[esi views ttl="1"][esi views ttl="1"]
أبحاثدراسات وبحوث

اليمن الأرض والإنسان.. قراءة في كتاب ماذا يعني انتمائي لليمن (2-2)

اليمن الأرض والإنسان.. قراءة في كتاب ماذا يعني انتمائي لليمن (2-2) - د. لمياء الكندي


شهدت الفترة التاريخية السابقة لظهور الإسلام تراجعا حضاريا لدور الدولة اليمنية التي تلاشت بفعل مجموعة من التراكمات التاريخية التي أوصلتها إلى حالة من النكوص الحضاري.

ويُرجع مؤلف الكتاب الدكتور ثابت الأحمدي، سبب هذا النكوص أو التراجع إلى كون الحضارة اليمنية كغيرها من الحضارات قد أخذت دورتها الكاملة في المسيرة والصيرورة، فقد كان الحميريون وارثين للحضارة أكثر من كونهم صانعين لها فتلاشت بين أيديهم، لأن المجد اليمني قد بدأ بالترنح من عقود طويلة ولم يكن خراب السد وغزو الأحباش ومن ثم الفرس إلا نتيجة حتمية لمقدمات طويلة من الخلل وفساد الحكم.

لكن وبالرغم من ذلك إلا أن الأوضاع الداخلية والحالة المدنية التي كان يعيشها اليمنيون في فترة ظهور الإسلام وما قبله؛ كانت تختلف أخلاقيا وماديا كل الاختلاف عن غيرهم من عرب الجزيرة، فقد كانت القبيلة اليمنية قبيلة متمدنة ومتحضرة تنتمي للدولة لا إلى قيم البداوة.

لقد مهد الإرث الحضاري والتاريخ الاجتماعي المتفاعل مع هذه الحضارة بكل أشكالها الدينية والسياسية والاقتصادية وغيرها، في نضوج الفكر الديني لدى اليمنيين فلم يكن إعلان النبوة من مكة وإشهار دعوة الإسلام كديانة سماوية توحيدية أمرا غريباً أو محل استنكار من قبل اليمنيين فقد ارتبطت قبائلهم وممالكهم بفكرة الإله السماوي والديانة التوحيدية من وقت مبكر بحكم التراث الديني الذي كانوا يملكونه، مما جعل درجة استعدادهم لتقبل الدين الجديد أعلى مما كان عليه الأمر لدى قبائل الشمال البدوية.

ففي الوقت الذي حاربت فيه قريش ابن قبيلتها الرسول محمد عليه الصلاة والسلام كانت القبائل اليمنية هي صاحبة البيعة الأولى والثانية له وكان اليمنيون الأوائل هم الذين تشكلت بهم عوامل الدفاع والنهوض بمهمة النبي الجديد.

لقد كان إيمان اليمنيون بالإسلام موجبا لهم لنسف حالة الجهل والتخلف لكل مظاهر المجتمع العربي في عصر ما قبل ظهور الإسلام، لذا لم يقف دورهم باعتناقهم الإسلام، بل اقترن إسلامهم بإسهامهم الحضاري الذي انعكس على هذا الدين فكانوا هم الفاتحين والناشرين للإسلام، وشكلوا النواة الحضارية لولادة الحضارة الإسلامية العربية، التي غالبا ما كان يتم مصادرة أدوار اليمنيين فيها وأمجادهم لصالح القرشية السياسية التي تصدرت لمشهد الحكم "الخلافة".

دعاة لا جباة

توزع اليمنيون الأوائل بعد اعتناقهم الإسلام بين قبائلهم، ونشروا قيم الدين الإسلامي فكانوا دعاة لا جباة، تسلحوا بفكرة هذا الدين وعقيدته، فجاهدوا في الله حق جهادة فكان منهم سفير رسول الله دحية بن خليفة الكلبي إلى ملك الروم مرتين، ومنهم أيضا شرحبيل بن حسنة كاتب سر النبي ووحيه، وفاتح الأردن وأمير فلسطين، ومنهم عمار بن ياسر العنسي أول من آمن من الشباب بالدين الجديد.

لقد شكل المؤمنون الأوائل حول الرسول حزام هذا الدين ومادته المدافعة عنه فكان منهم عظماء الفتوح الإسلامية شرقا وغربا فها هو فروه بن مسيك المرادي رسول النبي إلى قبيلة مذحج وكبير القادة في جيش الفتوح الإسلامي للعراق وبلاد فارس، إضافة إلى كونه من أكبر القادة اليمنيين مناهضة للوجود الفارسي في صنعاء مع ابن قبيلته المذحجي الباسل قيس بن مكشوح المرادي فارس موقعة يوم صنعاء التي وقعت بين قبائل اليمن المذحجية المعارض للوجود الفارسي ومن معهم من الأبناء فقتل الملك شهر بن باذان والعديد من فرسان الأبناء لينهي بتلك الموقعة التواجد الفارسي لليمن ويتلاشى دورهم في تلك الفترة.

