[esi views ttl="1"][esi views ttl="1"]

اقتراب زمن التعددية القطبية

يبدو أن الفرصة الآن باتت سانحة لقيام التعدد القطبي، وإنهاء مرحلة القطب الواحد، علماً بأن القطب الواحد بدأ بالترنح داخلياً وخارجياً، منذ أوائل العقد الثاني من القرن الواحد والعشرين، كما أن المتغيرات الراهنة تعجِّل بوصول هذا الترنح إلى نهايته، لاسيما بعد الانتخابات الأخيرة التي جاءت برئيس أمريكي جديد أفزع العالم بتهديداته، وجعل أقرب أصدقاء القطب الواحد في حالة من القلق والبحث عن مواقف جديدة تدرأ عنهم الوقوع في قبضة المفاجآت.

والحديث يدور بين جميع المراقبين والمحللين السياسيين عن قطبية متعددة بدأت بالتشكّل، وتنتظر ساعة الإعلان فقط، وهي كما سبقت الإشارة- تعددية واسعة، لا ثنائية، مثلما كانت قبل ثلاثين عاماً، ممثلة في الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي. إنها قطبية جديدة يكون للشرق فيها حضور كبير، وتتألف، إضافة إلى الولايات المتحدة، من روسيا والصين وأوروبا الغربية، وتقترب اليابان والهند من هذا التشكّل وهما تتحفزان للمشاركة في القطبية المتعددة منذ سنوات، ولهما من الاستعداد والإمكانات ما يؤهلهما لذلك.

والسؤال الذي يطرح نفسه كما يقولون هو أين الشعب العربي من هذه التشكلات، والتحفّزات التي باتت في حكم الحقيقة، ولم تعد مجرد تكهنات صحفية أو أحلام عابرة؟ سيقول كثيرون رداً على هذا السؤال إن الشعب العربي في شغل شاغل عن كل ذلك، بما يعانيه من حروب عبثية وصراعات وانقسامات داخلية ناتجة عن رؤى قاصرة طائفية وإقليمية، وعن جهل تام بالمصلحة الوطنية والقومية، وتعكس سوء الفهم في تصور قدرة هذا الشعب وإمكاناته الواسعة ووصول تعداد أبنائه إلى ثلاثمئة مليون ويزيد، فضلاً عن إمكاناته المادية وما تتمتع به الجغرافيا العربية من مواقع استراتيجية، وممرات دولية ليست لشعب آخر على وجه هذه المعمورة. ومن المستحيل في الوضع الراهن للشعب العربي أن يفكر، أو يطمح إلى أن يكون له دور في هذا المخاض العالمي الكبير. واللافت، بل المحزن أن هذا الشعب العظيم العريق صار غير قادر على التفكير في الخروج من المأزق المخيف الذي أوقع نفسه فيه، أوقعه فيه الآخرون.

وإلى أن يتمكن قادة الشعب العربي، وأبناؤه أو بالأحرى العقلاء من أبنائه، من إدراك أبعاد المحنة التي وقع فيها هذا الشعب فسيظل من المشكوك فيه أن يأخذ ما يستحقه من مكانة لائقة به في المجتمع الدولي الجديد، وسيبقى غارقاً في مشكلاته التي تنمو وتتكاثر ولا تحكم عليه لا بالعزلة والانزواء فحسب؛ بل وبالتطاحن المستمر، والانقياد للأهواء. والواضح أنه من دون إحياء مشاعر الخمسينات والستينات من القرن المنصرم، وما كانت تنبض به من أحلام الوحدة والتضامن الأخوي، فإن أوضاع هذا الشعب العظيم سوف تزداد سوءاً ويأخذ التفكك على المستويين القطري والقومي، أبعاداً أكثر خطورة، ما يصعب وقف التدهور الراهن، فضلاً عن الحديث عن أحقية الشعب العربي في أن يكون واحداً في منظومة القطبية الجديدة التي لا مناص من قيامها دفاعاً عن حق البشرية في الأمن والعدالة ومواجهة الحروب المدمرة التي توشك أن تفتك بالأرض ومن عليها.

إن علينا نحن العرب، رغم تكاثر المعوقات وتزايد المخاطر، أن نتفاءل كثيراً بالتعددية القطبية التي باتت تطرق الأبواب، وأن الشعوب التي عانت غطرسة القطب الواحد سوف تتنفس الصعداء، وتشعر بأن قبضة النفوذ الخارجي ستبدأ بالانحسار، وسيكون هناك أمل كبير في الاستجابة لمصالح الأوطان المقهورة تلك التي أرهقها الآخر بما كان، ولا يزال يفرضه عليها عبر نفوذه الطاغي مما لا تستطيع احتماله.

من الحق القول إن وقوف الشعب العربي مع نظام تعددية القطبية، سيمكِّن له ولو بعد حين، من أن يكون واحداً من أقطابها.

زر الذهاب إلى الأعلى