[esi views ttl="1"][esi views ttl="1"]
آراء

ماذا تبقى من الاستقلال المنقوص؟

ماذا تبقى من الاستقلال المنقوص ومن نضالات جيل التحرير وصراعه العنيف مع الاحتلال الأجنبي بعد أن صار الواقع محاصراً من احتلالات أشد لؤماً وأسوأ عاقبة؟


لا أحد الآن أو في الغد كما بالأمس يستطيع أن ينكر التضحيات الجسام التي قدمها جيل التحرر من الاحتلال الأجنبي، لكن ذلك الجيل العظيم لم ينتبه إلى أن الاستقلال الذي كان ينشده وتحقق بفضل تضحياته قد بقي استقلالاً منقوصاً ولم يكن تاماً كما كانت تقول شعاراته، ووجه النقص يتمثل في غياب المشروع النهوضي بأركانه الاقتصادية والثقافية والاجتماعية. فقد ظن جيل التحرر أن خروج الاحتلال من الأقطار العربية سيجعل من هذه الأقطار جنات ذات رخاء وسخاء. وظل ذلك الغياب ينتقل من جيل إلى جيل، إلى أن وصل إلى الجيل الراهن الذي يقف في طريق المتغيرات المذهلة بلا دليل أو مشروع، لا سيما حين يتبين لهذا الجيل أن المشروع المطلوب لم يعد وطنياً بل قومياً أيضاً يلبي حاجة التكامل، ويتحدى الاعتماد على الآخر، سواء في تصريف الإنتاج أو في استيراد الاحتياجات.
لقد تأخرنا كثيراً، وتأخر المشروع المطلوب رغم كل ما قيل وما كتب وما تم إعداده من مشاريع جادة لم يكن ينقصها سوى البدء في التنفيذ، وشهد الوطن العربي- على المستوى القطري والقومي- أنشطة مختلفة وهيئات تعمل ليل نهار على ما يملأ الفراغ ويحدد معالم الطريق عبر بوصلة لا تخون ولا تنحرف. لكن بعض الأنظمة- وفي حالات من التشتت والانقسام- لم تكن على استعداد لتلقي هذه الجهود أو حتى النظر فيها. لذلك فقد كان العالم من حولنا وبالقرب منا يسير ونحن في حالة ركود وجمود لا يزيدهما النقد الجاد والتنظير غير الجارح إلاَّ استهتاراً واستمراراً في رفض كل ما من شأنه أن يتغلب على المعوقات ويجعل القافلة تسير لا للحاق بالآخرين فقط، وإنما لتجاوز حالة الركود والخروج من دائرة الحيرة التي تلف بشباكها كل شيء حي في أقطارنا المنقسمة والمتخاذلة.
وكم هي الحسرة قاسية ومريرة عند النظر إلى بعض الأقطار العربية المنزلقة في الحروب الداخلية التي يغذيها الخارج بطريقة مباشرة أو غير مباشرة، وقد يشارك هذا الخارج في إذكاء نيرانها من الداخل، ولا يخجل في أن يكون فرداً في منازعات داخلية. يزيد خطورة هذا التدخل، غياب الرادع الدولي وسقوط المنظمات الأممية في مستنقع المساومات أو الرضوخ لقوى الهيمنة، وكل ذلك ساعد على استمرار النزيف وتجدد الحروب وانتقال عدواها من قطر عربي إلى آخر، وما تحدثه من خلخلة في النسيج الوطني من ناحية، وما تكلفه من ضحايا بريئة من ناحية ثانية. وإذا كان الإحساس الإنساني قد صار مفتقداً في القيادات الضالعة في الدم، فأين ذهب هذا الإحساس في النخب الفكرية والقيادات الشعبية؟ وهو سؤال تحتاج الإجابة عنه إلى أبحاث لا تسمح هذه الزاوية إلى الإشارة إلى عناوينها.
والسؤال الذي يواجه الواقع الراهن هو: ماذا تبقى من الاستقلال المنقوص ومن نضالات جيل التحرير وصراعه العنيف مع الاحتلال الأجنبي بعد أن صار الواقع محاصراً من احتلالات أشد لؤماً وأسوأ عاقبة.

زر الذهاب إلى الأعلى