[esi views ttl="1"][esi views ttl="1"]
آراء

تسمية السيد والقبيلي.. الجذر التربيعي للكهانة

مصطفى محمود يكتب: تسمية السيد والقبيلي.. الجذر التربيعي للكهانة


على الرغم من التطورات الحقوقية والاجتماعية، مازالت معادلة السيد والعبد فاعلة ومؤثرة في المنظومة القيمية لقطاعات من المجتمع اليمني تحت تسمية مضللة هي تسمية السيد والقبيلي الشائعة في اليمن وبالذات في شمال الشمال.
وعلى الرغم من أن هذه الإشكالية غير مبنية على أسس قانونية أو دينية فعلية، إلا أنها وبفعل شيوعها وانتشارها تعد عاملا من عوامل التأخر والتخلف، بفعل ما تنطوي عليه من إشكالات نتيجة ما تفرزه من قيم بعيدة كل البعد عن المفاهيم الإنسانية والدينية.
فتقسيم المجتمع اليمني وشمال الشمال منه بشكل خاص، إلى فئتي السادة والقبائل هو تكريس وإحياء للمعادلة القديمة معادلة السيد والعبد البائدة، بغض النظر عن ارتباط المفهوم الجديد بأسس ذات علاقة بالمنطق الديني لا الاجتماعي.
فالفعالية الاجتماعية في اليمن عادة ما تكون مندمجة أو ذات صلة ما بالفعالية الدينية لعدم وجود فوارق واضحة بين القيم الدينية الممارسة والقيم الاجتماعية، نتيجة الواقع المر الذي عاشه اليمن في القرون الماضية وتعرض الإنسان اليمني لشتى أشكال الظلم والاستغلال بشتى أشكاله من قبل المنظومة السياسية الإمامية الكهنوتية.
إن أهم سبب دعم وجود هذه الظاهرة في الواقع اليمني نبع من غياب النخبة الثقافية والفكرية وكذلك السلطة السياسية الجمهورية الفاعلة من المنطقة الحاضنة لهذه الظاهرة، وغياب النخبة والسلطة عادة ما يؤثر تأثيرا مباشرا في المنظومة القيمية، لأنه يدفع لخلق مؤسسات بديلة من أجل إشباع الحاجة الاجتماعية.
ونظرا للطابع الاضطراري لهذه المؤسسات وعدم ارتكانها على أسس قويمة، فإن معيار القوة كان هو الفاعل الأساس في تأسيس القيم الاجتماعية وتنميتها، ما يخلق تباينا مجحفا في الحقوق وتناقضا واسعا في الواجبات يتم تأطيره دينيا ليغدو ملزما وفاعلا.
لقد أدى غياب النخبة الثقافية والسلطة السياسية إلى نشوء سلطتين بديلتين هي سلطة القبيلة وبعض السلطات المرتكزة على الدين، بحيث أخذ كل منهما يعمل على ترسيخ وجوده بشتى السبل والوسائل، وفي الغالب من خلال سلسلة غير منتهية من السنن والأعراف والتقاليد فضلا عن الفتاوى ذات الطابع الاجتماعي، ما خلق تناغما ما بين فعالية السلطتين نحو الهيمنة على مصائر الناس.
إن ابرز ما ابتدعته هذه السلطات هو وضع درجات للنسب بحيث يتم تقسيم الناس على مجموعتين: إحداهما مجموعة النسب الرفيع أو من يطلقون على أنفسهم (السادة) وتشمل الهاشميين بغض النظر عن صدقية هذا الانتماء، والأخرى هي مجموعة النسب غير الشريف وتشمل (القبائل)!!
لقد خلق هذا التباين الحاد بين المجموعتين جملة من التقاليد والسلوكيات المتخلفة المتناقضة مع القيم الإنسانية التي أعادتها جماعة الحوثي السلالية
مثل تقديم السيد في المناسبات الاجتماعية ويسري ذلك حتى على صغار السن وتقبيل الأيدي وبذل الأموال تحت صيغ شتى، ناهيك عن الكثير من مظاهر الخنوع والتذلل ومن ذلك مناداة الهاشمي بلفظة سيدي التي تعود بأصولها إلى الإرث العبودي، وفيما يحض السيد بالحماية الدينية العرفية والتقدير الاجتماعي يوضع القبيلي في درجة التابع أو الموالي بوصفه أدنى درجة من السيد الذي يتربع على رأس الهرم الاجتماعي.
إن أخطر ما تشكله هذه الظاهرة هو إنزياحها إلى القيم والممارسات الدينية، ما يجعل من الصعوبة بمكان مواجهتها والتحرر منها، لأن الدين يشكل بؤرة مركزية في الضمير الجماعي، إذ عادة ما ينظر لأي محاولة لمواجهة هذه الظاهرة غير الإنسانية وغير الإسلامية على انه نوع من التجديف يستدعي الرد المباشر وغير المباشر، والأنكى اقتناع فئة من القبائل بهذا التقسيم وتخضع له انطلاقا من هيمنة التخلف والجهل المضلل.
وإذا كان من الصعوبة بمكان اتخاذ إجراءات مباشرة للحد من هذا التمايز ومنع السلوكيات المرافقة له، فمن الضروري العمل بوسائل أخرى ليكون العمل مجديا ومؤثرا، ومن واجب النخب المتنورة بذل شتى الجهود لمواجهة هذه الظاهرة التي باتت تشكل عبئا ثقيلا على قيمنا وميراثنا الحضاري، ناهيك عما تخلفه لدى الآخرين من نظرة سلبية تجاهنا، لأننا في عصر ينبذ هذا النوع من التمايز البعيد عن مفهوم المساواة الإنساني.
إن القضاء على تسمية السيد والقبيلي في اليمن هو وحده الكفيل بخلق مجتمع حر ينظر إلى الحياة بمنظار انساني صحيح، وإلا سنبقى أسارى لتلك القيم البالية التي تحكمت بنا طويلا وعادت من جديد بسبب عدم محاربتها، وأدت إلى خلخلة نسيجنا الاجتماعي وابتدعت التمايز وخلقت التفرقة التي وضعتنا في أسفل السلم الحضاري للبشرية.

عناوين ذات صلة:

الوسوم
زر الذهاب إلى الأعلى