[esi views ttl="1"][esi views ttl="1"]
أبحاث

من حائط العقاب الأزرق

د. لمياء الكندي تكتب: من حائط العقاب الأزرق


تتداخل مساحات الكتابة لدى الكاتب اليمني الذي يعيش انماط متعددة من التجارب الحياتية التي تشكل قوام الابداع الكتابي لديه وتوجه مساراته الابداعية وفقا للتجارب المتنوعة التي يعيشها مما يجعل منها احدى اوجه الاختلاجات النفسية التي تتجلى بصيغ واساليب واهتمامات متعددة.
ونحن أمام اخر الاصدارات اليمنية لهذا العام التي صدرت مؤخرا عن "دار الراقي للنشر والتوزيع"، للكاتب الروائي والشاعر "ثابت طه العقاب"، تحت عنوان "من الحائط الازرق" نكون أمام صيغة حداثية ومبتكرة من الكتابة والقراءة الاستدلالية والتعبيرية لهذا التداخل في العلاقة والتجارب الخاصة بين الكاتب وبين الفضاء العام الذي تناول تلك الكتابات وناقشها واصدر رأيه و احكامه على مضمونها قبل ان تتجسد واقعا في صفحات هذا الكتاب.
لقد انطلق العقاب في نصوص كتابه "من الحائط الازرق"، من الملكية الخاصة للأديب أو الكاتب في تناول موضوعات كتابه، إلى ما يمكننا اعتباره ملكية عامة لها إن جاز التعبير، وقد استقيت ذلك التصور حول كتابه هذا من خلال نصوصه المتنوعة التي تمثلت في ثمانية عشر نصا متنوعا بين السرد الادبي والمقالة السياسية والفنية والفكرية في الوقت ذاته.
لعل اجمل ما يحدثه هذا الكتاب لدى القارئ اثناء وبعد قراءته: انه يوصلنا إلى قناعة تامة منحازة للفن وللثقافة وللعلم والأبداع، وهذا ما لاحظته اثناء قراءتي لنصوصه وما اعقبها من تعليقات من المتابعين له على موقع التواصل الاجتماعي فيس بوك،

بحيث تتوحد الآراء وتزهوا الفكرة والنظرة معا عندما تكون الشخصية موضوع الكتابة شخصية ادبية ك الاستاذ الكبير الدكتور "عبدالعزيز المقالح" أو فنية كالفنان الصنعاني المبهر أحمد السنيدار أو ثقافية كالكاتب والمثقف خالد الرويشان أو عبقرية وملهمة كالدكتورة منهال ثابت أو مهنية وذات ثوابت كالاستاذ "احمد الشرعبي" أو علمية وعبقرية كالدكتور مصطفى بهران.
او وطنية وثورية كعضو مجلس القيادة الاسبق في اول مجلس رئاسي بعد ثورة 26 سبتمبر اللواء حمود بيدر لقد كشف العقاب في كتابته عن هذه الشخصيات جزء مهم من الانحياز الكامن فينا تجاه الفن والعلم والادب والثورة وتجاه روادها وافذاذها حتى جميع الآراء التي علقت عليها توحدت وانكفأت للتعليق على جماليات النصوص بل واضافت وصفها الجميل واللائق تجاهه هذه الشخصيات.

وعلى العكس من ذلك تفرقت الآراء وتعددت المواقف و انشطرت النظرات واختلفت الاحكام امام الشخصيات السياسية التي كتب عنها الكاتب وجعل من كتابه هذا مقاربة لفهم الواقع السياسي القريب جدا بتأثيراته المرتبطة بهذه الشخصيات على حياتنا العامة وانعكاسه حولها وآرائنا وموقفنا منها.
بداية من الرئيس علي عبدالله صالح إلى مجموعة من الاعداء والحلفاء السياسيين معه يضعنا الكاتب امام نوعا مختلفا من الكتابة السردية للأدب السياسي، ليعطي لنفسه الحق في الغوص في قلب المتناقضات الكثيرة التي تنضح منها عوالم وسلوكيات هذه الشخصيات ويجرنا معه إلى فضاء اوسع من التناقضات حول فهمها وتقدير افعالها ووصف سياستها وعرض مواقفنا منها.
فكان من المؤسف ونحن نطالع مع الكاتب نصوصه عنها ونطالع أراء المعلقين حولها ان نصل إلى قناعة اننا لم نتوحد في الرأي ولا في الفهم والتقدير مع أي شخصية من تلك الشخصيات فكلما زاد سرد الكاتب تناقضا حسب شخصية الحالة التي كتب عنها زدنا تناقضا وبعدا حولها، وهذه في الحقيقة مأساة تتعلق بهذه الشخصيات وتتعلق بنا ايضا ففي حين نتطلع ان تكون الشخصيات الوطنية والسياسية التي تتحكم في هذه البلاد محل احترام وقدسية رمزية يفرضها موقعها ومواقفها،
نجدنا وللأسف نختلف حولها ونلتمس حضورها بمزيد من الاختلاف بتعصب أو حزبية، وكان هذا الموقف أو هذا السلوك مرتبط بها وبأدوارها الذي جعلها شخصيات محل اختلاف وتشكيك وخلاف في حين يفترض ان تكون شخصيات وطنية جامعه وموحدة ولكنهم اختاروا لأنفسهم ولنا طريقا مغايرا ندفع اليوم ثمنه بدون استثناء لأحد .
لقد اوجد الكاتب فرصة ثمينة للقارئ ان يضع تلك الشخصيات الفنية والفكرية والادبية والسياسية أمام مساحة حره للرأي والرأي الاخر، وذلك بما حملته هذه الكتابة من ادبيات جمالية ومقاربات فكرية وسياسية اجاد الكاتب التعاطي معها بجدارة المبدع وحصافة الحكيم.

ان هذا الكتاب قد اخذنا بكل احتمالاته الفكرية والسياسية والاجتماعية إلى صورة تفاعلية جميلة مما يجعله رافدا مهما للمكتبة العربية كونه باكورة هذا اللون من الادب الذي اشتغل عليه المؤلف بذكاء وفطنة وبلغة معبرة جماليا ودلاليا لشخصيات متعددة الاتجاهات والفكر والسياسات.
ودمتم بخير

زر الذهاب إلى الأعلى