[esi views ttl="1"][esi views ttl="1"]
اهتمامات

من التاريخ: عن "الأطراف المعنية في اليمن" لمحمد أحمد النعمان

بطرس غالي مقالة من  أرشيف التاريخ: عن "الأطراف المعنية في اليمن" لمحمد أحمد النعمان


كانت الندوة التي أقيمت في بيروت في ختام 1968 فرصة أتاحت لي لقاء كثيرين ممن أحب أن ألقاهم، وأتعرف أخبارهم، وأقف على مدى نشاطهم العلمي أو الأدبي أو السياسي. وكان من هؤلاء الذين أحب لقاءهم المجاهد اليمني اللامع السيد محمد أحمد نعمان الذى طالما شغل مراكز قيادية في منظمة الأحرار اليمنية التى أخذت على عاتقها منذ تكوينها مناهضة حكم الإمامة. والذي مثل اليمن في القاهرة باعتباره مندوبا دائما في الجامعة العربية والذي تولى شئون الرياسة. ثم صادر نائبا لرئيس الوزراء، وأخيرا عيّن سفيرا متجولا لجمهورية اليمن.

وتذكارا لهذا للقاء الذي أتاحته لنا تلك الندوة أهدى إلى دراسة قيّمة لمشكلات اليمن. أصدرتها لنا مؤسسة الصبان للطباعة والنشر بلبنان بعنوان: "أضواء على طريق اليمنيين: الأطراف المعنية في اليمن".

عناوين ذات صلة

والأطراف المعنية تسمية استمدها السيد محمد أحمد نعمان من البيان المشترك الصادر في 14 9 1964 من مباحثات الإسكندرية حول قضية اليمن. ويرى أن هذه التسمية كانت مشاركة واعية لحل المشكلة بقدر ما كانت تسمية مدركة، ويرى أن الأطراف المعنية ليست تعبيرا دبلوماسيا للتخلص من إشكالات سياسية فحسب، ولكنه كذلك تعبير تاريخي، وتحليل اجتماعي للقضية اليمنية في جوهرها.

ثم يروح في ثنايا البحث يوضح الأطراف المعنية فيذكر أن ظروف اليمن، وطريقة حكم الإمامة جعلت الشعب طوائف وشيعا متنافرة متناهضة متعادية، ويذكر من هذه الطوائف والشِّيع: الهاشمي والقحطاني، والزيدي، والشافعي، والتهامي، والجبلي والرعوي، والقبيلي، والعسكري، والتاجر، والفقيه، والكاتب، والضابط، والشيخ.

وهؤلاء جميعا في تدابيرهم وتنافرهم ينسون أنهم قبل كل شيء يمنيون، وأنه قبل أن يوجد عدنان وقحطان وجد اليمن ليكون مجالا لحياة من يعيشون عليه ولتتلاشى في سبيل الحفاظ عليه، كل نزعاتهم وكل تشيعاتهم، ولكن مما يدعو إلى الأسى والأسف أن التناقضات ظلت قائمة بين هؤلاء الأطراف، بل كان الزمان يزيدها عمقا واتساعا.

حقا كانت مشاعرهم جميعا معبأة ضد النظام الأمامى ولذلك اتفقوا في التصفيق لحركة الضباط في السادس والعشرين من سبتمبر سنة 1962، إلا أن بواعث السخط على النظام الإمامي كانت تختلف بين فئة وفئة، وطائفة وطائفة، وساعد على ذلك تباين أشكال الحكم بتباين المناطق وهي كثيرة متعددة في اليمن، فمشاكل المواطنين في تعز وفي إب غير التي يعاني منها ساكن صنعاء أو تهامة، والمستنيرون مع قلتهم صلاتهم ببعض مقطوعة، وأحاسيسهم مختلفة. فالمستنير في تعز ينفعل أكثر ما ينفعل بالمظالم التى يصبها العسكري أو المأمور على الفلاح، والمستنير في صنعاء متبرم بالتزمت الديني، والتعصب السلالي.

ثم يشير إلى انقسام اليمن إلى بدو وفلاحين وضعف الطبقة التجارية لقلة الفائض من الإنتاج العام، ويبين كيف أن جدب المناطق الشمالية قد حصر مجالات الرزق في الرعي، وجعل الرعاة مضطرين إلى عدم الاستقرار والاندفاع من مواقعهم الأصلية إلى حيث الأرض الخضراء وكيف أن الحكم في سبيل بسط سلطانهم وفرض سيطرتهم خلقوا مبررات عقائدية تصور الاغتصاب (السطو) في صورة العمل المشروع وكأنه جهاد في سبيل الله.

ويعود إلى التاريخ ليبين في عجالة وجيزة كيف قدمت طلائع الأئمة العلويين إلى اليمن فرارا من ظلم أنباء عمومتهم العباسيين. وكيف وجدوا اليمن حين قدموا إليها بلادا يخضع السهل فيها لحكومة والجبل لحكومة وكلاهما في صراع مرير مستمر.

