكة فهم من فرضوه ‏بقوة السلاح وهم الذين لم ينفذونه لأنهم ‏اللاعب الأساسي والوحيد القوي في المشهد ‏السياسي، ولسان حال هذه القبيلة يقول وعلى لسان ‏متحدث منهم نُشر إعلاميا عليهم ‏أولا ان يذهبون إلى الحوثيين ليعدوا ما سلبوه من معدات ‏الجيش وأصبح لهم عتاد دولة ‏، وإذا سلم الحوثيون كل ما نهبوه وطمئنوا أكثرية الشعب فان ‏قبائل مأرب سوف تعيد ‏تلك الأسلحة إلى ألدوله أما إن يتعامل البعض بسياسة الكيل فعليه أن ‏يخرس!‏

لا تستطيع الدولة إن تثني قبائل مأرب والتي يصفها البعض بأنها داعشية، فمن لم ‏يتناغم مع ‏تطلعات انصار الله هو داعشي تكفيري فأذا كانت كل المحافظات اليمنية ‏ترفض هذا الوضع ‏فأذن اغلب اليمن داعشي، وحتى لو عاش أبو الأحرار الشهيد محمد ‏محمود الزبيري والذي اسس ‏‏(حزب الله) لكان داعشي تكفيري، إلى متى سيظل ‏اليمنيون يشيطنوا الآخر، و إلى متى يخرس ‏البعض من المهادنة وعدم قول الحق، ‏فالعنف لا يولد سوى العنف لانه سيولد حاضنة ‏للأطراف الأكثر عنفا ولنا في داعش ‏العراق عبرة وحكمة .‏

تعز حالها حال مأرب ولكن الفرق تعز متحضرة تهادن بذكاء ودهاء العنصر المثقف ‏وهو ‏الامر نفسه لبعض المحافظات ولكن في مأرب التي ترعرع قبائلها على العنف ‏ولم يحدث ‏النظام الجمهوري أي تغيير وتحول حضاري في هذه المحافظة رغم تدفق ‏النفط منها ليأكل منه ‏بعض الفاسدون ويبقى الفتات للشعب‎‏. ‏

الكثير من اليمنيين يتمنون جهة واحدة تحكم أو جهات متوافقة، ولكن يحكمون ‏ويتسلطون ‏بهذه الطريقة فمن خلال تجاربنا منذ ثورة فبراير أنهم اتفاق الفُرقاء ‏واختلافهم لا ينعكس على ‏خير الوطن، ومن هنا فالبعض وإنا منهم يتمنى ان يتسلم ‏أنصار الله السلطة رسمياً ويكونوا ‏مسئولين مسئولية أخلاقية أمام الشعب لان السلطة ‏مغرم قبل ان تكون مغنم ولكن يبدو بأنهم ‏ليسوا مؤهلين بما يتطلع به اليمنيون في هذا ‏الوضع المزري والاقتصادي المتداعي، ‏فالمسئولية والسلطة ليست فقط حروب ‏وفتوحات وتنظيم المرور والمحاكم وإنصاف المظلوم ‏فهذا جزاء من مسئوليتها فقط ‏ولكن هي تنمية شاملة وعلاقات دولية ومجتمع دولي وسياسة ‏ودبلوماسية ونحو ذلك.‏

نحن نعيش شريعة الغاب البقاء للأقوى، بدليل ان أنصار الله فرضوا أنفسهم وتعاونوا ‏مع ‏صاحب ملف الفساد لثلث قرن من العبث المطلق، متجاوزين العقيدة والايدولوجيا ‏لصالح ‏السياسة الآنية والتكتيك المؤقت، استغرب لمن يشيطن أهل مأرب بصورة ‏مطلقة ويبرا ‏الآخرين، سياسة الإقصاء والشيطنة صناعة يمنية وسنظل هكذا طالما ‏عقدة الإقصاء واحتكار ‏الحكمة والدين لدى جهة دون أخرى مع ان اغلب اليمنيون من مذهب مغاير للفاتحين الجدد.‏

ليس من الحكمة لأي مكون سياسي في اليمن في هذا الظرف التاريخي أن يكيل التهم ‏جزافا ‏وشيطنة الآخر، ولا يحق لأي مكون سياسي ان يحتكر الحكمة أو الدين فالدين ‏لله والأرض ‏للجميع، نحن في الألفية الثالثة ونتعايش بحكم العولمة مع المجتمع الدولي ‏الذي يرصد كل ‏شاردة وواردة، وينبغي لليمنيين في هذا الظروف المعقدة والإحداث ‏المتلاحقة ان يؤكدون للعالم ‏بأن الحكمة يمانية، كما قال الرسول الأعظم، فلا مناص ‏لهم من الانصهار في رؤية وطنية ‏مُتفق عليها على أن تشمل جميع المكونات وليس ‏بفرض أمر واقع‎ .‎

الإشكال المحوري في هذا الظرف أن النخب الحاكمة والمحكومة ناهيك عن عامة ‏الشعب لا ‏تدرك مخاطر المرحلة وتفكر في انتصار آني على خلفية اجتماعية أو ‏مذهبية أو المصلحة، ‏فالوضع في اليمن استثنائي وخطير والوضع الأمني في تدهور ‏ملحوظ، بدليل انتهاء العام ‏المنصرم في آخر يوم بتفجير دموي بأيدي إرهابية آثمة، ‏لقد آن الأوان لعقلاء اليمن من رجال ‏دين وعلماء ومثقفين أن يدلوا بدلوهم على الأقل ‏بالكلمة والنصيحة، قبل ان ينزلق اليمن ‏لمخاطر لم تكن في الحسبان عند هؤلاء القوم.‏

زر الذهاب إلى الأعلى