[esi views ttl="1"][esi views ttl="1"]
آراء

الإمامة ومأزق الخروج

المبدأ النظري المتمثل في كون الإمامة ليست وراثية، وتجوز في حق كل حسني أو حسيني دعا لنفسه وخرج.. هذا المبدأ أورث محاذير وأعراضاً عدة انعكست على واقع الحكم وشكل الدولة.. فمن حيث واقع الحكم، يجُر تَخَوُّفُ الإمام من هذا المبدأ إلى تعطيل كل جوانب التنمية في نطاق حكمه فيتجنّب إقامة مؤسسات دولة خوفاً من الطمع والانقضاض عليه، ولا يكتفي عند هذا الحد بل يعمد إلى إبراز كل مظاهر التقشف، والعزف المتواصل على اسطوانة التبرم والتذمر والشكوى من ثقل الحمل وإفلاس الدولة وضيق ذات اليد.

ثم؛ وتحت هذا المدعى، يفرض المكوس والإتاوات الجائرة على الرعية ويكدسها، فلا يبين لها أثرٌ ولا تظهر عليه نعمة، فلا هو يجرؤ على الإنفاق ولا هو يكف عن الشكوى وفرض الإتاوات لأنه إن لم يفعل ذلك فسوف يظن المنافسون أن ثمة اكتفاء وأن "الشغلة مربحة" ومن ثم ينقضُّون... زد على ذلك خُلق الشحّ الذي لا يختلف اثنان على أنه من أبرز السمات التي ميّزت حكم تلك الأسر. فنجد الإمام يحيى يصّر على حرمان الفقراء والمحتاجين من الصدقات والعطاء، معللاً إياهم بقول الشاعر:

وهكذا تتكدس الخراجات والأموال وتعطب الحبوب في المدافن وتحدث المجاعات إلى أن يحين وقت ذهاب الدولة فيصبح الوضع حينذاك مطابقاً للمثل القائل: "رزق الحارمين للظالمين"(1).

وعطفاً على ما سبق تصبح خبرة الحاكم المحدودة هي النظام المالي والمحاسبي كله بكله ويصبح إماماً ووزيراً للمالية وأميناً للصندوق في نفس الوقت.. وقد كان الإمام يحيى يستند في احتكاره لجميع المناصب في الدولة إلى قول الطغرائي:

وإنما رجل الدنيا وواحدها من لا يعوّل في الدنيا على أحدِ

هذا التخوف الزائد من الانقضاض على العرش، مثلما أدى في البداية إلى تصفية الخصوم شركاء النجاح من هاشميين وغيرهم، فإنه يؤدي إلى إحاطة الإمام نفسه بأشخاص ضعاف مداهنين لا خبرة لديهم ولا دراية، الأمر الذي ينعكس على طموحه وقراراته، وعلى وضع الدولة وحال الشعب بشكل عام..

فبالنسبة إلى حجم الدولة فإن مخافة الخروج، (بل وتحققه في معظم الأحيان على أرض الواقع) تؤدي إلى تقزيم مساحتها، خصوصاً والجارودية تقول بجواز قيام إمامين في نفس الوقت، وعليه يغدو مبدأ الانقسام والانكفاء أمراً وارداً بل وسبيلاً آمناً إلى السلامة والبقاء، لأن كُبر الدولة يمثل تحدياً، وتهديداً للإمام، وعليه يصبح من الأسلم ضيق نطاقها قدر المستطاع.

هذا الأمر يقدم لنا التفسير الواضح على لامبالاة الأئمة تجاه الابتتارات المتلاحقة التي حدثت في جسد الدولة اليمنية وتهاونهم مع انفصال جنوب اليمن وشرقه ثم تصعيرهم الخد أمام كل مبادرات الوحدة المنطلقة من أعيان الجنوب أو الشرق(2).. وقد وصل الحد بالإمامة إلى خذلان حركات التحرر الوطني ضد المستعمر البريطاني في جنوب الوطن، بل والتحالف مع المستعمر لإحباطها..

لقراءة المقال من صفحة الكاتب، اضغط هنا.

زر الذهاب إلى الأعلى