ثم يقول إن العهد المتوكلي الذي دام من سنة 1918 إلى 1962 كان آخر ما وصل إليه الحكم المتعصب في اليمن، وأن العهد المتوكلي كان يسيّر مجموعات من قبائل الشمال نحو الجنوب للاستيلاء على المراكز وجباية الزكاة، وكان يضع على رأس هذه المجموعات أشخاصا عرفوا بالتعصب للسلالة الهاشمية والحقد على الذين لم يتعصب أجدادهم منذ أقدم العصور لحقّ على بن أبي طالب. وكان الجندي من هذه المجموعات يسمى المجاهد في سبيل الله وله سلطة مطلقة على السكان ومن حقه أن يخرج من شاء من داره يقيم هو فيها، ومن أبى من السكان أن يبيح داره للجندي فإن الدار تهدم أو تحرق فهذا حق مباح للجندي.

ومن خصائص الإمام يحيى أنه أثار بين قبائل الشمال وبعضها مشاكل عديدة بين القبيلة أو بين أجنحة القبيلة الواحدة. والمجتمع القبلي بطبعه حافل بالتناقضات، والإمام يستعين بها في جعل هذه القوى دائمة الانشغال ببعضها، ولقد آثار الخلافات عن طريق المحاكم والإدارات وقيادة الجيش بين أفراد القبائل، وبين أبناء المدن الشمالية نفسها حتى صار المقيمون في صنعاء من قضاة وموظفين وكتبة في دواوين الجيش، محل نقمة دائمة من أبناء القبائل الذين يتعاملون معهم لأنهم يسلبون ما في يد أبناء القبائل ويسيئون إليهم ويحقرونهم في المعاملة والمخاطبة.

ويقول الأستاذ نعمان إن شعار الأئمة في إثارة هذه التناقضات هو التعبير الشائع في اليمن والذي يقول "ناب كلب في رأس كلب".

وصنعاء المدينة الأولى في اليمن، أو كعبة الرواد، أو العتبة الخضراء كما يطلق على مقر الإمام يحيى كانت تموج بالمتناقضات ففيها الطبقة الأولى، أو علية القوم من الهاشميين الذين أسهموا مع الإمام في معركته ضد الأتراك، وهؤلاء هم الذين كان يطلق على كل منهم اسم السيد وهو لقب لا يقال لغير الهاشميين هناك، كما أن رئيس الدولة لا يجوز أن يكون غير هاشمي من سلالة السيدة فاطمة بنت الرسول، ومن واجب أفراد الشعب جميعا أن يقبّلوا أيدي هؤلاء السادة أو ركبهم كلما صافحوهم، وليس على الهاشمي إلا أن يتفضل أحيانا بوضع يده على كتف المواطن الذى ينحني لتقبيل ركبته.

ثم يتحدث عن الحركة الشعبية التى حاولت الإطاحة بحكم الأمام أحمد فيقول أنه على الرغم من أن هذه المحاولة قد فشلت فإن الأسرة المالكة خرجت منها ضعيفة. فإن الإمام قد أعدم اثنين من أخوته، ونفى اثنين آخرين، وانقسمت الأسرة على نفسها بالنسبة لولاية العهد فقسم يؤيد البدر وقسم يؤيد الحسن. ومع الجهود التي بذلت للقضاء على الإمام أحمد والخلاص من حكمه فإنه مات موتا طبيعيا على إثر حمام ساخن.

وفي السادس والعشرون من سبتمبر سنة 1962 دوت المدافع مصوبة طلقاتها على قصر البدر في صنعاء، وكان الظن أنه هلك تحت الأنقاض غير أنه لسوء الحظ نجا، وكانت الرشاشات تعبر عن مشاعر الحقد والانتقام من المعممين المتربعين على الكراسي حول الأئمة سواء كانوا هاشميين أو قحطانيين.

وبعد عرض كل هذه التناقضات وغيرها يقول أنه لا سبيل إلى إصلاح اليمن إلا بتخليصه من التناقضات، ولا يكون هذا إلا على أيدي رواد يكونون عادة من الفئة المستنيرة الأخذة بنصيب من الثقافة الإنسانية غير أن حظ اليمن من هؤلاء كما يقول، كان شحيحا حين قامت ثورة الأحرار، وهم الآن أكثر شحا.

إلى هنا وُفق السيد محمد أحمد نعمان أيما توفيق في بحثه، ورسم في كتابه صورة صادقة للتناقضات التى يحفل بها شعب اليمن والقول المأثور هو أنه إذا عرف الداء سهل الدواء، وقد عرف الداء وهو التناقضات فعرف به الدواء وهو إيجاد طبقة مستنيرة من اليمنيين أنفسهم تجاهد في سبيل الخلاص من هذه التناقضات.

وميزة هذا الكتاب في رأينا، أنه رسم صورة صحيحة لواقع اليمن. وهذه الصورة تدعو جميع المثقفين والرواد من اليمن أن يعملوا على تخليص وطنهم من هذا الداء ليقوم المجتمع فيه على أساس من الحرية والمساواة والعدالة وتكافؤ الفرص أمام الجميع.

. بطرس غالي الأمين العام الأسبق للأمم المتحدة
. من مقالة بمجلة "السياسة الدولية" ابريل 1969
. الصورة: محمد أحمد النعمان وزير الخارجية الأسبق بالجمهورية العربية اليمنية

 

لتحميل كتاب الأطراف المعنية في اليمن من نشوان نيوز

محمد أحمد نعمان
محمد أحمد نعمان

عناوين ذات صلة:

الوسوم
زر الذهاب إلى الأعلى