[esi views ttl="1"][esi views ttl="1"]
آراء

هل فعل هذه الجرائم البشعة الأقيال أم السلالية؟ (2-3)

أحمد البتيت يكتب: هل فعل هذه الجرائم البشعة الأقيال أم السلالية؟ (2-3)


وفي اليمن:
1- الإمام الهادي يحيى بن قاسم الرسي:

وصل الهادي يحيى بن الحسين بن القاسم بن ابراهيم بن اسماعيل بن ابراهيم بن الحسن بن الحسن بن على بن أبي طالب، إلى اليمن عام 280ه، وتقريبًا كل آبائه وإخوانهم كانت لهم ثورات وخروج على الدولة العباسية وعمالها وولاتها.. فلما وصل إلى اليمن دعا الناس لبيعته، وأنه الأحق بالأمر، وقاتل ولاة وعمال الدولة العباسية، وحصلت مقاتل عظيمة ووقائع فضيعة، قُتل فيها من رجال اليمن عشرات الآلاف من المسلمين.

وطيلة فترة حكمه حتى وفاته عام 298ه، والقتال مستمر لا يتوقف إلا بقدر التخطيط للوثوب، فقاتل القبائل يمنة ويسره، فلا تكاد توجد قبيلة بين صعدة وصنعاء إلا وقاتل أهلها وأخذ أموالهم، إلى غير ذلك من الأمور، وهي أحداث ووقائع يفاخرون بها في كتابة تاريخهم ولا يكتمونها.

قال الواسعي: وملك الامام الهادي ما بين صنعاء وصعدة ووقعت بينه وبين عمال بنى العباس حروب ووقائع. ودخل في حروب ومعارك مع العديد من القبائل المعارضة لوجوده، وراح ضحيتها الآلاف من البشر، فكان يقطع أعناق المعارضين له، ويهدم مزارعهم ومنازلهم، فأحدث دماًرا كبيرًا في اليمن ولم تسلم منه قبيلة من قبائل اليمن [تاريخ اليمن، الواسعي (22)،
وغالب الكتاب ترجمة لأئمة اليمن، وفيها يذكر كثيرًا من حروبهم ووقائعهم، مادحًا لهم ولها، وقد ذكر في مقدمة كتابه أسماء من خرج من الهاشميين، ومن دعوا لأنفسهم بالحكم والخلافة، وهو يصلح كشاهدٍ لما ذكرتُ لك من هوسهم بالحكم وأنهم الأحق به والأجدر عليه!].

2- الإمام الناصر بن يحيى:

أحمد بن يحيى، سار بسيرة أبيه حربًا وقتلًا، حتى مات سنة 325ه، فلم تستقر اليمن في عهده كما لم يكن في عهد أبيه، وبقي مستمرًا في إخضاع القبائل ومقاتلتها.

ثم استمر الصرع بين هذه السلالة والمعارضين لحكمها من أهل اليمن، وبين السلالة نفسها، فقد اشتدت المنافسة بين بني العمومة من السلالة، وحدثت بينهم وقائع ومقاتل عظيمة، وسببها ما قرره المذهب الزيدي من أن الأحق في الحكم من يخرج شاهرًا سيفه يدعو لنفسه بالأمر!

وهكذا، فكل من استطاع تجميع قوات حوله، قام وأعلن نفسه الأحق والأصلح، فقاتل حتى يفنى من معه من رجال، ثم يصالح أو يفر أو يقتل أو يغلب، فإذا ما غلبَ خرج عليه آخر يزعم أنه الأحق.

واستمرت اليمن في هذه الدوامة من الصراع ذي الشقين، صراع بين الأجنحة المتصارعة على الحكم، وصراع مع الشعب نفسه والأرض، لما يزيد عن ألف عام.

سأسرد لك هنا أبرز تلك الوقائع لترى الهوس المجنون على الحكم والتسيد، واسترخاص الدماء والأموال المحرمة في سبيل ذلك.

3- يوسف المنصور:

استقر الحكم ليوسف بن المنصور يحيى، بعد صراع مرير وقتال كبير، عام 368ه، وحتى عام 403ه، فخاض مجددًا صراعات وحروبًا مع القبائل اليمنية وفتك بها، واستطاع السيطرة على صنعاء بعد أن اقتحمها بجيشه، ونهب أهلها وخرب الدور والمساكن.

حتى ظهر القاسم بن عبد الله بن محمد بن القاسم الرسي، وادعى أحقيته بالحكم، فخاضا حروبًا طويلة أكلت الأخضر واليابس، حتى قيل إن صنعاء وصعدة وما بينهما من مدن عامرة قد خربت، وفرَّ الأهالي إلى الكهوف في الجبال، وانتهى الصراع بسيطرة الرسي على الحكم، وتنازل يوسف بن المنصور له!

4- الإمام المنصور عبد الله بن حمزة:

واستمر الصراع ذلك والحروب التي لم تتوقف حتى جاء المنصور عبد الله بن حمزة، عام 583ه، فكانت صفحته في تاريخ اليمن هي الأشد سوادًا، والأكثر ظلمة وقسوة وبطشًا، وهو متعصب كبير للسلالة، وجالد من أجل تثبيت أن الحكم في البطنين، وقتل كل مَن يخالف هذا الرأي، والمطالع في كتب التاريخ يذهل من حجم الطغيان الذي مورس في زمنه، ولولا أنه سُجل بأقلام طلابه ومحبيه على وجه المفاخرة والمدح ما صُدق!

محنة المطرفية مع المنصور بن حمزة:

المطرفية، فرقة تنسب إلى مطرف بن شهاب، من أعلام أواخر المئة الرابعة وأوائل المئة الخامسة للهجرة، وكانوا من شيعة الإمام الهادي يحيى بن الحسين، وأتباع مذهبه في الفروع، ولا يرون جواز الخروج عنه.

