[esi views ttl="1"][esi views ttl="1"]
اهتمامات

بن دغر.. من غيره يدرك ذلك؟

ليس أحمد عبيد بن دغر ملكا منزلا من سماء العصمة أو نبيا مرسلا من غيب الكمال.
بن دغر واحد منا – نحن اليمانيين – بكل ما يعتلج في دواخلنا من حلم وألم، وفي سلوكياتنا من زلل وصواب، لكنه – وللأمانة التاريخية – أجملنا وأكثر المسؤولين وعياً باعتمالات المرحلة المصيرية التي نعيش أحلك منعطفاتها، وأملأها بالأمل.
قبل تعيينه رئيسا للحكومة الشرعية كان بن دغر يمثل حالة استحضار في وعيي، كشخصية لابد أن تجد موقعها المناسب في ترتيبات المرحلة العاصفة، وفيما كان الآخرون يلوذون بالرصيد السياسي في تفضيلات اختياراتهم لرجال المنعطف، كنت ألوذ بالتاريخ ؛ التاريخ فقط، باعتبار إن معركة استعادة الدولة من براثن الانقلاب، لابد - لكي تنتصر – أن ترتكز على وعي تاريخي بكل مجرياتها، إذ المعارك المصيرية التي تؤسس مستقبلاً لا ترى في فارق القوة العسكرية وحنكة الأداء السياسي إلا عاملين ثانويين في استراتيجيات المواجهة .

لم يكن ثمة شخصية تمتلك هذا الوعي التاريخي بخطورة المشاريع الإمامية والامبريالية على الأرض اليمنية أكثر من بن دغر، وهذه قناعة ورؤية شخصية، قد لا أبدو وحيداً على شاطئها، فكثير ٌ من يشاطروني إياها.
ومنذ بدأ بن دغر مهمته في رئاسة الوزراء بدأت على أرض الواقع تجليات تحول ماثل على مختلف الصعد السياسية والخدمية في مسار أداء السلطة الشرعية ككل، وانطلق بن دغر بديناميكية عليا في صياغة وتحقيق أداءات حكومية، ذات أثر ملموس في عدن والمحافظات المحررة وضارب لبنية الانقلابيين في صنعاء، ومزلزل لها، وكان قرار نقل البنك المركزي إلى عدن أشبه بمغامرة مجنونة، إذا مانظرنا اليه -في حينه - من زاوية اقتصادية أو سياسية بحتة، لكنه في ذات الوقت كان فعل العقل والضرورة الذي لابد منه لإحداث خضة تاريخية في سياق الحدث العسكري والسياسي القابع في طور الرتابة.
وبمعنى : سننقل البنك فارغاً على خزائنه التي نهبتها المليشيات الإنقلابية ، ولتمتلئ صفحة التاريخ بحدث هازٍّ، سيكتفل التاريخ نفسه باثبات صوابيته وعقلانيته.
كان نقل البنك إلى عدن هو القشة الأولى التي قصمت ظهر الانقلابيين وتحالفهم المقيت في صنعاء، ولئن تعثر البنك المنقول في عدن بعض الوقت، فذلك يعود للعامل التاريخي الذي انبثق منه قرار النقل، متجاوزاً حسابات السياسة والاقتصاد، على الصعيد المحلي والدولي.
قرار كيبل بحري لتحرير شبكة الاتصالات اليمنية من تحكم الانقلابيين وغرف التجسس والتلصص الالكتروني والمالي بتقديم خدمات أردأ بأسعار أغلى، هو أيضاً قرار تاريخي، يحسب على بن دغر، ويخص المستقبل.
وعندما أقول (تاريخي) فأنا أقصد به كل قرار يترتب على ضوئه تحول مصيري في حياة دولة وشعب، ويتعلق بالقادم على المدى البعيد، واللا منظور آنياً، وهذا المدى هو مالايراه إلا من امتلك بصيرة تاريخية نافذة، تستكنه أبعاد المواجهة وتعي خطورة المؤامرة على اليمن وتدرك أن التاريخ أقوى من السياسة في منعطفات المصير.

لذلك وأولاً، لابد أن ندرك نحن بن دغر، باعتباره رجل المنعطف والمشروع الوطني الذي لا يمكننا عبور المستقبل بدونه، وهذا ما يجب أن يعيه أبناء الجنوب قبل غيرهم، وقوفاً مع بن دغر في مشروعه الوطني الذي يمثل تطلعات اليمن في جنوبه والشمال، ويجسد حنيننا اليمني المعتق إلى حياة كريمة ووطن يليق، منذ أول دورة للأرض لآخر شهقة حلم في الصدر.
ليس لأبناء الجنوب إلا أن يمعنوا النظر بوعي وعمق، وعندها لن تجانبهم نشوة الازدهاء بشخصية وطنية ولدت من ذرات ترابهم النبيل، وكل إساءة إلى بن دغر إنما هي تمسهم أولاً.
كما أرى أن من دواعي المسؤولية الوطنية على عاتق كل يمني أصيل في هذا الظرف المساندة الشعبية لرئيس الوزراء وافشال كل المخططات الرامية إلى إجهاض المشروع الوطني الجامع الذي يمثله، ويمثلنا جميعا، في بلد طالما دفع الكلفة باهظة الدم، لا لشئ إلا لغياب المشروع وغياب المسؤول المثقف الذي يدرك أبعاد القضية ويملك من وعي التاريخ مايؤهله لرؤية المستقبل، وهل ثم غير بن دغر من يملك ويدرك؟؟

زر الذهاب إلى الأعلى