[esi views ttl="1"][esi views ttl="1"]
اهتمامات

تفكيك العقل السياسي الحوثي

د. سالم أحمد باوادي يكتب: تفكيك العقل السياسي الحوثي


هل من الممكن أن يتحول الحوثي الى حزب سياسي بهذه الخلفية العقدية؟

من أجل فهم هذا الفرقة ومنطلقات فكرها السياسي أو العقدي فلابد من ارجاعها إلى مصادرها وتراثها العقدي والتاريخي. الفرقة الحوثية -في الأصل- ترجع الى الفرق الزيدية, وان خرجت عليها في أصولها وفكرها، إلا انها لازالت تحسب عليهم، والفرقة الزيدية هي أحدى فرق الشيعة التي قامت أصولها وفكرها على القضية السياسة، وما تسمى (بالأمامة)، وهي حق مقصور على أبناء علي بن ابي طالب عامة وأبناء فاطمة خاصة. فكل الفرق الشيعة بما فيهم الزيدية والحوثية متوافقون على امامة علي رضي الله عنه واختلفوا في الأئمة من بعده، كالأنثى عشرية، والزيدية والاسماعيلية، والنصيرية والدروز.

كل هذه الفرق تعد عندها القضية السياسة أصل من الأصول يعبرون عنها بالحق الألهي في الإمامة، او(الإمامة المنصوصة). والذي يهمنا في هذا كله هو العقل السياسي الحوثي والذي سنعمد إلى تفكيكه حتى يسهل فهمه والتعامل معه.

لذلك يجب ارجاع هذا العقل إلى مصادره ومنطلقاته، وهما مصدران، أولا؛ المرجعية الزيدية التي انطلق منها.

وثانيا الحالة النفسية السيكلوجية والتي شكلت هذا العقل.

ثالثا: التحول الذي حدث في الفكر السياسي وجنوحه إلى الإمامية والرفض.

اولا: المرجعية الزيدية السياسية:

يقوم التراث السياسي الزيدي على أن الإمامة مقصورة في علي رضي الله عنه وذريته عامة، وأبناء فاطمة خاصة، هنا يتوافق الزيدية مع كل فرق الشيعة التي تتفق في إمامة علي رضي الله عنه وذريته من بعده، هذه الفكرة هي قطب الرحا التي استحوذت على عقولهم وتفكيرهم، ثم بعد ذلك كل آراء الفرق الشيعية ومنطلقاتها وأصلوها كإثبات الأيمان والتكفير والولاء والبراء وغيرها تعتمد على هذه الفكرة الجوهرية. وعلى ضوء ذلك انطلقوا يبحثون عن الأصول لهذه الفكرة، أي اثبات الفكرة أولا ثم البحث عن أصول أو أدلة لها، وبهذه الطريقة ورموا بإجماع الصحابة -رضي الله عنهم- عرض الحائط، وجرحوهم واتهموهم ووصل الأمر إلى تكفيرهم، وهذا شيء لازم لبدعتهم حتى يثبتوها فلابد من إزاحة اجماع الصحابة من خلال تكفيرهم والطعن فيهم، وإلا لن تستقيم لهم بدعتهم.

أما الزيدية فقد خالفت الأمامية في هذه القضية، قضية الأدلة على امامة علي رضي الله عنه، وخرجوا بمخرج مقبول، وحتى لا يصطدموا بإجماع الصحابة، قالوا الأدلة في أمام علي خفية، ليس صريحة جلية مثل أدلة الصلاة والصوم وغيرها، وهي تحتاج إلى انظر واجتهاد لاستنباطها، وقد خفيت على الصحابة ومن تقدم على علي رضي الله عنه – يقصدون أبوبكر وعمر وعثمان رضي الله عنهم- وهذا في الحقيقة طعن مبطن في الصحابة وفي فهمهم لكتاب الله، ويجعلون الّذين جاءوا من الصحابة أكثر فهما للنصوص منهم رضي الله تعالى عنهم. كما قال سفيان الثوري: من قدم عليا على أبي بكر فقد أزرى بالمهاجرين والانصار. (اعلام النبلاء).