ولما تبين لهم أن الإمام المنصور عبد الله بن حمزة قد خالف الهادي في بعض مسائل الفروع، أنكروا عليه ذلك، فكان هذا الإنكار من أسباب الشقاق بينه وبينهم، مع أنه القائل: "إننا نهابُ نصوص الهادي كما نهاب نصوص القرآن".

وكانت المطرفيهُ على جانب عظيم من الإقبال على العلم والاشتغال به، والإخلاص في الطاعة والعبادة، ولهم زهد زائد على جميع الناس في زمانهم.

وقد خالفوا الزيدية في أهم مبادئهم الأصولية، وهي الإمامة، فإنهم لم يشترطوا النسب في من يتولاها كما فعلت الزيدية، ورأيهم في هذا: أن الإمامة جائزة في جميع الناس لا يختص بها قومٌ دون قوم آخرين، وإنما تستحق بالفضل، وإجماع كلمة الشورى، واحتجوا بقوله تعالى: ﴿يَٰأَيُّهَا ٱلنَّاسُ إِنَّا خَلَقۡنَٰكُم مِّن ذَكَرٖ وَأُنثَىٰ وَجَعَلۡنَٰكُمۡ شُعُوبٗا وَقَبَآئِلَ لِتَعَارَفُوٓاْۚ إِنَّ أَكۡرَمَكُمۡ عندَ ٱللَّهِ أَتۡقَىٰكُمۡۚ﴾ [الحُجُرات:13]، فنادى جميع خلقه الأحمر والأسود والعربي والعجمي، ولم يخص أحداً منهم دون أحد، فقال: ﴿إِنَّ أَكۡرَمَكُمۡ عِندَ ٱللَّهِ أَتۡقَىٰكُمۡۚ﴾، فمن كان أتقى لله وأكرمهم عنده، وأعلمهم بالله، وأعلمهم بطاعته كان أولى بالإمامة، والقيام في خلقه، كائنًا من كان منهم، عربيًا أو أعجميًا.

ولكن هذا القول لم يرق للإمام عبدالله بن حمزة، ولم يقبل للمطرفية اجتهادهم في هذه المسألة، فكفرهم بالإلزام (وهو أن تلزم الغير على ما يقال به ما لا يقول به)، وجعل حكمهم حكم الحربيين، واستحل دماءهم وأموالهم، وأخرب ديارهم ومساجدهم، وحكم بأنها مساجد ضرارية، وسماهم روافض الشيعة، مع أنهم كانوا من شيعته والمتابعين له، والملتزمين جمعته وجماعته بعد أن بايعوه عقب دعوته بالإمامة إلى نفسه.

ولما كان اعتقاد نشوان بن سعيد الحميري يتفق مع اعتقاد المطرفية في جواز صحة الإمامة في غير أبناء البطنين، فإن الإمام عبد الله بن حمزة قد حكم عليه بمثل ما حكم على المطرفية، وذلك حينما أعلن نفسه إمامًا، فقال الإمام عبد الله بن حمزة:

أما الذي عند جدودي فيه
فيقطعون لسنه من فيه
ويوتمون ضحوة بنيه
إذ صار حق الغير يدعيه

[ينظر كتاب الزيدية نشأتها ومعتقداتها، للعلامة الأكوع، ص 90 وما بعدها].

وقد جاء في كتاب المهذب من فتاوى الإمام عبد الله بن حمزة: ويجاب أهل الذمة إذا سلموا ما يجوز، ولا يجاب المطرفي لأنه لا ذمة له!

وفي نفس الكتاب أسقط حرمة مساجدهم، وأفتى بسبي نسائهم، وبالغ في تكفيرهم فذكر أن: من شك في كفرهم كفر، كمن شك في كفر المجوس واليهود والنصارى؛ لأن الشاك في ذلك شاك في نبوة محمد صلى الله عليه وسلم فيكفر بذلك، ومقلدهم كافر أيضًا، وكذلك محبهم [المهذب من فتاوى الإمام عبد الله بن حمزة (476)].

لقد كان يسحق الإمام عبد الله بن حمزة كل مخالفيه، بطريقة وحشية، حتى لو كان الخلاف في مسألة فرعية [ينظر في محنة المطرفية موسوعة الفرق، الدرر السنية، والمهذب من فتاوى الإمام عبد الله بن حمزة، وغيرها، وقصة محنتهم مشهورة، وكتاب الزيدية للأكوع].

وهكذا فعل بأتباعه وشيعته! فكيف كان فعله وإجرامه في غيرهم من القبائل اليمنية ومن ليسوا على مذهبه ولا يتفقون مع سلالته؟!

5- بعد السفاح عبد الله بن حمزة:

استمر الحال من بعد عبد الله بن حمزة السفاح على ما سار عليه هو وآباؤه، فحينًا يثور بعضهم على بعض فيدكون المسلمين في صراعاتهم، وحينًا يجترؤون على القبائل باسم منع الزكاة أو عدم امتثال أحكام الأئمة، فعلى مدى 400عام، من عام 650ه، حتى عام 1000ه، نشبت في البلاد اليمنية حروب طاحنة، لا تهدأ إلا لتثوب، ولا تسكن إلا لتشتعل، ولا تبرد إلا ليحمى وطيسها، دمرت البلاد، وأهلكت العباد، وانتشرت الأمراض والأوبئة، وكان البقاء على قيد الحياة في تلك الفترة هو أكبر انجاز، وأهم انتصار!

يتبع الجزء الثالث.. صراعاتهم في اليمن.

عناوين ذات صلة:

الوسوم
زر الذهاب إلى الأعلى