[esi views ttl="1"][esi views ttl="1"]
آراء

الفن اليمني: من الإبداع السبئي إلى دروشة المتوردين!

د. فاروق ثابت يكتب: الفن اليمني: من الإبداع السبئي إلى دروشة المتوردين!


عرف السبئيون منذ بداية نشأتهم الغناء والموسيقى ضمن قصائد شعرية موزونة ولعل الجميع عرف عن قصيدة ترنيمة الشمس السبئية التي عدها النقاد ملحمة عظمى للمملكة في العبادة والحكم والسيطرة والرخاء والتنمية ومباركة الالهة.

وأكدت شواهد آثارية ونقوش سبئية استخدام الآلات الموسيقية على غرار الحضارات الاغريقية والفرعونية والاكدية، غير أن الآلات الموسيقية السبئية اختلفت عن الآلات في الحضارات المجاورة، وهو الأمر الذي يؤكد استقلال الفن السبئي بذاته وتكوينه هويته الخاصة. على ان الآلة لم تكن سوى مجرد ترنيم وإيقاع مساعد لصوت الفنان الذي ينقل أحاسيسه وأشجانه الخاصة إلى أذن الذائقة من المجتمع السبأي اليماني العريق.

وتنوعت الآلات السبأية بين (العود، الهارب، الصنج، الطبلة، الصلاصل)، وفقا لما أورده البروفيسور محمد باسلامة أستاذ التاريخ اليمني بجامعة صنعاء.

فيما استبدل الفن اليمني، بل وقضي عليه منذ مجيء الهادي الرسي وحولوه إلى مدائح لآل البيت وأناشيد كلها تصدح بمدحهم والنبي "العدناني!" (عليه الصلاة والسلام)، (بما يضفي عليه الطابع الأسري وليس الرسالي) وآله والمختار "من مضر!" والنبي المدني "وآله الاخيار عن كمل!"، في الأعراس أو حتى مناسبات التعازي وذكرى الوفاة. فيما جعلوا المساجد تصرخ في ليالي فجر كل خميس بما يسمى بالصلاة على الال وحرم الائمة الغناء على اليمنيين وكانت عقوبة الفنان قد تصل حد الإعدام لاعتبار ذلك كفراً!

بالمقابل لم يظهر لنا أي شاعر غنائي منذ أن حكم اليمن الائمة باستثناء القاضي نشوان الحميري والعبقري لسان اليمن الهمداني وهما اللذان تم تكفيرهما من قبل الائمة لاعتزازهما بالقحطانية شعرا ولم يصلنا منهما سوى نتجاتهما الأدبية السياسية والفكرية محاربين لفكرة احتكار حكم الناس في مسمى (آل البيت).

وقد وصلت إلينا نتاجات أدبية غزلية كثيرة لما سمي بالامراء الهاشميين من أحفاد الأئمة وهي قصائد مشهورة يبدأونها ويختمونها بالصلاة على أنفسهم.

يقول البروفيسور باسلامة في تصريحات نقلتها صحف رسمية يمنية: «اتضح من خلال الفحص أن اليمن قديما امتلكت أنواع وأشكال الآلات الموسيقية مثل العود، الهارب أو الصنج، والطبلة، والصلاصل». ويؤكد ان الدراسة والمقارنة بينت: «أن هذه الآلات تفردت بها الشواهد السبئية عن غيرها مما عرف في مناطق حضارات العراق ومصر وغيرها من حيث الشكل أو التكوين العام وتشابهها في الأداء وأدواته الصوتية».

وكانت موسيقى السبئيين في الأساس صوتية نغمية، يلعب الصوت البشري فيها دورا رئيسيا وشبه تام، بينما لا تلعب الآلات الموسيقية إلا دورا لا يتعدى مرافقة المغني أو مساعدته ليرتاح قليلا ثم يعود ثانية للغناء. بمعنى أن العزف أو الغناء لم يقتصر في الحضارة السبئية على الرجال دون النساء بل كان حالة اشترك فيها الجنسان على حد سواء، يؤكد ذلك باسلامة: «أجمعت الشواهد السبئية قيام النساء بحمل الآلات الموسيقية والعزف عليها وهو ما يعني أداء الغناء أيضا بكلمات تتفق والمناسبة الدينية، وأن بعض شواهد القبور السبئية تميزت عن غيرها بمناظر الطرب، تعزف فيها النساء وتحمل آلات موسيقية متنوعة،وترية وإيقاعية وغيرها، كما حملت هذه الشواهد التي نحتت على ألواح من الحجر الرخامي والجيري أسماء شخصياتها النسائية، وبعض تلك الآثار معروض في متحف صنعاء الوطني والبعض الآخر ضمن مجموعات خاصة”.