وقد ذهبت الزيدية إلى هذا المنحى، لأنه في الأساس مخرجا لهم لكيلا يصطدموا بموقف الصحابة واجماعهم، وموقف علي رضي الله عنه، وقبوله ورضاه بإمامة ابوبكر وعمر وعثمان رضي الله تعالى عنهم جميعا. ولذلك هم يقرون بإمامة من تقدم علي ويترضون عنهم ويعدونهم من الصحابة الأبرار، بعكس الامامية الروافض الذين لا يتوافق موقفهم مع موقف علي رضي الله عنه نهائيا ممن تقدموا عليه.

إلا أن الفكر الزيدي السياسي تطور وحصل فيه تغير على مدار السنين والأعوام، يقول عزان في (الصحابة عند الزيدية): لكن بعض اتباع الزيدية يخلطون بين التشكي والنقد الموضوعي الذي مضى عليه الأئمة، وبين البراءة والسباب الذي درج عليه بعض الغلاة، فبالغوا في النقد إلى درجة النقمة والتطاول والخروج عن الوسطية والأدب (الزيدية يعدون أنفسهم وسط بين أهل السنة والروافض في الصحابة) خصوصا مع ظهور بعض الروايات التاريخية التي عقبت موت النبي عليه الصلاة والسلام، وطريقة عرضها بطريق تثير حفيظة الاتباع. أهـ.

لقد أثرت المرويات التاريخية -الموضوعة- التي يروجها الروافض على الموقف الزيدي في إمامة من تقدم على علي رضي الله عنه حتى صار الأمر لا يوجد زيد واحد لا يخطئ من تقدم على الإمام علي رضي الله عنه، ثم تطور الأمر الى التوقف في الترضي والولاء عند البعض، وأما السباب والبراءة فقد ذهب إليه الجارودية من الزيدية.

ثانيا:التركيبة السيكلوجية(النفسية) شكلت التركيبة النفسية

التي غُرِست في نفسية الزيدي، الركيزة الثانية لبناء العقلية السياسية الحوثية، وهي ترتبط بالاعتقاد لدى الحوثي أنه هو الذي يملك الحق، والاعتداد بالحق، والاعتقاد بأن الحق فيهم فقط، وهم أهل الحق، هذا بدوره بلور النفسية السياسية السلالية، والاجتماعية السلالية، التي انطلقت منها الحركة، فمادام الحق الشرعي هم يملكونه، فمن باب أولى أن يكون الحق معهم في القضية السياسية والاجتماعية وغيرها، يقول الهادي في كتابه (منزلة بين المنزلتين): أن أقرب الأشياء عندنا الذي علمنا أنا على الحق، ومن خالفنا على الباطل. وقال الامام المتوكل على الله يحي شرف الدين:

فنحن طائفة الحق وردت **الأحاديث مما الكل يرويه. وقال: "ولقد أخص الله هذه العترة بفضائل لا تحصى كثيرة وفيهم نزلت آية المودة والاصطفاء والتطهير، ووردت فيهم الأخبار الصحيحة والآثار الواضحة الصريحة... معدن النبوة والوصاية والخلافة..." وهذا يوضح قصر الخلافة فيهم بالأخبار الصحيحة والصريحة والمخالف في هذا قد يصل إلى درجة التكفير. وكما أرجع بعض الباحثين سبب تكفير الفرقة المطرفية الزيدية من قبل بعض الزيدية مثل المنصور عبدالله بن حمزة على أنه تكفير سياسي لأن المطرفية خالفت في هذا الأصل وقالت الأمامة ليس مقصورة على (العلوية)، وليس التكفير بسبب أن المطرفية توغلت في الاعتزال -كما يشاع في سبب تكفيرهم - من قبل المنصور وغيره، مما أدى إلى سفك دمائهم واستباحة أموالهم وسبي نسائهم. وهذا النفسية بحد ذاتها كونت الخلفية السياسية التي قام عليها الفكر السياسية الحوثي، وهو ربما يكون المبرر للعلامة المقبلي أن يقول العبارة المشهورة: اتني بزيدي صغير اعطيك رافضيا كبيرا أو مثل ذلك.

