[esi views ttl="1"][esi views ttl="1"]
آراء

المدرسة الغنائية العدينية (2): مصادر الألحان والكلمات

د. فيصل العواضي يكتب حول المدرسة الغنائية العدينية (2): مصادر الألحان والكلمات


تحدثتا في الفصل الأول من الموضوع عن أصول المدرسة الغنائية العدينية وأبرز من أدّوها مع بعض الملامح الفنية.

وفي هذا الفصل سأتوقف عند مصادر الألحان والكلمات مع التوسع في تحليل الكلمات وطبيعة الألحان.

وهنا لابد من الإشارة إلى حقيقة هامة وهي أن مصادر الألحان عند العرب إن لم تكن عند الأمم كلها، هي ثلاثة مصادر كالتالي:

المصدر الأول أغاني العمل.. وهدا المصدر ملازم للإنسان أيا كان طبيعة العمل الذي يشتغل به، وللنساء والرجال على حد سواء منذ حداء القوافل ورعي الأغنام مرورا بكل الأنماط الاقتصادية التي عرفتها المجتمعات.

أما المصدر الثاني من مصادر الألحان فهو الإنشاد الديني والذي لا يزال حتى اليوم يثري الذائقة بالعديد من الألحان.

ونأتي إلى المصدر الثالث من مصادر الألحان وهو أراجيز الحرب والمناسبات الاجتماعية.. وهي الأخرى مصدر لا يمكن أن يتوقف.

المصدر الأول للألحان العدينية أغاني العمل:

وقبل الخوض في التفاصيل نطرح سؤالا أو نجيب على سؤال وهو من يسبق أولا اللحن أم الكلمة أو النص الغنائي؟ والإجابة على هذا السؤال لا تحتاج إلى عميق جهد فاللحن أولا بدليل وجود مقامات لحنية تؤدى صوتا دون كلمات مثل قولهم بالشام اوف اوف اوف وفي مصر يا ليل يا عين وفي اليمن بالي بال أو دانه وادن دانه.

وقد يأتي شاعر وينسج على المقام اللحني نصا أو أن المغني الذي واتاه اللحن هو من يصوغ الكلمات وهو السائد في الحالة العدينية.

أما أغاني العمل في العدين فنقسمها أولا إلى قسمين: أغان رجالية وأغان نسائية. وداخل كل قسم تفريعات وتنوعات حسب اختلاف طبيعة العمل ومواسمه.

وأبرز القواسم المشتركة بين النساء والرجال هي المواسم الزراعية التي تعتبر العدين من أخصب المناطق الزراعية في اليمن على الإطلاق، ونبدأ بالحديث عن الأغاني الرجالية المصاحبة للعمل من أول موسم من مواسم الزراعة وهو موسم البتلة.

البتلة هي تقليب الأرض في الشتاء لإعدادها لموسم التلام (البذر) وهذا الموسم يعتمد فيه الفلاحون على الثيران. وتبعا للمناخ الشتوي الجاف وحركة الثيران الرتيبة يأتي غناء البتول بلحن رتيب طويل وكلمات تميل إلى النصح والحكم. وقد نبغ في هذا الفن حكيمان من حكماء الريف اليمني هما الحُميد بن منصور وعلي ولد زايد. وهناك دراسات كاملة مستقلة عنهما. وتاليا نماذج من كلمات هجلة البتلة:

يبدأ البتول الهجلة بذكر الله ثم يخلص إلى بقية الكلمات..

نموذج:
قولوا لمن قد تنفس
قسمك من الهم جالس

والدهر مثل المحنب
كل يوم مراعي لصيده

نموذج:
زلج زماني عمارة
متى يكون السكوني

ما همني الموت يا ناس
ما همني الا عذابه

وعادة ما تكون هناك قفلة "يالله بالبراد يا حومه بارد".. وهذا الموسم خاص بالرجال وليس للنساء فيه أي عمل.