كثيرة هي الأسماء التي لا يسعنا هنا تناولها ولكلٍّ منها من العظمة والخلود، ما يعزز الدور التاريخي والإسهام الحضاري لليمنيين في الإسلام. فإلى جانب اشتراكهم في الفتوح الإسلامية كانوا جزءاً من العصبيات القوية والمؤثرة داخل دولة الخلافة في مصر والعراق وبلاد الشام وبلاد المغرب العربي وشرق إفريقيا والبرتغال والأندلس وغيرها.

لقد كان للجيش اليمني الفاتح وللقادة المشاركين في الفتوح أو المستقرين في هذه المدن بعد الفتح أكبر الأثر في حماية مؤسسة الخلافة والدفاع عنها، وأيضا لهم الأثر الكبير في إسقاط الخلفاء وعزلهم ودعم وتولية آخرين، كما حدث مع اليمنيين في مصر أثناء فترة الخلاف حول الخليفة الثالث عثمان بن عفان، ودورهم أيضا في مساندة الدولة الأموية فقد كان اليمنيون قريبين فيها من مركز الحكم فتوالت التعيينات والرئاسات اليمنية في مختلف المجالات في عهد خلفاء بني أمية كما تم تعيينهم ولاة في الكثير من الولايات الإسلامية المهمة، وفي ذلك يقول أبو الأحرار محمد محمود الزبيري:

وهمُ الألى البانون عرشَ أميّةٍ
نهض الوليدُ بهم وعزّ هشامُ

وكما كانوا سنداً للخلافة الأموية كانوا أيضا عبر العديد من الثورات التي قام بها اليمنيون في مصر ضد الخليفة الأموي مروان بن محمد هم الذين ثاروا على الأوضاع السياسية والفساد في عهده سببا في سقوطها، فقام القائد اليمني عامر بن إسماعيل السلمي المذحجي بقتل الخليفة الأموي مروان بن محمد كما كان هذا القائد من كبار القادة الذين أسسوا للخلافة العباسية.

أجمالا يمكن وصف اليمنيين كأفراد وجماعات بأنهم كانوا الأداة الضاربة في الحكم الإسلامي في عصوره الأولى ومهد حضارته الأولى التي استمرت حتى سقوط الخلافة العباسية، وما عداء الفرس التاريخي لليمن واليمنيين اليوم إلا كنتيجة تاريخية للدور التاريخي الذي أسهم فيه القادة اليمنيون في فتوح مدنهم وإسقاط إمبراطورتيهم العظمى.

لقد تعامل اليمنيون مع الإسلام ومع جميع الأراضي الخاضعة له بأنها أرض واحدة، فكانوا شركاء في بنائها بكل أشكال البناء الحضاري دون أن تكون لهم عصبيتهم اليمنية الخاصة لأرضهم وقبائلهم، فكان وجود كبار القادة اليمنيين خارج بلادهم ونزوح العديد من قبائلهم إلى بلدان الفتح الإسلامي وتأسيسهم لمدن وحاضرات إسلامية جديدة أكبر الأثر في تراجع الدور الحضاري لليمنيين في اليمن ذاتها!

فقد نتج عن ذلك الفراغ الذي خلفه الغياب للقادة اليمنيين؛ ظهور ما يسمى بالهاشمية السياسية التي مهدت لهم الأوضاع الداخلية في اليمن، وما نتج عن تلك التراكمات من رده حضارية شاملة تشكلت بفعل السياسات الهاشمية الإقصائية والعدائية التي قاومت معالم التحضر اليمني بالتجهيل والخرافة كي يتسنى لهم حكمنا.

ويعتبر قيام الدولة الرسولية 662ه - 1228م – 858ه 1452م من أهم المكاسب اليمنية الحضارية في العصر الإسلامي، وكنتيجة للأثر الحضاري الناتج عنها الذي شمل مختلف العلوم والمجالات وأنواع الفنون إعادة القيمة الفعلية لليمنيين كفاعلين حضاريين في حياة شعبهم وغيرهم من الشعوب.

وكان تأسيسها وما نتج عنها من مآثر حضارية أقوى رد حضاري في العهد الإسلامي لخرافة الولاية والسلالة التي تقدم بها مدعي الولاية يحيى بن الحسين الرسي في نهاية القرن الثالث للهجرة.

عناوين ذات صلة:

زر الذهاب إلى الأعلى