من الأرشيف

في عيدها الفضي.. الوحدة ليس محل حرب

في عيدها الفضي يكون عمر دولة الوحدة في اليمن أكبر بعامين من عمر دولة شطره الجنوبي التي ينادي البعض باستعادتها. وفي عيدها الفضي أيضا يراد للوحدة أن تكون مظلة انقلاب ومادة حرب.

لا أجد داعياً هنا لسرد النقاط التي تجعل أي يمني يعتبر يوم 22 مايو 1990، علامة مضيئة في تاريخ اليمن أيا كانت الأخطاء والخطايا التي تبعته، كما لا أراني معنيّاً بتفنيد طروحات الداعين لعودة براميل التشطير والتفرقة، فالقضية لم تعد هذه النقطة ولا تلك، بل القضية الآن متمثلة في ضرورة ألا نترك للانقلابيين وأذناب إيران جعل موضوع الحفاظ على الوحدة، مادة تعبئة قتالية للمغرر بهم من أتباعهم ومقاتليهم استغلالا لاصطفاف جهوي هنا أو راية شطرية هناك.

يخطئ بحق هذا الشعب فريقان، أحدهما يعتبر الوحدة منجزا خاصا بشخص علي عبدالله صالح وبسبب حنقه من صالح يحنق من الوحدة، ولو كان هذا الفريق يقرأ التاريخ جيدا لوجد أن مايو هو خلاصة نضالات الشعب بمختلف فئاته.

أما الفريق الثاني فيتمثل في صالح نفسه ويتماهي في رؤيته لمايو مع الفريق الأول وبالتالي فالفريقان الآن يتعاضدان بشكل يلفت الانتباه والأسف وتفضحه خرائط المقاومة على الأرض. والفارق بين الفريقين أن الأول يعمل بطريقة تصب في مصلحة الثاني، بينما يستثمر الثاني راية الوحدة ويزاول في نفس الوقت، الإضرار بجذورها ومحاولة جرف تربتها وقطع الماء عنها، وهو في ذلك خائب المسعى لا محالة لكن تركه يستمر على هذا النحو، يطيل مع معاناة اليمنيين الراهنة لا أكثر.

لقد ظل الخوف على وحدة البلاد هاجسا شخصيا ظل يسكنني لسنوات، أطلت خلالها التمعن والتأمل، وأظنني وصلت إلى حالة من الاطمئنان تجنبت بعدها الوقوع كفريسة لهذا الخوف دون أن ينقص إيماني بها مثقال ذرة، لقد شاهدت محطات الدعوة لعودة التشطير تتبدل وتتحول، وترتفع وتنخفض وتذهب وتعود وترتخي وتشتد لتنتهي دائما إلى نقطة صفرية غير قادرة على التخلق الرأسي أو حتى الثبات الأفقي، وأقصى ما تحرزه أنها تنجح في جرح النسيج وتوفير فرض الاستغلال الخاطئ للقضية بشقيها المدافع عن الوحدة أو الداعي لعودة التشطير، ولعل أسوأ ما في هذه المتوالية أنها أوجدت أخيرا مظلة تعبئة تستظل تحتها أسوأ حركة ارتدادية وهمجية وتمزيقية في تاريخ اليمن المعاصر متمثلة في جماعة الحوثيين وعكفيّها المغوار صالح. والفاتورة تدفعها كل مناطق اليمن بلا استثناء.

إن واحداً من أهم الطرق الاختصارية اللازمة لإنهاء التغول الكهنوتي الإيراني في اليمن والمعاناة الانسانية الناتجة عنه، هو سلب صالح احتكار ورقة الحديث عن الوحدة التي يطنعها عملياً، بكلتا يديه، والواقع أن بعض القوى الوطنية المعنية بسحب هذا البساط، تخشى من الإقدام حرصا على عدم تعكير العلاقة مع أطراف تستثمر دعاوى التشطير وتعتاش عليه، وبالتالي تغدو هذه القوى الوطنية أشبه بمن يضحّي بذراعه حرصا على أكمام ثوبه.

يقيناً فإن الوحدة اليوم ليست محل حرب، ولا حتى محل خوف، وسيحتفل اليمنيون بمشيئة الواحد الأحد، بعيدها الذهبي والماسي والبلاتيني، في ظروف أفضل، وأواصر أمتن، ومصابيح مضاءة.

زر الذهاب إلى الأعلى