[esi views ttl="1"][esi views ttl="1"]

اليمنيون في قصر بيان وغياب مجلس التعاون

عاد طرفا الحرب اليمنية إلى الكويت بعد أيام من التصريحات التي شككت في إمكانية انعقاد الجولة الثانية في "قصر بيان" ورغم أن أغلبية اليمنيين لا يعولون كثيرا على نتائجها لتدني الثقة بالمشاركين بعد دورات سابقة انتهت كلها بتحديد موعد لاحق للقاء تالٍ.

 

الفجوة بين الطرفين شاسعة إذ ينطلق كل منهما برؤية مختلفة لما يجب أن تؤول إليه نتائج اللقاءات، وأوضحت تصريحاتهم ابتعاد الهم الوطني لديهما وفي كل ما تناقلته المواقع التابعة لهما لم يسمع اليمنيون إلا حديثا عن تراتبية الحل: الحكومة التوافقية أم خروج المسلحين من المدن؟، وواقع الحال أن الأمرين ليس لهما أولوية عند المواطن الذي لا يعنيه هذا الجدل لأنه منشغل بتدبير أمور حياته المعيشية في ظل انهيار لكل الخدمات الأساسية وانعدام فرص العمل وارتفاع معدلات المجاعة والفقر في عموم البلاد، بينما يتصارع الطرفان متمسكان إما بالمواقع على الأرض أو بالمواقف السياسية، أحدهما مسيطر على العاصمة وآخر معه ملف متضخم من القرارات الدولية.

 

نشرت وكالة رويترز تقريرا حول الوضع المالي الذي ينعكس على الأوضاع الإنسانية الداخلية وتحدث عن عجز اليمنيين عن الحصول على مواد غذائية أساسية (بسبب عدم قدرة البنوك علي توفير سيولة نقدية خارجية لاستيرادها لأن البنوك الغربية أوقفت التسهيلات البنكية لموردين يمنيين خشية عدم سداد مستحقاتها)، ويضيف التقرير (أن النقد الأجنبي متوفر في الداخل لتمويل هذه الصفقات لكن إمكانية إخراجه من اليمن غير ممكنة).

 

الباحثة اليمنية أفراح ناصر ذكرت في تقرير منشور أن العملية العاجلة التي تسعى لتنفيذها منظمات الأمم المتحدة المعنية بالإغاثة تتطلب ١.٨ مليار دولار بينما لم تتمكن من جمع أكثر من ٤٥٠ مليون دولار.. وفي تقرير دولي آخر (أن ٩٠٪ من غذاء اليمنيين يتم استيراده وخلال العام الماضي أضيف ثلاثة ملايين يمني إلى قائمة العاجزين عن توفير الغذاء)، واذا كان جزء كبير من المسؤولية الأخلاقية لما وصلت إليه الحالة اليمنية المأسوية يقع على عاتق جماعة (أنصار الله) إلا أن المؤكد أن الحكومة يجب أن تتحمل مسؤولية هذا الفشل الإنساني لأنها لم تفعل الكثير للتخفيف منه في المناطق التي صارت تحت سيطرة "الشرعية" التي لا يجوز تحويلها إلى "يافطة" فوق متجر خال من البضاعة وتقف عاجزة عن ممارسة سلطاتها فيها، ويعيش أغلب مسؤوليها خارج البلاد.

 

إن الأرقام المفزعة التي تصدر عن التقارير الدولية ذات المصداقية عن المجاعة والنزوح الداخلي وتنامي معدلات الفقر يجب أن تتصدر هموم وأحاديث ضيوف "بيان" رغم أنني أثق في غياب القضايا الإنسانية عن اهتماماتهم ولا يقيمان وزنا لهذه الأرقام وينشغلان بما لا يكترث له اليمني البسيط الذي يعاني من تحكم المصالح الذاتية في تصرفاتهما، ولهذا لن يكون متوقعا منهما السعي للخروج من دوائر مصالحهما الضيقة.

 

عند افتتاح "بيان ٢" كان مستغربا تكرار السيد إسماعيل ولد الشيخ دعوته أعضاء الوفدين لصحوة ضمير مفقود، ودعوته لهم الالتفات إلى الأوضاع الكارثية التي يمر بها اليمني في كل منطقة دون استثناء، والكل يدرك أن الأيام القادمة ستكون أشد قساوة على اليمنيين المحاصرين بالجوع والخوف في الداخل والتائهين المعرضين لأقسى الظروف هوانا في الخارج.

 

مجلس التعاون الخليجي مازال غائبا عن المشهد بعد تأخره طويلا عن الانخراط في التعامل مع الملف اليمني وتوقفه طويلا بعد الانتهاء من التوقيع على المبادرة الخليجية وتسليمه طواعية إلى الأمم المتحدة، ورغم صعوبة استعادة الإمساك بالملف إلا أنه من الواجب المزيد من التواجد الفاعل خصوصا بعد أن كسر الأمين العام للمجلس حاجز عدم اللقاء بالوفد القادم من صنعاء، فاليمنيون بحاجة إلى وقف فوري ودائم للحرب لأنها أنهكت كل منزل وأبكت كل أسرة ويتمت الكثيرين، في حين يتو إلى ارتفاع أصوات يمنية داعية لمواصلتها بينما هي تقيم مسترخية بعيدة عن الأهوال والفجائع وتدعو إلى استمرارها بعد مرور أكثر من ١٦ شهرا.

 

إن دول مجلس التعاون الخليجي، مجتمعة، هي الأقدر والأجدر على إنقاذ اليمن من عبث ساسته وكبح جماح احقادهم وإخراج أشقائهم من محنتهم وبؤسهم لأن استمرار هذه المعاناة ستزيد من تفسخ روابطه الاجتماعية والوطنية، ولن تقف مآسيها داخل الحدود.

اليمني ينظر وينتظر من دول مجلس التعاون إنقاذه بعد أن يأس من بؤس قياداته في الداخل والخارج.

زر الذهاب إلى الأعلى