[esi views ttl="1"][esi views ttl="1"]
آراء

جمال عبدالناصر وثورة سبتمبر.. نصف قرن من الحضور

موسى عبدالله قاسم يكتب: جمال عبدالناصر وثورة سبتمبر.. نصف قرن من الحضور


بين سبتمبر 1970 وسبتمبر 2020 ظل الزعيم العربي الخالد جمال عبدالناصر حاضراً بقوة -رغم الغياب- في كل الأحداث والتحولات التاريخية في منطقتنا العربية واليمن على وجه الخصوص، ذلك لأن عبدالناصر هو الزعيم العربي الوحيد الذي اختلف حوله العرب من محيطهم إلى خليجهم، بين قادح ومادح، واتفق حوله اليمنيون جميعاً بشتى انتماءاتهم وتبايناتهم، اتفاقا تاما على أن الزعيم الراحل بدد ظلمة الإمامة الإرهابية في بلدهم، بصدق الثائرين وإيمانهم، وعزيمة الأحرار المخلصين لأمتهم ولمبادئهم الإنسانية التحررية.

في ثورة سبتمبر الخالدة التي نعيش عيدها اليوم، كان جمال عبدالناصر مؤمناً بعدالة القضية اليمنية، وحق اليمنيين في التحرر والانعتاق من حكم سلالي متخلف جاثم على موطن الخليقة الأول ومهد العرب أجمعين قروناُ من الزمن.

ولأنه عربي أصيل وتحرري صادق، أسهم ناصر مع جيشه العربي المصري في دعم طليعة الثوار اليمنيين الأحرار تخطيطاً وتمويلاً قُبيل تفجير ثورة أيلول الخالدة، حتى "أطلّ التاريخ من شرفة الدنيا ابتهاجاً" بنصر اليمانيين الأقحاح وتبديد ظلمة الإمامة الهاشمية الدخيلة على موطنهم السبئي الحميري.

دعونا اليوم ونحن نعيش غمرة الذكرى ووجع المأساة الراهنة بعد أن عادت علوج بني هاشم مسدلة ستار الظلام مجدداً على اليمن السبتمبري، دعونا نعِد قراءة جمال عبدالناصر، الإنسان، العروبي، الثائر، حتى نفهم الدوافع التي جعلت ذلكم العربي الشهم يقدّم آلاف الشهداء على أرض اليمن دفاعاً عن ثورة الألف عام وعن حق اليمنيين في الحياة أحراراً كراماً أعزاء، قراءة تهدف في أساسها لتذكير الشعب اليمني والجيل اليماني الراهن بمن انتصر لماضيه وافتدى بدماء جيشه ثورتهم الندية وجمهوريتهم الأولى، كما أنها أيضاً قراءة لتاريخ الثورة السبتمبرية ويومياتها المباركة.

في خطابه أمام فِرق من الجيش العربي المصري التي عادت من ساحات الانتصار لليمن الأرض والإنسان، قال عبدالناصر مخاطباً الأمة وراسماً خريطة تكوينه التحررية:

"أيها الرجال:

يا أبناء أمتكم الأوفياء، ويا جنودها الشجعان،
لقد كانت معركتكم في اليمن فريدة من نوعها في التاريخ؛ لأول مرة يذهب جيش كامل إلى أرض بعيدة لا غازياً ولا طامعاً ولا مستعمراً.. لقد بدأت الرجعية بسفك الدماء في اليمن بعد ثورة شعبية ناجحة قام بها شعب اليمن متخذاً من جيشه طليعة لتقدمه، ومع صعوبة الظروف التى مرت فيها ثورة اليمن بقيادة الرئيس عبد الله السلال فإن أحداث الثورة مرت بيضاء بغير دم، وأعقبها هدوء كامل يدل دلالة واضحة على شعبية الثورة اليمنية وقوتها، وكونها تحقيقاً أميناً لإرادة جماهير الشعب اليمنى؛ سواء في حواضره العريقة، أو في مناطق قبائله الأصيلة.

