جاء في مسودة الدستور - المادة 22-مانصه:(أداء الضريبة وتحمل التكاليف العامة واجب، وإنشاء الضرائب العامة أو تعديلها أو إلغاؤها لا يكون إلا بقانون. ولا يُعفى أحد من أدائها كلها أو بعضها إلا في الأحوال المبينة في القانون. ويراعى في فرض الضرائب مصلحة المجتمع وتنمية موارد الدولة وتحقيق العدالة الاجتماعية وفق نظام ضريبي عادل ومنصف. وتكون الضريبة على الدخل تصاعدية، والتهرب الضريبي جريمة يعاقب عليها القانون).
بموجب النص الإطاري العام هذا، يحيل المشرع الدستوري، المفترض، بشأن إنشاء الضرائب وكل مايتعلق بها، فرضا،وعاء، تقديرا،وربطا وطعنا...الخ إلى المشرع القانوني.
وهذا مفهوم ومبرر،كضمانة عامة. بإعتبار أن الضرائب هي من أهم المسائل التي تتصل بقانونية الدولة، بما يكفل الحؤول دون تحولها إلى مجرد "سلطة" جبائية متحكمة، لا حاكمة، بالقانون، كما ينبغي أن تكون.
غير أن مسودة الدستور تناقض نفسها، إذ ترجع عن التفويض الدستوري هذا، مقررة، هي نفسها، فرض ضرائب "مسماة" وعلى نحو عشوائي مؤسف. حيث جاء- بنص المادة 364- من المسودة مالفظه:
(تفرض بقانون اتحادي الضرائب والرسوم الآتية:
1. ضريبة الدخل الشخصي.
2. ضريبة أرباح الشركات.
3. ضريبة القيمة المضافة.
4. الجمارك وضرائب التصدير.
5. ضريبة زيادة رأس المال
6. الضرائب والرسوم المتعلقة باستكشاف واستغلال النفط والغاز والمعادن.
7. أي ضرائب ورسوم أخرى).
كما جاء- بنص المادة 366- ما يقرأ على نحو:(أ. تفرض بقانون إقليمي الضرائب والرسوم الآتية:
1. ضريبة مبيعات بمعدل مقطوع.
2. رسوم فتح الأعمال التجارية.
3. ضريبة المرتبات والاجور.
4. ضريبة الاستهلاك تحصل عند الانتاج.
5. رسوم رخصة القيادة والمركبات.
6. ضرائب ورسوم استخدام الطرق.
7. ضرائب ورسوم السياحة.
8. ضرائب ورسوم البيئة.
9. ضرائب ورسوم اخرى باستثناء الضرائب المبينة في المادة السابقة.
ب. يجوز بقانون اقليمي فرض ضرائب ورسوم إضافية بنسبة مقطوعة على الضرائب والرسوم المفروضة بقانون اتحادي الآتي:
1. ضريبة الدخل الشخصي.
2. ضريبة الدخل للشركات.
3. ضرائب استكشاف واستغلال النفط والغار والمعادن في اليابسة.
4. أي ضرائب اخرى أو رسوم مفروضة بموجب قانون اتحادي باستثناء ضريبة القيمة المضافة والجمارك والضرائب والرسوم المتعلقة باستكشاف واستغلال النفط والغاز والمعادن في البحار، على أن ينظم الحد الاقصى لكافة الضرائب والرسوم الاضافية قانون اتحادي).
والعشوائية تتبدى هنا، ليس في التناقض المشار إليه فحسب، بل تمتد إلى ماهو أفدح ، أخطر، وأشد سوءا.
ذلك أن الدساتير لاتفرض ضرائب أصلا بل هي، كنصوص إطارية عامة، تحدد أسس فرض الضرائب والضوابط المتوجب مراعاتها من قبل المشرع القانوني، المحال إليه، لفرض الضرائب وتحديد ركائز بنيانها القانوني. بما لايتعدى الأسس والضوابط الدستورية، المعيارية العامة.