ثالثا: التحول في الفكر الساسي الحوثي:

شكلت الخلفية والتراث الزيدي الأرضية الخصبة التي انطلق منها الفكر الحوثي في تحول نحو التطرف وتبني الفكر الإمامي والرفض، وهذا لا يختلف علية أحد، لان مذكرات الإمام المؤسس الهالك حسين بدر الدين الحوثي موجودة ويشع منها ضلال الرافضة الذي يزكم النفوس ويطمس البصائر.

فقد تبلور الفكر السياسي الحوثي من خلال:

1- تبني كل اطروحات الرافضة في الموقف من الأماميين ابي بكر وعمر، وكذلك عثمان وبقيت الصحابة. يقول المجلسي في (العقائد) إن مما عد من ضروريات دين الشيعة الإمامية البراءة من أبي بكر وعمر وعثمان ومعاوية. ويصفهم في كتابه (حق اليقين) بأنهم الأصنام الأربعة وأنهم واتباعهم واشياعهم شر خلق الله على وجه الأرض. ونجد هذا عند حسين بدر الدين الحوثي وأكثر حيث يقول في دروس من وحي عاشوراء: "إذا كل بلية أصيبت بها هذه الأمة، كل انحطاط وصلت إليه هذه الأمة، كل كارثة مرت في هذه الأمة بما فيها كربلاء إن المسؤول عنها عمر.." وهذا موقف متوغل في الرفض والشتام والبراءة، وهو ما عليه الامامية. حقد الروافض على عمر رضي الله عنه ليس جديدا، لأنه الله أسقط الإمبراطورية الفارسية على يديه، وتلقف هذا الحقد الهالك حسين الحوثي ووالده وبثه في دروسه ومذكراته لاتباعه، فكانت الملزمات التي ينشرها تطعن في الصحابة وتصورهم بأقبح الصور وهو خلاف ما كان عليه جمهور الزيدية، ولأن أساس المشكلة القضية السياسية، والحق الوراثي السلالي في الحكم.

2- وظهر هذا التحول في ممارسات كثيرة مثل اللطم والبكاء والعويل في الحسينيات التي تنظم كما -تتطالعنا بعض المقاطع الفيديو عبر الميديا- والسباب والطعن في الصحاب والقرآن، وكذلك الاحتفالات بيوم الغدير والمولد النبوي وغيرها، وكل هذا محاكاة لما عليه رافضة إيران.

3- الصورة الثالثة في التحول هو اقتباس الشكل الإيراني في الحكم، فبعد انقلاب الحركة الحوثية وسيطرتها على الحكم، في الشمال كان من الضروري اظهار شكل من النظام الحكم السياسي، لذلك كان من الضروري أن يتقمصوا النموذج الإيراني، وهو ما يتمثل في نظرية الفقيه. ولحد الأن هل سيتبنون نظرية الفقيه النائب عن الامام الغائب، بحيث يكون مرشد ايران هو مرشدهم، وهو ما يبدو انهم ذاهبون في هذا الاتجاه، وخاصة بوجود حاكم إيراني مقيم في صنعاء يمارس صلاحيات واسعة في إدارة البلاد، ولأنه يستبعد أن يعلن عبدالملك الحوثي نفسه أنه المرشد، أقل شيء في هذه المرحلة، لكن سيكون الوضع مشابها لما عليه النموذج في لبنان، أو النموذج العراق. فيما إذا استقر لهم الوضع.

ولذلك السؤال المهم بعد هذا الاتفاق الأخير. كيف سيتحول الحوثي إلى حزب سياسي بهذه العقلية والخلفية؟؟؟ وكيف سينخرط في العملية السياسية ويتنازل عن كل هذه المكاسب التي جاءته من العناية الالهية. يعد التنازل عنها نوع من الكفر والخروج عن الدين والملة بالنسبة له.

لا شك نحن قادمون على مرحلة صعبة للغاية.

زر الذهاب إلى الأعلى