[esi views ttl="1"][esi views ttl="1"]
آراء

قراءة سَنِية في "الخيوط المنسية"

د. متعب بازياد يكتب: قراءة سَنِية في "الخيوط المنسية"


كانت نخب الحكم وعظماء السلاطين على مدى التاريخ، مدركة أيما إدراك، لدور العلماء وفلاسفة الحكمة في نهضة بلدانهم، كما هو دور الفن والأدب في إذكاء روح الانتماء وتعزيز الهوية والاعتزاز بالنفس مقابل الآخر. احتفاء أمراء اليونان بكتاب "الأمير" لميكافلي كان نموذجا لهذا الإدراك المبكر.

وفي تاريخنا العربي الإسلامي وتاريخ اليمن، نماذج لهذا السلوك المتأصل في عرف الحكم وسيرة الحكام الأكثر نجاحا من غيرهم. كان الصلحاء النجباء في كل عصر يعتبرون هذه المهمة التنويرية واجباً عينياً عليهم تجاه أوطانهم، فهم الأقدر على الوصول لبلاط الحكام والأقدر على حمل أشواق الأمة إلى مجالسهم ودواوينهم. وبتمكنهم من فن الكتابة أو الخطابة، قدموا نصائحهم في قوالب فنية وأدبية غاية في الجمال وسحر البيان، كانوا يمثلون مراكز دراسات ووحدات بحث استراتيجية لتلك الحقبة التاريخية.

وبتلك الجهود الجبارة لنخب العلم والفقه والفن والادب، ارتقى ذوق الحاكم وصقلت مواهبه فأورثته نوراً لبصيرته فنبلُت سيرته وظفرت مسيرته.

وأنا أقرأ كتاب الزميل الباحث عادل الاحمدي "الخيوط المنسية: اليمن و٣٠ عاما من حكم علي عبدالله صالح"، كانت تتمثل أمامي تلك القامات العلمية السامقة من رجال الفكر والأدب والفلسفة، وهم حادبون على مسيرة أمتهم شاخصة أبصارهم لمعالي الغايات وغاية الرسالات، في دأبهم وجهادهم حول الحاكم كقائد لمسيرة مظفرة تبني بالمجموع دولة الجميع.

في سِفر متواضع بعدد صفحاته (165صفحة)، قدّم الكاتب خلاصة مختصرة ومركَّزة لمسيرة قائد يهِمُّ بالترجّل بعد رحلة شاقة، فكأنه يقول له (لقد احسنت الدخول فأحسن الخروج)، وبنبرة حانية يسأل معارضة تتقدم -لخلافة نظام صالح- لتجربة القيادة، ما إذا كانت في الصورة من حقيقة ما يدور في كواليس الحكم، وصراعات الأجنحة، تربص التاريخ وعواصف اللحظة.

الحقيقة أن الكاتب قد توصل لكثير من الحقائق المؤلمة، حول أزمة الحكم والمعارضة معا. البلد على حافة هاوية سحيقة من الشك والشك المتبادل.. فصالح "لم يعد يحب ولم يعد يثق ولم يعد يصدّق". ومعارضة لم تعد تصدقه ،حتى عندما أعلن اعتزاله ذهبت تشكك في نواياه بدلا من المضي بجدية استعدادا لخلافته.

إن سكرة اللحظة لدى الطرفين أعمتهما عن كثير مما يحيط بهما، فيما يتعلق بترتيب انتقال سلس للسلطة في البلد، معارضة قوية شعبيا، لكن ليس كل شيء يصنعه الشارع في اليمن المصنفة كديمقراطية ناشئة. رئيس استنفد كل رصيد انجازاته ومقدرة تنظيمه -المترهل- على الحشد، فالشارع يطالب بكل شيء –وهو محق- في مواجهة جيش عريض من الموظفين المتسللين للوظيفة العامة بعد كل حفلة انتخابية لحزب الرئيس.

غاص الكاتب أيضا في خلفيات صراع السلطة في اليمن غير بعيد عن قضايا رئيسية يجب أن تكون في صلب رؤية حاكم اليمن، الوحدة الوطنية واستقلال القرار السيادي وتأثير الموقع وعلاقات الإقليم، وهذه قضايا لاتزال محل جدل كبير، وبقدر تصدرها أو تأخرها في أجندة أي حاكم لليمن، تكون مقدرته على لملمة شتات الوطن أو فشله في إنجاز يبرر استمراره في الحكم.

الكتاب صدر في العام 2008م. لكن مادته تتجدد مع كل حاكم وكل معارضة. وفيما نعيشه اليوم شواهد كثيرة "فعندما يغيب المشروع الثقافي للوحدة الوطنية.. وفكر الثورة اليمنية... وكنتاج طبيعي لاجتماع المعاناة والانتهازية السياسية.. وغياب المشروع الوجداني الناظم لأشواق الشعب، تظهر المشاريع الصغيرة، القروية والعنصرية والطائفية، مطلّة برأسها من بين الرماد، تهتاج مقتاتة من برميل قمامة التاريخ".

عناوين ذات صلة:

الوسوم
زر الذهاب إلى الأعلى