ويشير باسلامة إلى إن هناك شواهد سبئية “تظهر حالة الجلوس للنساء أصحاب الشواهد ممسكات جميعها بآلات موسيقية مختلفة وهي في حالة الوقوف وقد أحاطت بها المناظر المعمارية والزخرفة النباتية وعناصر حيوانية وموائد الطعام”. وحسب باسلامة فإن اغلب تلك الشواهد تعود إلى فترة ما قبل الميلاد.

ويؤكد الدكتور محمد باسلامة، أن الآلات الموسيقية في تلك الشواهد قد أتت متشابهة في شكلها مثل آلة الهارب ذات الصندوق المدور والسيقان الجانبية والحامل للأوتار، وكذا الطبلة المقسمة إلى جزيئين مدور مزخرف الحافة وسفلي مخروطي الشكل وآلة الصلاصل التي ظهرت بشكل بسيط لكنها حددت الجزء العلوي والقضيب الطويل الذي ينتهي بما يشبه الكرات المصوتة.

شواهد من متحف صنعاء

و يعرض المتحف الوطني بصنعاء لوحاً من الرخام مكسوراً في جزئه العلوي عليه مشهدان بالنحت البارز “بارتفاع 40 سم وعرض 22 سم وسمك 5 سم”، المشهد العلوي يظهر فيه سرير مرتفع قليلا عن الأرضية يقوم على قواعد مستطيلة مركبة، تبدو قاعدة الجهة اليمنى وركيزتان في الوسط وفي الطرف الأيسر جزء من قاعدة كرسي مرتفع والجزء السفلي من ثوب شخص يغطي القدمين بينما تظهر فوق السرير طية ثوب شخص مستلقٍ على السرير.
فيما يظهر المشهد السفلي امرأتين جالستين متقابلتين على جانبهما عمودان بتيجانٍ ناتئة، وتمسك المرأة التي إلى اليمين بآلة موسيقية وترية “الهارب” أو “ الصنج” أسفلها صندوق مدور ولها رأسان جانبيان وحامل الأوتار التي تنزل عمودية على الصندوق المدور المصوت، ويظهر وضع الأيدي حالة العزف على الأوتار بسبابة اليد اليمنى بينما ترتفع اليد اليسرى من الخلف تنبر الأوتار بأصابعها الخمس، أما المرأة الجالسة إلى اليسار فإنها تمسك بالة إيقاع «طبلة» مدورة بحلقات وترتفع اليد اليمنى استعدادا للضرب على الآلة.

العود في المنحوتة السبئية

ويذهب با سلامة إلى إن قدم آلة العود في اليمن دليل على أن ما جاء بعدها وما عرف في البلاد العربية وغيرها إنما كان امتدادا لها.. ويقول: «شكل العود في المنحوتة السبئية لا يختلف تقريبا عن العود الحديث وهو يحتوي على ثقبين مدورين لتقوية وتضخيم الصوت الذي ينبعث من الآلة أثناء العزف، ويتكون العود من صندوق صوتي مصنوع من الخشب بشكل نصف الكمثري تتصل به اتصالا وثيقا الرقبة مع البنجق «الرأس أو نهاية الرأس» ويغطي صدره أو الوجه بالخشب ويحتوي الوجه على فتحات مختلفة الحجوم تسمى الشمسية، وتشد أوتار العود بصورة موازية لوجه الصندوق الصوتي اعتباراً من الملاوي «المفاتيح» ومارةً فوق الرقبة ومنتهية عند الفرس» قضيب صغير من الخشب يركب رأساً على صدر العود به نقوش ثنائية لربط أطراف الأوتار”.

وترجع أكثر المصادر التاريخية تأكيدا أول ذكر لغناء اليمن لما قبل الإسلام إلى القرن التاسع الميلادي.

. في الصورة نحت على الرخام لامرأتين واقفتين إحداهما تمسك عوداً سبئيا ذا ثقبين يشبه العود الحالي، وأخرى بجانبها تمسك مبخرة، وثالثة تجلس على كرسي قد يكون الغناء في حضرة الملكة أو امرأة سبأية رفيعة، أو أن الجالسة عروس سبئية والواقفتين إحداهما تزف العروس غناء وعزفاً بالعود والأخرى تبخرها لتجهيزها للعريس، وكذا لطرد الارواح الشريرة.

عناوين قد تهمك:

حنين إلى أبين وأهلها الكرام

 

الوسوم
زر الذهاب إلى الأعلى