[esi views ttl="1"][esi views ttl="1"]

متى تنتهي حرب البسوس المعاصرة؟

لا يمكن القبول بفكرة أن ما حدث في زمن ما من التاريخ يمكن له أن يتكرر، إلاَّ أن إمكانية تكرره في الشعوب المتخلفة التي لا تقرأ التاريخ، ولا تتابع مساره، جائز الحدوث ، أو على الأقل تتشابه، كما هو الشأن مع حرب البسوس التي شهدها العرب في العصر الجاهلي، وهي حرب -كما يذكر التاريخ- دارت بين بكر وتغلب، وهما قبيلتان عربيتان من أشهر قبائل الجزيرة العربية، وقد استمرت الحرب بينهما أربعين عاماً .

 

وسنفترض أن الحروب العربية التي دارت، وتدور في الوطن العربي لا تختلف كثيراً عن حرب البسوس، وقد بدأت في عام 1978م مع كامب ديفيد، ونحن الآن في عام 2017م، وبذلك يكون قد مضى على حرب البسوس المعاصرة أربعين عاماً، وهي كافية ليعود العرب إلى إعداد كشف حساب عن الخسائر، والبدء بمرحلة سلام عربية داخلية تنهي الخصومات المفتعلة، وتمحو آثار الحرب، أو بالأصح الحروب التي أغرقت أجزاء كبيرة من الوطن العربي في الدماء، وأغرقت مواطنيه في فقدان الأمن، وفي سلسلة طويلة من المعضلات التي كان لها أول ولم يتبين لها آخر.

 

لقد قيل الكثير عن الواقع العربي وحروبه المتلاحقة، وتم طرح حلول عدة للخروج من مأزق التشتت والتحارب، وكان في مقدمة تلك الحلول ضرورة الإدراك أن محاولة كل قطر عربي أن يحل مشكلاته قطرياً بات مستحيلاً، فالمشكلة عربية عامة، وقد ثبت أن الجسد العربي واحد، وأن ابتلاء عضو من أعضائه يجعل بقية الأعضاء في حالة وجع، واختلال، ولا يحتاج الأمر إلى أدلة وبراهين على ذلك، فشاهد الحال العربي كافٍ، والتداعيات التي تتو إلى هنا وهناك تقول بأوضح المعاني إن ما يحدث في بغداد يحدث في صنعاء، وما يحدث في سوريا يحدث في ليبيا، وما تتعرض له مصر تتعرض له تونس، والجزائر، وما يهدد السودان يهدد المغرب، وهكذا تقول الجغرافيا، ويؤكد التاريخ، ولا مفر من النظر إلى الوطن العربي بوصفه كياناً واحداً تتعاوره الأحداث، وتتزايد خطورته كلما توهم العرب أن لكل جزء مأساته، وحلوله الخاصة.

 

وإذا كان دور الخارج - غرباً وشرقاً - في ما جرى، ويجري للوطن العربي من الوضوح بمكان، ويكاد معه الرجل العادي يراه بالعين، ويلمسه باليد، ويشمه بالأنف، فإنه - أي ذلك الخارج - لا يدري حتى الآن - ربما - أن ما صنعه للوطن العربي قد انعكس عليه قلقاً وذعراً، وكل محاولة من جانبه لمعالجة ذلك الانعكاس لا تنفع معه القوة، وإنما الوعي بجذور المشكلة، وبتصحيح الأخطاء التي ارتكبها وانقلبت عليه، وكانت جزءاً من معاناة الوطن الذي أمعن الخارج في تخريبه وإقلاق مواطنيه، ومع ذلك لن يصل الحال بنا نحن العرب، إلى درجة التشفي بما يحدث هناك، بل نعترف بأنه يضاعف من معاناتنا، ويهز ضمائرنا، ويدفعنا في الآن ذاته، إلى القول بصريح العبارة إن بضاعتهم رُدّت إليهم، وإن على العالم المتحضر المؤمن بالتعايش أن يبدأ بمعالجة الإشكاليات الراهنة من جذورها ابتداءً من الخطأ الأول، وما تلاه من أخطاء وخطايا. ولكي نكون منصفين وصادقين فلا مناص من أن يكون لومنا لأنفسنا أشدّ، وأقسى من اللوم الموجه للخارج تجاه ما جرى، ويجري لنا، فلولا القابلية للخضوع، والاستجابة لما يفرضه الخارج، لما كان هذا هو حالنا، وأمامنا عشرات الشعوب، قاومت الآخر وتصدّت لرغباته، وأطروحاته، ونجحت في الحفاظ على وحدتها الوطنية والقومية معاً، والضعفاء فقط، هم الذين يستجيبون لكل ما يمليه عليهم الآخرون، إما خوفاً من بطشهم، وإما أملاً في مساندتهم، وكلا الأمرين مرفوض، وغير مقبول من الشعوب التي تحرص على كرامتها أولاً، ثم على سيادتها ثانياً. وبالنسبة إلى الوطن العربي فإنه يبقى الأقوى والأقدر على مواجهة كل قوة تساومه على كرامته واستقلاله، وما ينقصه لتحقيق ذلك سوى شيء وحيد يملكه تماماً، وهو الإرادة.

زر الذهاب إلى الأعلى