وبعد 15 يوماً من نجاح الثورة في اليمن.. وبعد الفرحة الشاملة.. وبعد الهدوء الكامل استعداداً لتحمل مسئوليات البناء من العدم، بدأ إطلاق النار على الحدود الشمالية الشرقية، وبدأت جيوش الرجعية المرتزقة -تحت قيادة الفلول الهاربة من أسرة حميد الدين- تحاول الانقضاض على الثورة انقضاضاً دموياً؛ لا يستهدف إبادة أمل الثورة الشعبية في اليمن فحسب، وإنما يستهدف أيضاً إبادة أي فرصة للحياة على أرض اليمن".

هكذا يشخص الزعيم العربي الخالد انتصاره لليمن ولشعبه الذي هدهده الجهل والدجل الهاشمي السلالي لأكثر من ألف عام، وهو الذي لم يخفَ عليه واقع اليمن المرير في ظل الحكم الإمامي المتخلف، إذ يقول في خطابه:

"لقد كانت معركة قاسية.. لكنها كانت معركة عظيمة تلك التى حاربتم فيها حتى النصر في اليمن، ولم تكن قسوتها بسبب الظروف الطبيعية التى تسود اليمن نتيجة لما فرضه حكم التخلف على شعبها المناضل العظيم، وعلى أرضها التى تركت للفقر والخراب مئات السنين بل آلافها، وإنما منذ الدقيقة الأولى كان هناك قرار خطير وحاسم لابد من مواجهته، هذا القرار الخطير والحاسم يتعلق بمبدأ كنا نضعه دائماً فوق كل اعتبار؛ وهو أن السلاح العربى لن يسفك دماً عربياً، لكن الخيار في اليمن لم يكن بأيدينا، لكنه كان ضرورة؛ وإلا فإننا نسلم للرجعية بسفك الدماء على هوى مطامعها، ونجرد المبادئ من كل سلاح بالحق يحميها".

كان جمال عبدالناصر صادقاً في تعامله مع ثورتنا السبتمبرية الخالدة، ذلك أنه رأى صدق الثورة اليمنية وعدالتها، وشاهد تلهف اليمنيين الأقحاح لطي صفحة الدخلاء على بلدهم الذين أوقفوا عجلة تقدمه ومواكبته للعصر، بعد أن كان شامة عزٍّ بين الأمم ومنارة فخر للعرب أجمعين، إذ يقول الراحل ناصر:

"إن الشعب اليمنى بقيادته الثورية أكد بصموده وبإصراره على إعادة بناء حياته أنه صاحب حق لا ينازع في مساندة عربية تقف معه، مساندة فعلية واقعية تواجه النار بالنار، ولا تواجه النار بالكلمات الخالية من القوة، لا تضع أثراً وإن طابت نواياها".

ذهب ناصر إلى رحاب الله وهو مطمئن بأن بلداً عربياً تطّهر من رجس الطغاة بسواعد أبنائه الأطهار ومساندة مصر العروبة جيشاً وقائداً، لكن رجس الرّس عاد ثانية اليوم ليدنس الأرض اليمانية بخرافة الولاية والارتزاق النبوي، ومثلما حمل ثوار سبتمبر السبئيون الأحرار سيوفهم السبئية وهدموا أصنام السلالية الوافدة، فإن أحفادهم اليوم لم يسلموا بلدهم ولن يستسلموا، هاهم اليوم يحملون الرؤوس على الأكف، والجمهورية على النواصي، دفاعاً عن وجودهم، ثورةً وجمهورية، ولسان حالهم يقول:

وأنت الذي لم تغب يا جمالْ
وصوتك في سمعي لايزالْ
يرن كناقوس فِصْحٍ معتقْ
وهذي اليد التلوْح كفجر بهيٍّ
بأرض اليمنْ
حين مديتها بجنود الكنانة
وسلاح العروبة
كان الخراج شروقاً لصبح البلاد المبين.

وأنت الذي لم تغب يا جمالْ
وهذي البلاد التي لاح فيها الصباح عقودا
غزاها الدجى من جديد
فهلا رجعت إلينا بكفك هذا الأمين.

شموس الضحى خلف تلك التلال
وليل السلالة في أرضنا ما يزال
وهذا الغلام الذي صاح يوماً
ثورة ثورة يا جمال
ثورة ثورة يا رجال
غزاه المشيب
وفي صدره لم تزل شعلة الثائرين.

عناوين ذات صلة:

زر الذهاب إلى الأعلى