على نحو ماجاء في نص المادة 22 من المسودة،سالف الذكر. وبحيث إذا ماجائت ضريبة ما، مخالفة للأسس والمعايير والضوابط الدستورية تلك، سواء من حيث فرضها أو من حيث إجراءات تقديرها، أو ربطها، أو تحصيلها،...الخ. أمكن للمتضررين من هكذا ضريبة الطعن بعدم دستوريتها أمام القضاء الدستوري المختص.
أما أن يفرض المشرع الدستوري نفسه ضرائب مسماة، كما يراد في مسودة الدستور، فنحن إزاء كارثة دستورية مجنحة،من شأنها أن تضع المواطنين تحت نير ظلم غشوم لايمكن صده ولارده، إذا ماتم تمرير المسودة، بحالتها هذه، بطبيعة الحال، إذ، حينها، ستصبح هذه الضرائب مفروضة بقوة الدستور نفسه، وسيغدو من المتعذر تماما التظلم منها، أو الطعن فيها، أو بعدالتها إجمالا، بأي طريق.
وليس ذلك(أو ليت ذلك) فقط. بل أن فرض الضرائب سالفة الذكر، جاء على نحو إعتباطي لايستبين الفروق الجوهرية بين ضريبة وأخرى، ولا وحدة الوعاء الضريبي لضريبتين أو أكثر، حينا. ودون إدراك للمشكلات، بل للكوارث، التي ستنشأ عند التطبيق، في ما لو طبقت النصوص المذكورة فعلا، حينا آخر.
فضريبة القيمة المضافة، المستحدثة بنص المادة 364،كمثال، ليست سوى مرحلة من مراحل الضريبة العامة على المبيعات، المنصوص عليها في المادة 366،(وهي الضريبة المطبقة حاليا). ولنا أن نتخيل حجم المشكلات التي سيثيرها ذلك، بالنظر، خاصة، إلى كون أن كل منهما مسندة لمستوى آخر من مستويات الحكم(المبيعات للإقليم،والقيمة المضافة للسلطة الإتحادية).
هذا فضلا عن أن ضريبة الإستهلاك(المادة366/4) هي ضريبة بديلة للضريبة العامة على المبيعات، ولما يسمى بالضريبة على القيمة المضافة، إذ هي،كلها، ضرائب غير مباشرة على الدخل، تحصل عند الإنفاق،أو بمناسبته. بمعنى أنها ضرائب ترد على ذات الوعاء الضريبي، المتمثل بالدخل. وهو الوعاء نفسه الخاضع، أصلا، للضرائب المباشرة على الدخل(أرباح الشركات، المرتبات والأجور،364/2،366/3 على التوالي).
ولأن هذه الضرائب واردة على ذات الوعاء، وكل منها مسندة لمستوى حكم مختلف، حسبما ذُكر، فإن تحصيلها ، على فرض تحققه جدلا، سيقتضي، بالضرورة، وجود وترافق جهات التحصيل الإدراية في مستويي الحكم، الإتحادي والإقليمي، معا، وجنبا إلى جنب، وهو ما أستهدفت الفدرلة تجنبه أساسا، بإحلال "المحلي" محل "المركزي".
أما ماأسمي ب "الضريبة على الدخل الشخصي" و" ضريبة زيادة رأس المال" ،وكذا "الضرائب والرسوم الإضافية على الضرائب والرسوم المفروضة بقانون اتحادي"(364/1،5، 366/ب) فهي، كمثال آخر، ضرائب "مستحدثة"، لا يعلم إلا الله، والراسخون في الفدرلة، ما المقصود بها.
ثمة حاجة، بالتأكيد، لإستطرادات وإيضاحات إضافية، ولكن ، مع ذلك، يمكن القول، بالمجمل، أننا أمام حالة من الإستسهال والإستهتار، ستضعنا، لو مررت، إزاء "مجزرة" ضريبية/ "دستورية"، عمياء، ليس لها نظر ولا نظير.