[esi views ttl="1"][esi views ttl="1"]
اهتمامات

ما دلالات سرقة انشتاين إنجازات زملائه؟             

نشرت جريدة الشروق الجزائرية بتاريخ 14-9-2018 مقالاً قيماً للدكتور أبو بكر خالد سعد الله أستاذ الرياضيات في الجزائر الشقيقة عنوانه (هل كان اينشتاين عالمًا نزيهًا؟!) سلط فيه الاضواء على ما عد علميا سرقات قام بها العالم الشهير البرت انشتاين من غيره بما فيها أهم ما نسب إليه وهما نظرية النسبية الخاصة ونظرية النسبية العامة وبهما صعد نجمه وصور على أنه عبقري القرن العشرين ومكتشف بعض اسرار مجرتنا! فقد أكد الأستاذ الجزائري أن ما نشر باسم انشتاين كان أساسا جهد غيره ومساهمته في النظريتين كانت أما معدومة أو ثانوية. وما اثاره الكاتب الجزائري حول نزاهة انشتاين يطرح السؤال التالي: هل الامي والجاهل والمتخلف ينفرد بالكذب والنهب المادي والمعنوي ام انه يشمل العالم والمصلح الديني والقائد السياسي وهؤلاء حصنوا افتراضا ضد ممارسة العيوب البشرية المعروفة؟

ثمة اتفاق عام على ان الانسان سواء كان اميا أو مثقفا وعالما ناقص بتكوينه الطبيعي وغامض بالكثير من دوافعه لهذا فهو معرض حتما لارتكاب الخطأ في ظرف ما تحت تأثيرات معينة. وانشتاين يخضع لقاعدة البداهة هذه دون ادنى شك كما يخضع لها اي بشري اخر ومهما علت منزلته وعبقريته، فهو تعرض لاغراء نسب جهود غيره له كما يشير المقال، وهو ليس بعيدا عن كافة الاغراءات البشرية حيث مقاومته لاغراء ممارسة الخطأ تضعف وتقوى.بل اذهب ابعد من ذلك واشير إلى ان بعض من يتمتعون بالذكاء الحاد والعبقرية اكثر استعداد لممارسة الخطأ من الامي والجاهل لان هذا البعض يجد في قدرته الفكرية تبريرات عميقة وتفصيلية لاي تصرف منه مما يجعله يتمادى في الانحراف عن الخط المستقيم للبشرية!

وبناء على الملاحظة السابقة فان ما يجب البحث فيه هو الاجابة على السؤال التالي: ما الذي يدفع الانسان لارتكاب الخطأ بكافة درجاته ومضامينه مع انه يعرف في كثير من الاحيان انه خطأ؟

اذا بدأنا بسيجموند فرويد،وهو من اشهر علماء النفس، لوجدناه يقسم الشخصية إلى الهو و(الانا) والانا العليا،والهو تعبر عن الغرائز البدائية للانسان غير المنضبطة بعدوانيتها وانانيتها المنفلتة،والانا هي التي تمثل شخصية الانسان العادي الذي يريد التوفيق بين الهو البدائي والغريزي والانا العليا التي تمثل القيم العليا التي يتعلمها الانسان من العائلة والمجتمع وتحدد له الخطأ والصواب وتنمي فيه الضمير. اما في الفلسفة اليونانية ف(الأنا) أو السولبسية فتقول بأنه لا وجود لشئ غير الذات أو الأنا،أو لا وجود حقيقي إلا لعقل الفرد وذلك يؤدي إلى انكار وجود اي شيء خارج الانسان ويجعل الانسان بكل ما فيه من وعي وانانية وانحياز ومصالح هو الحكم النهائي في كل الامور.والوجودية بكافة اشكالها تسرح بين هذين المفهومين، ولهذا فان الانا تتقلب بين الصح عندما تصعد إلى قلعة الانا العليا والخطأ عندما تنزل إلى مستنقع الهو تبعا لمزاج الفرد وفي كل الحالات يصبح الضمير اسيرا لفكر حاد خبيث لانه اناني الطبيعة.

