[esi views ttl="1"]

وماذا بعد؟

ليعذرني القارئ الكريم إذا قلت أنني لا أستطيع حتى لحظة الإمساك بالورقة التي أكتب عليها هذه الكلمات استيعاب ما حدث في بلادنا ولبلادنا في الأيام القليلة الماضية، ولا لماذا حدث وكيف حدث. شعب فقير جائع؛ ستون في المائة من أبنائه تحت خط الفقر وفقاً للإحصائيات الدولية، ظل ينتظر من أشقائه الأقربين، والأبعدين، مد يد العون، وإذا بهذه اليد تمتد لا بالرغيف وعلبة الدواء وإنما بأطنان من القذائف النارية، تصبها الطائرات على العاصمة التاريخية لليمن وأقدم مدينة عربية على وجه الأرض ، وعلى غيرها من المدن والمناطق التي يشكو أهلها من فقدان أبسط مقومات العيش الكريم. وليس الحديث في هذه الناحية هو المحيّر والمثير لأصعب الأسئلة، بل الهجوم العدواني العنيف بحجمه وتمدده وبما أسفر عنه من خراب ودمار ودماء.

وأنا هنا لا أبرئ أنفسنا نحن اليمنيين، ولا أتردد عن قول الحقيقة، وإن كانت مزعجة للبعض، حقيقة أن الخلافات والتناقضات الحادة بين المكونات السياسية والتمادي في رفض التنازلات الصغيرة قد فتح الباب واسعاً لكل من هب ودب في التدخل في أمورنا واستصغار شأننا. وأسمح لنفسي كواحد من أبناء هذا البلد الحاملين لهمومه ومآسيه أن أُحمِّل جزءاً كبيراً مما حدث، وهو شنيع وخطيرَ على تلك القوى المتمرّسة خلف أنانيتها، والتي ظلت تراهن على الخارج، وتنتظر من هذا الخارج أن يحل خلافاتها ويتبنى مواقفها ويحارب بدلاً عنها إذا لزم الأمر. وهذا الخذلان الروحي والنفسي والسياسي هو الذي قاد إلى الكارثة التي لم يكن يتوقعها عاقل ولا مجنون، ولو قد تواضعت تلك القوى قليلاً وقبلت بواحدٍ أو أكثر من الحلول التي كانت مطروحة أمامها منذ وقت طويل لما وصلت الأمور إلى هذا المستوى المريع، ولو أنها اتفقت في ما بينها على مبدأ المشاركة في الحكم لا بوصفه الهدف والغاية وإنما بوصفه وسيلة للبناء وتأسيس الدولة المدنية العادلة التي طال انتظارها والتشدق باسمها، لما كان هذا الذي كان.

وحده الشعب الطيب المسكين، الشعب الذي يصنع الحياة بهدوء وفي منأى عن الصراعات السياسية واجترار الأحقاد البغيضة، وحده الذي يكتوي بالخلافات وآثارها المدمرة، ووحده الذي يدفع الثمن من دمه ولقمته وأحزانه. والذين جاءوا بطائراتهم المحملة بأطنان الموت ليضعوا حداً لخلافات القوى السياسية –كما يدّعون- لم يكن أمامهم سوى الشعب يلقون حمولات طائراتهم على أجساد أبنائه من جنود ومدنيين أبرياء، وعلى البنى التحتية الهشة التي تحققت له بعد سنوات عجاف، وبعد تخلف كان وما يزال مضرب الأمثال. وحده الشعب إذاً، ووحدها الأجيال الجديدة من أبنائه من سيتحمل نتائج العاصفة وأخطاء، أو بالأحرى خطايا، القيادات السياسية التي كانت في مواقف الحوار تصر على أن تنال كل شيء وأن تحرم الوطن من كل شيء.

رحم الله أبا الطيب المتنبي، لقد كان شاعراً وحكيماً كبيراً عندما قال "لا يبلغ الأعداء من جاهلٍ ما يبلغ الجاهلُ من نفسهِ والجاهل هنا هو المكونات السياسية التي أفسدت الحوار وحوّلته إلى منبر للخطابة وإضاعة الوقت. المتنبي بهذا القول يقرر حقيقة علمية اجتماعية سياسية لا مكان فيها للشعر أو الخيال، حقيقة القوى التي بجهلها تقود أوطانها إلى الهلاك والدمار وتقدم للأعداء والمتربصين الذرائع التي تمكنهم من أن يحققوا أغراضهم القذرة وهم واثقون أن هناك من سيبرر أفعالهم وربما يشاركهم في هذه الأفعال. ولا أدري هل بقي في الساحة من يصغي إلى ما تبقى من صوت العقل، ويفيد من التجربة المريرة ليسارع في إلقاء مخزون الخلافات في براميل القمامة والاتجاه نحو المستقبل المشترك، ورص الصفوف والانخراط في حوار قصير تقدم فيه التنازلات من مختلف المكونات خلاصته إعادة بناء الدولة وتصحيح مسار مؤسساتها السياسية والاقتصادية والتعليمية والقضائية تحت عنوان اليمن الجديد، يمن الحرية والكرامة والعدالة والمواطنة المتساوية.

الشاعر والروائي الباحث محمد سالم الحداد:
"قصائد وزوامل ومساجلات" هو عنوان الكتاب الجديد للشاعر والروائي محمد سالم الحداد رئيس فرع اتحاد الأدباء والكتّاب في مأرب، والكتاب إضافة مهمة إلى كتبه الأولى التي تدرس الشعر في حضرموت والمناطق الشرقية وتعد مراجع توثيقية للحركة الأدبية في تلك المناطق النائية. يقع الكتاب في 317 صفحة من القطع الكبير.

تأملات شعرية:
القصف كان على سجيتهِ
يدكّ الصبح
يمحو ما تجمّع من خيوط الضوء
يبتلع المآذن
والأذانْ!
الشمس مازالت هناك
تريد أن تغشى المدينةَ
بيد أن الخوف ينهش صدرَها
والقصف ما زالت قذائفهُ
تدكّ أركانَ المكان.

زر الذهاب إلى الأعلى