بعد موسم البتلة يأتي موسم التلام وهو موسم أكثر فرحا وتفاؤلا من البتلة فقد هطلت الأمطار وحان البذر. وتغلب على مهاجل التلام عبارات التوكل والدعاء في الصباح والمساء أسرع إيقاعا مع تقارب المضمون.

نموذج صباحي:
جودك يالله لا جودك نتلم لا جودك

نموذج مسائي:
سبحوا المعبود ذي الكرم والجود
وعلى ربي منبت الحَبِّ

وهذا الموسم كما هو موسم البتلة موسم رجالي أيضا.

بعد موسم التلام يأتي أول موسم نسائي هو موسم الفقيح ويسمى أيضا الفراد ويكون الزرع قد نبت وبانت معالمه فيتم تفريده قلع الزروع المتزاحمة وترك البقية واحدا واحدا حتى يكون النمو سليما وسناتي إلى أغاني هذا الموسم في الحديث عن أغاني النساء.

بعد موسم الفقيح يأتي موسم السلاق وهو عمل رجالي ونعود إلى أغاني العمل الرجالية والسلاق عبارة عن فلع الحشائش والاعشاب التي تشارك الزرع الخصوبة في التربة والمياه ويردد المسلقون عدد من المهاجل صباحية ومسائية وبألحان مختلفة.

نموذج صباحي:
صلى عليك الله يا محمد والي
الله وخلق الله يا محمد والي

نموذج مسائي:
صلى الله وسلم صلوات يا لسان
النبي الممجد صلوات يا لسان

وطبعا ألحان الصباح فيها نبرة فرائحية وانسيابية عكس المساء تكون الحان سريعة اقرب للارتجاز.

وقبل الدخول في أغاني الموسم التالي نشير إلى أنه كلما اقتربنا من موسم نضج الزروع وأثمارها كلما كان الفرح سائدا ومعبرا عنه في مهاجل الزراع.

يأتي موسم الكيمة وهو حرث الأرض بواسطة الثيران بين الاتلام وهي صفوف الزرع. وأغاني هذه المرحلة ليست شجية فهي تتسم بالحذر لان العمل يتم بين الزرع الذي يحتاج إلى خبرة واحترافية عالية وإلا فإنها تقلع وتكسر.

ونأتي إلى موسم الحفير وهو عمل حفر تحبس مياه الأمطار لترتوي منه الزروع ومهاجل العمال أكثر فرائحية من المواسم السابقة.

نموذج صباحي:
ألا ياليتني البال لي يا بليا رحيل
ألا والا ابن عمه لي يا بليا رحيل

تنوذج مسائي:
وابليبل وأبو البلابل وابليبل الا وا رحيل

وقد التقط هذا اللحن الفنان أيوب طارش عند جولته مع الشاعر المرحوم عثمان أبو ماهر في العدين وغناه بكلمات لأبو ماهر حاولت الاقتراب من جو البيئة.

ونصل الآن إلى موسم الفرح اللا متناهي وهو موسم العلان الذي لا يتسع المجال هنا للإحاطة بالتنوع في الألحان والكلمات وامتداده حتى موسم الصراب وربما نفرد له بحثا مستقلا.

ونختتم هذا الفصل بأغنية من أغاني العمل الرجالية خارج العمل الزراعي هي أغنية العمار والتي أيضا غنى لحنها الفنان أيوب طارش من كلمات المرحوم أبو ماهر في أغنية نشوة العمار ولها لحن واحد هو الذي غناه أيوب لكن كلماتها في البيئة تقول:

على النبي واحنا نصلي يا صلاة زوري النبي

ولاحظوا الوزن الواحد في شعر أبو ماهر حيث يقول:

يا نشوة العَمّار زيدي يا بنيه زغردي

وأكتفي بهذ القدر من أغاني العمل عند الرجال لنواصل الحديث في الفصل القادم عن أغاني العمل عند النساء في العدين وهو حديث أوسع وأشمل.

عناوين ذات صلة:

زر الذهاب إلى الأعلى