البراغماتية ولدت من (الهو) وليس من (الانا) ولم تأخذ اي شيء من الانا العليا سوى الشكل التنظيمي لها اي القوانين،فهي مشتقة اساسا من الحيوانية الكاملة ومن اشد نوازع الانانية في الانسان واذا اردت رؤية البراغماتية الحقيقية فانظر إلى ترامب وقبله بوش الصغير سترى البراغماتية الأمريكية مجسدة بسلوكهما اليومي فترامب قال انه يجب اخذ نصف نفط الكويت والعراق أو كله!!! وبوش ادعى ان الله امره بغزو العراق! والسبب الرئيس هو ان البراغماتية تقول بان الانسان هو الحكم وليس غيره فما ينفعه صحيح وما يضره خاطئ وبغض النظر عن القوانين والاخلاق،وهذا هو اصل بلاء البشرية.

واذا حاولنا فهم سلوك اينشتاين وغيره نراه متجليا في الردة إلى (الهو) الغريزية في لحظات تبرير السطو على نظرية غيره، وهذا بالضبط هو ما يجعله متماهيا مع الفلسفة البراغماتية التي تقول بان ما ينفعني صالح وصحيح وما يضرني طالح وخاطئ، وفي اللحظة الشيطانية التي سطا فيها اينشتاين على حقوق غيره نراه مصطفا إلى جانب ترامب وبوش ونتنياهو! ما يجمع كل عتاة المجرمين والعلماء والمصلحين في لحظة الانحراف هو الانانية المفرطة التي تتغلب على الانا العليا اي الاخلاق والضمير والقانون، كما رأينا ذلك على يد أمريكا وبريطانيا في العراق المحتل وعلى يد الصهيونية في فلسطين المحتلة ونراه الان على يد اسرائيل الشرقية وهي تبيد الالاف وتهجر الملايين من العراقيين والسوريين.

نحن اذا مخلوقات غير مكتملة التكوين بطبعها واصلها وتحتاج لتربية وضوابط سلوك وكلما كانت صارمة وواضحة كلما ارتقى الانسان وتهذب بعكس الانظمة الرخوة كاللبرالية التي تعطي ل (الهو) فرصا واسعة لممارسة انانيتها المفرطة.ومادام الانسان مخلوقا اجتماعيا لايستطيع العيش بمفرده فان العيش المشترك يفرض رغما عن الهو الوحشية ضوابط سلوك صارمة وقوانين عامة ملزمة لاجل تعليم الناقص ما يجب وما لايجب فعله.فهل تقبل الذات أو الانا بتلك القيود ام تتمرد عليها؟ ومتى تتمرد؟

في القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين كان الانسان ينهض بقوة علميا وتكنولوجيا وكانت النظريات تترى واحدة اثر اخرى وكان العلماء يتناقشون ويتبادلون الخبرات فيما بينهم لاجل اكمال ما اكتشفه أو اخترعه احدهم ودعمه وصولا إلى وضع نظريات تخدم الانسان، كان الانسان سواء كان عبقريا كاينشتاين أو لصا قاتلا كنتنياهو يمارس الجنس ويخضع للرغبات البدائية ويمارس كافة صنوف الانانية في عالمه الخاص خصوصا في اطار القيم الاوربية التي كانت ومازالت تطلق الرغبات من عقالها بعكس الشرق الذي يقيدها بصرامة. انشتاين وبعد ان اطلع وناقش وساهم في وضع اراء معينة حول الكون سارع ونسب ما اكتشفه هو وغيره لنفسه فقط!ولم يكن سلوكه بعيدا عن الانانية المتدفقة من منابع عالم غامض جدا هو عالم الانا وخلفيتها الوحشية الهو طاردا الانا العليا بعيدا لانها تضايق (الهو) المفرط الانانية.

ولئن كان اينشتاين العالم الكبير مستعدا لنسب جهد غيره له مع انه عالم حقيقي وليس مبتدأ فكيف نتوقع من انسان بسيط القدرات ان لاتغرية الانا كي يسطو على جهد غيره من اجل ان يبرز هو ويحصل على المكاسب وحده ويدفع خلفه الاكفأ منه؟ وكيف لا نتوقع من جديد يرى فرصة احتلال مكان من هو اقدم منه واكثر خدمة منه ولا يقوم بذلك؟هنا نواجه اشكالية كارثية نرى في داخل محيطها كل الجرائم والانحرافات التي ارتكبت في المسرح الانساني خصوصا في المسرح السياسي حيث لا اخلاق ولا روادع تمنع الجديد والطارئ من ازاحة وقطع رأس معلمه كي يحل محله دون اي احساس بان معلمه احق منه بالموقع واكفا منه لممارسته!

من يريد القفز للموقع الاول تخدر ضميره رغبته الغريزية كما يفقد المراهق أو المتوتر جنسيا صوابه حينما يرى زليخا زوجة عزيز مصر امامه عارية وتدعوه للسرير!يقينا اكثرية البشر ليسوا مثل يوسف بترفعه وتمسكه بالقيم العليا بل الاغلبية تنزع عن وجهها قناع الاخلاق وتقفز نحو سرير زليخا دون اي حساب لبقية الامور كما فعل بيل كلنتون مع مونيكا لوينسكي! أو يظهر وجه اخوة يوسف الغادرين من تحت صورة وجه يبتسم لك فيغرسون سكينهم في قلبك وانت تظن انهم حماتك ورفاقك المخلصين!

خذوا مثلا ما حصل بعد غزو العراق حيث ان أمريكا تعمدت تسليم الحكم لحثالة المجتمع رغم ان تلك الحثالة تعلم انها حثالة وانها تافهة ولا تملك الحد الادنى من المؤهلات للمشاركة في الحكومة ومع ذلك قبلت بل نزعت عنها كل اقنعة الخير وانغمست في مستنقعات الشر الاكثر خطورة فهدمت الدولة وفتت المجتمع رغم انها كانت تعلم انها غير قادرة على قيادة حمار واحد! الانانية وقوة دفعها هي التي حددت طريق الحثالة العراقية نحو تفتيت الدولة والمجتمع! والكارثة الاعظم هي ان هذه الحثالة وبعد ان عرفت بصورة كاملة انها دمرت المجتمع والدولة زاد اصرارها على مواصلة تخريبها وهو الذي جعل أمريكا تواصل دعمها لان أمريكا هي ترامب وترامب هو أمريكا.

في فترة ما قبل وضع الحثالة في العراق حكاما كان بعضهم انسانا عاديا جدا يكذب قليلا وقد ينافق قليلا وربما يعتدي قليلا بحكم خوفه من الاخرين ولكنه ما ان وجد الدعم وانه صار وزيرا أو نائبا حتى تفتحت كل ابواب الشر الكامنة فيه وحولته إلى مخلوق رافض لاي اخلاق وقانون دافنا ضميره تحت جثث الاف الناس! هل اصبح واضحا لم سطا اينشتاين على جهود غيره؟ ولم سطا ترامب على تريليونات العرب؟ انه الاستعداد الفطري في الانا للعودة إلى الوحشية ما ان تجد فرصة لها. ان ما يفسر السر في البروز الكبير لانشتاين وحمايته من الادانة بتهمة سرقة جهد الاخرين هو اثبات ان اليهود هم (شعب الله المختار) وان اغلب عباقرة العالم منهم وبما ان اينشتاين كان يهوديا فقد حمي من الفضح لاثبات ذلك رغم ان اليهود بشر مثل غيرهم في ذكاءهم وسلوكهم وتكوينهم.

هل عرفتم الان ما اهمية الانقلابية، اي ضرورة البدء بتغيير الذات قبل تغيير المجتمع، بصفتها الاداة الرئيسة لمنع ردة الانسان نحو التوحش الكامل من خلال محاصرة الوحش بقوانين وانظمة وضمير؟

زر الذهاب إلى الأعلى